ما وراء الاعتداء على أسرى الجيش واللجان الشعبية ؟
د. أسماء الشهاري
وبين الفينة والأخرى لا تزال قضية أسرى الجيش واللجان الشعبية اليمنية تطفو على السطح، وفي كل مرة بضجيج أكثر من السابق، حتى أنها تصبح حديث الشارع والمجتمع وتتصدر الأخبار المرئية منها والمسموعة والمقروءة، وتكون هي القضية الأكثر تداولا في جميع مواقع التواصل الاجتماعي، وهكذا لا يكاد الناس ينسون أمرها حتى تظهر من جديد بفاجعة أكبر تشيب منها رؤوس الولدان وتتشقق من هولها أركان السماء وتخرّ الجبال مغشيّا عليها!
لا يستطيع أحد أن يشكك في حقيقة ما يحدث ولا حتى إعلام دول العدوان ومرتزقته، لأنه يحدث جهارا نهارا، بل الأدهى من ذلك أن من يطلقون على أنفسهم مسميات كـ “الشرعية” يقومون بتوثيق ممارساتهم الإجرامية التي تعجز كل لغات الدنيا عن وصف مدى قبحها و وحشيتها، بحق أسرى الجيش واللجان الشعبية بالصوت والصورة ويعملون هم على أن يتم تداولها على أوسع نطاق..
ومن هنا يتضح أنه لا مجال للشك حيالها.
العديد من التساؤلات التي تدور برأس من لا يزالون يدّعون أنهم لا يعرفون حقيقة ما يحصل في اليمن بين أطراف النزاع سواء أكان ذلك من الداخل أو الخارج فإن فيديو واحد فقط عن حقيقة ما يتعرض له الأسرى من قبل من يطلقون على أنفسهم اسم الشرعية وأنهم أصحاب المدنية والثقافة كفيل بأن يجيب على جميع التساؤلات وأن يزيل أي إبهام ولبس في الموضوع، لأن أحدا لا يستطيع أن يحجب أشعة شمس الحق الساطعة بيده والتي يضمحل أمامها ويتلاشى كل زورٍ وبهتان.
إن ما يحدث من بداية تحالف العدوان على اليمن من خلال استعراضنا فقط لما يجري بحق أسرى الجيش واللجان الشعبية اليمنية يمكن من خلاله استنتاج عدد من الحقائق الهامة، كالتالي :
أولاً.. أنه امتداد لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي كانت قد أعلنت عنه الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من خلال تدخلها المباشر أو عبر أدواتها المتمثلة بالقاعدة وداعش،
أن أحدا يشاهد تلك المناظر لا يمكن أن يساوره الشك للحظة في أن من ينفذها هم من الدواعش، وأن الفرق بين جرائم داعش في العراق وسوريا وغيرها من البلدان العربية والإسلامية واليمن هو أن الدواعش في اليمن يريدون أن يظهروا بأنهم الأكثر قبحا وإجراما و وحشية من غيرهم وأن يبتكروا أساليبا جديدة في التعذيب ويبالغون في الانحدار في كل مرة حتى يصلون إلى مستوى من الحيوانية والانحطاط لا يستطيع أن يضاهيهم فيه أحد، وقد يرجع ذلك إلى استماتتهم في كسب رضا أسيادهم من عيال زايد وعيال سعود، وهذا هو حال من باع نفسه بثمن بخس وخسر الدنيا والآخرة.
ثانياً.. أن أهل اليمن بشكل عام وأبناء الجيش واللجان الشعبية بشكل خاص معروفون بأخلاقياتهم العظيمة والعالية في التعامل حتى مع خصومهم ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك حتى من العدوان ومرتزقته، فقد تم أسر العديد منهم وحظيوا ليس فقط بحسن المعاملة بل وحسن الضيافة وتطبيب جرحاهم ومراعاة جميع أحوالهم، بل وتم الإفراج عن أعداد كبيرة جدا منهم المرات تلو المرات دون أن يمسهم أي سوء، بل على العكس الإشادة بهم وبعظمة أخلاقياتهم، ولم يستطع إعلام العدو وأدواته أن يثبت حتى بصورة واحدة أو تسجيل واحد أي حالة انتهاك بحق أسير واحد إلا من محاولة الادعاء والكذب كما حصل للمدعو منير الشرقي الذي ثبت أنه مختل عقليا وأن كذبهم وادعاءاتهم ليس لها أي أساس من الصحة، بينما نجد في الطرف الآخر عشرات الانتهاكات الصارخة والموثقة بحق أسرى الجيش واللجان الشعبية.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن أمثال هؤلاء من شذاذ الآفاق من دواعش العدوان ومرتزقته لم ينسلخوا فقط من يمنيتهم لأن اليمانيين معروفون ومشهورون كما شهد لهم بذلك سيد الخلق محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأنهم أهل الحكمة والإيمان والألين قلوبا والأرق أفئدة، بل أيضا أنهم تجردوا وانسلخوا من كل قيم الدين الحنيف ومبادئه وقيمه والذي يجرم ويحرم أمثال هذه الأعمال خاصة مع الأسرى.
