سيناريوهات واحتمالات .. عزل الرئيس الأمريكي ترامب وتأثيرها على الشرق الأوسط
يمانيون – متابعات
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن تزايد احتمالات عزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من منصبه على خلفية سلسلة من الفضائح المالية والسياسية وحتى الأخلاقية التي ضربت الدائرة المحيطة به وبدأت بالفعل تقترب من شخص الرئيس نفسه، مما قد يمهد الطريق لإطلاق شرارة إجراءات عزله من منصبه وفقا للدستور الأمريكي.
نود في هذا المقال أن نسلط الضوء على نقطتين محوريتين:
* ما هي سيناريوهات عزل ترامب من منصبه وما هي احتمالية كل سيناريو؟
* في حال تحقق العزل فعلا، ما هي الآثار المتوقعة على قضايا الشرق الأوسط؟
أولا: عن سيناريوهات واحتمالات عزل الرئيس الأمريكي
عزل الرئيس الأمريكي ممكن وفقا للدستور الأمريكي منذ اقترحه بنجامين فرانكلين في ميثاق فيلاديلفيا عام 1787. وعلى الرغم من إمكانية إطلاق إجراءات العزل بحق الرئيس، إلا أنه مرتبط بعملية قانونية وإجرائية في غاية التعقيد، مع الأخذ بعين الاعتبار الجانب السياسي المهيمن بوضوح في مثل هذه الحالات.
عدة سيناريوهات تتيح إمكانية عزل الرئيس من منصبه وهي التالية:
السيناريو الأول: عزل الرئيس من خلال الكونغرس الأمريكي بغرفتيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ. إطلاق العملية في مجلس النواب ممكن وسهل نسبيا نظرا لأنه يتطلب تحقق الأغلبية البسيطة فقط (النصف زائد واحد)، إلا أن عقدة المنشار في هذا السيناريو تكمن في موافقة مجلس الشيوخ على عزل الرئيس والذي يتطلب تصويت أغلبية الثلثين بالموافقة، وهو ما يعتبر مهمة صعبة المنال وخاصة في الوقت الحالي حيث يسيطر الجمهوريون على الأغلبية.
تغير السياسية العدائية الأمريكية تجاه أنقرة مرهون بعوامل أخرى من أهمها تحسن علاقاتها مع تل أبيب أكثر من ارتباطه بشخصية الرئيس الأمريكي
إلا أن الانتخابات النصفية التي ستجري في شهر تشرين الثاني نوفمبر المقبل باتت على الأبواب. نتيجة هذه الانتخابات قد تلعب دورا محوريا في تحديد مصير الرئيس فيما لو استطاع الديمقراطيون انتزاع الأغلبية من الجمهوريين. إلا أنه وفي هذه الحالة أيضا يبقى موضوع العزل صعبا لاحتياجه إلى موافقة أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ وهو ما لا يمكن تحققه لأحد الحزبين. استنادا لذلك فإن الديمقراطيين يبقون بحاجة لدعم بعض أعضاء الحزب الجمهوري لتمرير قرار العزل، وهو ما يبدو أمرا ليس واردا حتى الآن.
تاريخيا تم استعمال هذا السيناريو بحق عدة رؤساء أمريكيين هم أندرو جونسون وبيل كلنتون وريتشارد نيكسون. وبينما استطاع الأولان تجنب العزل من خلال رفض مجلس الشيوخ تمرير قرار عزلهما، قدم الأخير استقالته قبل أن تصل الإجراءات إلى نهايتها نظرا لأن إمكانية تمرير قرار عزله كانت واردة بقوة نتيجة لتبعات فضيحة ووتر غيت الشهيرة.
السيناريو الثاني: تقديم الرئيس استقالته فيما لو أحس بأن الخناق بدأ يضيق عليه على غرار ما فعله الرئيس نيكسون في سبعينيات القرن الماضي. هذا السيناريو يبدو أكثر واقعية من السيناريو السابق إلا أنه يتوقف على متانة العلاقة بين الرئيس وحزبه بشكل أساسي. فريتشارد نيكسون قدم استقالته عام 1974 بسبب تراجع تأييده داخل أوساط حزبه من الجمهوريين، مما جعل مسالة عزله شبه حتمية، ففضل الرئيس تقديم استقالته حتى لا يصل لهذه النهاية البشعة.