ثالثاً.. أن هذه الأعمال تشير إلى انتماءات مرتزقة العدوان و ولاءاتهم في جميع مناطق المواجهة وبشكل واضح وصريح، فهذه الأعمال الشيطانية إنما تكون بزعامة حزب الشيطان”الإخوان المسلمين” وهي أعمال الوهابية التكفيرية التي تدعوهم إلى قتل إخوانهم وأبناء جلدتهم ومِلتهم وارتكاب أبشع الجرائم بحقهم وعدم مراعاة أي حرمات دينية أو إنسانية لشيخ أو طفل أو امرأة ناهيك عن غيرهم، وفي الوقت ذاته موالاة أعداء الأمة من يهود ونصارى ومنافقين والعمل على جلبهم إلى بلادهم التي يعملون معهم على قتل أبنائها وتشريدهم منها!
رابعاً.. أن ممارساتهم في الميدان تشير إلى كذب وزيف حججهم وادعاءاتهم، فهم عندما يدّعون أنهم يدافعون عن سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الأعمال والتي هم بعيدون عنها بعد السماوات عن الأرض وهي بريئة منهم، فهو لم يعذب الأسرى وأمر بعدم التمثيل بالجثث وعدم الخيانة، ولم يسحل ولم يفجّر البيوت والقبور ولم يعتدي على الآمنين من النساء والأطفال والشيوخ، وغيرها من الأعمال التي تتبرأ منها الإنسانية قبل سنة الرحمة المهداة للبشرية.
خامساً.. أن هذه الجرائم والممارسات إنما تدل على عقدة نقص عميقة وكبيرة جداً، حيث وأن مرتزقة العدوان ودواعشه فشلوا فشلا ذريعا في مقارعة الرجال ومنازلة الأبطال في جميع الميادين والجبهات، وعلى طول خط المواجهة، فهم يفرون أمامهم فرار الفئران لأنهم لا يمتلكون القضية الحقّة العادلة والعقيدة القتالية الراسخة والشجاعة والبطولة والإقدام التي تعجز كل مفردات اللغة عن وصفها والتي يمتلكها أبطال الجيش واللجان الشعبية العظماء، لذلك يحاولون التنفيس عن فشلهم بصنع بطولات تليق بنفسياتهم المنحطة واصطناع الرجولة التي تم اهدارها تحت أحذية الضباط السعوديين والإماراتيين وريالاتهم وفي معتقلاتهم التي تم فيها انتهاك أعراضهم واهدار شرفهم قبل رجولتهم.
ورغم ذلك لا يزالون في كل مرة يوجهون بنادقهم في الاتجاه الخاطئ.
سادساً.. أنه ومن المخططات القذرة التي سعى إليها العدوان منذ أول وهلة، هو محاولة إشعال الفتنة الطائفية والمذهبية والمناطقية بين أبناء الشعب اليمني العظيم الواحد، من أجل اضعافه وتفتيته وتسهيل تقسيمه واحتلاله، ومن أجل إدخاله في حروب داخلية بعيدة المدى، وهم يسعون للعب بهذه الأوراق لكي يحققوا بالفتنة ما عجزوا عن تحقيقه بآلاتهم العسكرية الضخمة وإمكاناتهم الهائلة، لذلك دائما ما يظهر أثناء تعذيبهم للأسرى وقتلهم لهم أنهم يعزّون ذلك إلى مبررات طائفية أو مذهبية أو مناطقية وهو عمل أمريكي بامتياز كما هو معروف وكما حصل في العراق وسوريا وغيرها..
سابعاً.. أن هذه الجرائم والممارسات البشعة التي تعد انتهاكا صارخا لجميع المواثيق الدولية والإنسانية بحق الأسرى، والتي تكررت كثيراً دون أن نجد أدنى تحرك حيالها من قبل الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان والمنظمات ذات الصلة مما يضع العديد من التساؤلات حولها وحول المبادئ والمواثيق والمعاهدات التي تتبناها!
ثامنا.. أن دواعش العدوان ومرتزقته يتعمدون القيام بمثل هذه الجرائم وتوثيقها بغية نشر الخوف والرعب بين أبناء الشعب اليمني العزيز المظلوم، ولا يعرفون أن ما يقومون به له نتائجه العكسية والكبيرة عليهم فهو إنما يزيد من وعي الناس بحقيقتهم، ورفع حالة السخط إلى أعلى مستوياته ضدهم والذي غالبا ما يصاحبه تحرك شعبي لمواجهتهم خاصة من المناطق التي ينتمي إليها الأسير المعتدى عليه ظلما.
تاسعا.. أنه من التداعيات الكبيرة لهذه الجرائم تعري دواعش العدوان ومرتزقته من كل الشعارات التي يرفعونها والتي ثبت زيفها، وانسلاخهم عنها وتجردهم منها، فهم بعيدون كل البعد عن الوطنية التي يتشدقون بها، وعن الثقافة والمدنية التي يدعونها وحاشاها إلا ثقافة الذل والعار.
فعن أي ثقافة تتحدثون، وتعساً لكم ولثقافتكم هذه.
تعساً لكم ولثقافتكم التي لم تقدروا أن تميّزوا بها بين الحق والباطل..
تعساً لها من ثقافة التي تجعلكم ترحبون بمن جاء ليستبيح أرضكم وعرضكم، وليس في طياتها ما يجعلكم تقبلون التعايش مع أبناء وطنكم ..
تعساً لها من ثقافة التي تجعلكم تقفون إلى جانب الغازي و المحتل ضد أرضكم وأبناء وطنكم و جلدتكم..
تعساً لها من ثقافة التي تجعلكم تنجرون وراء الطائفية المقيتة والمذهبية والمناطقية البغيضة و بكل سهولة أكثر من غيركم..
تعساً لها من ثقافة التي لا تجعلكم تتناهون عن منكرٍ يفعله سفهائكم وهم يقتلون الأبرياء منكم دون وجه حق.
وأفٍّ لكم ولثقافتكم هذه..
عاشرا.. مما يعلمه الجميع ولا يستطيع أحد إنكاره داخل اليمن أو خارجها، هو الوضع الذي يعيشه الناس في الأماكن التي هي تحت سيطرة أبناء الجيش واللجان الشعبية، والأماكن القابعة تحت سيطرة مرتزقة العدوان ودواعشه، وأن الفرق بينهما كما بين السماء والأرض، وأن ما يحدث للأسرى يعد نموذجا لحقيقة لتعامل هؤلاء مع من يخالفهم،
وأن السحل والذبح وتقطيع الأحياء ودفنهم وحرقهم ورميهم من الأماكن الشاهقة، وغيرها من الممارسات الشيطانية هي المصير الذي ينتظر كل من يخالفهم إذا تمكنوا من السيطرة تحت راية الأمريكي والإسرائيلي والسعودي والإماراتي والجنجويد وغيرهم، مما يستوجب على الجميع رفع أقصى درجات الجهوزية وشحذ الهمم وبذل أقصى ما يمكن لقتالهم و دحرهم وعدم تمكينهم من البلاد والعباد التي يريدون تسليمها لأسيادهم المعتدين تحت شعار “جئناكم بالذبح”.
وفي الختام فإن دماء شهدائنا وأسرانا العظماء أمثال عبدالقوي الجبري الذي تم دفنه حيّا أو غيره ممن تم سحلهم ورميهم من الجبال الشاهقة أو التمثيل بهم، فإنه دين في رقاب رجال الرجال من أحرار هذا الشعب العظيم الذين لا يدينون بالولاء إلا لله والوطن والشرفاء من أبنائه،
والذين يستحيل أن يقابلوا أعمالكم بالمثل مهما بلغت لأن هكذا حتم عليهم دينهم و رجولتهم ومبادئهم وأخلاقهم، وإنما الميدان هو ساحتكم التي ستساقون إليها سوقا، وقد علمتم بأسهم وذقتم لهب سعيرهم، وشدة بطشهم و وطأتهم.. فـَ”ساءَ صباحُ المُنذرين”.