أما في حالة دونالد ترامب، فلا يبدو حتى الآن بأن قادة حزبه من الجمهوريين مستعدون للتخلي عن الرئيس، وهذا ما عبر عنه بوضوح الرجل الثاني في كتلة الجمهوريين في مجلس الشيوخ جون كورنين عندما قال بخصوص الأزمة “وما دخل الرئيس بكل بهذا؟”.
بالمقابل فإن بعض أعضاء الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ منزعجون بشدة من أداء ترامب ولعل وصية السيناتور الراحل جون ماكين، والذي وافته المنية قبل عدة أيام، بعدم السماح لدونالد ترامب بحضور جنازته لهو دليل ذو قيمة على العلاقة المتوترة بين ترامب وبعض الأعضاء البارزين في حزبه. إلا أننا بالمقابل لا يجب أن نغفل دور شخصية الرئيس في مثل هذه الحالة. فدونالد ترامب يتميز بشخصية عنيدة ونزعة هجومية واضحة، مما قد يجعل احتمالية استسلامه للضغوط محلا للشك.
السيناريو الثالث: قد يتم عزل الرئيس من خلال تفعيل المادة 25 من الدستور الأمريكي والتي تم إقرارها عام 1963 إثر حادثة اغتيال الرئيس كنيدي وذلك لتقديم حل دستوري لمسالة وجود رئيس يعيش في حالة مرضية تمنعه عن ممارسة مهامه، إلا أن تفعيل هذه المادة يتطلب وجود حالة مرضية لدى الرئيس تمنعه من ممارسه مهامه، وهو ما ليس متوفرا في حالة دونالد ترامب، كما يتطلب موافقة الكونغرس في حال اعترض الرئيس على هذه الخطوة، مما يعيدنا إلى المربع الأول.
ثانيا: عزل ترامب وقضايا الشرق الأوسط
الولايات المتحدة هي القوة الكبرى التي لا تزال مهيمنة على المستوى العالمي على الرغم من تراجع دورها خلال السنوات الماضية. ونظرا لما يمتلكه الرئيس الأمريكي من صلاحيات، فإن شخصية الرئيس ورؤيته السياسية تمثل عامل تأثير مباشر ومهم في السياسة الخارجية الأمريكية، وذلك على الرغم من حقيقة أن الولايات المتحدة لا تدار من قبل جهة واحدة بل هي دولة مؤسسات نشطة.
لا نعتقد بحصول انقلاب كبير في سياسات واشنطن تجاه قضايا المنطقة لارتباطها بمحددات أعمق من شخصية الرئيس أولا ولأن مايك بنس يسير أساسا على خطى ترامب في معظم هذه الملفات
رويترز
السؤال الذي يطرح نفسه إذن: كيف يمكن لعزل ترامب قبل نهاية فترته الرئاسية الحالية أن يؤثر على سياسة الولايات المتحدة من قضايا الشرق الأوسط؟ من المؤكد أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط تتأثر بتوجهات الرئيس، إلا أنها تخضع لمحددات أعمق يأتي على رأسها مصالح “إسرائيل”. استنادا لذلك فإن سياسات الولايات المتحدة في المنطقة، وخاصة على المستوى الاستراتيجي، تتصف برأينا بنوع من الاستمرارية والمنهجية عابرة للإدارات محددها مصالح إسرائيل كما أشرنا لذلك في مناسبات عديدة.
* بالنسبة للعلاقات مع تركيا فإننا نعتقد بأن توتر العلاقات التركية الإسرائيلية يعتبر سببا مركزيا، وإن كان ليس السبب الوحيد طبعا، في توتر العلاقات التركية الأمريكية. إلا أن هذا العامل ليس معلنا ولم يلق الكثير من الاهتمام. لذلك فإن تغير السياسية العدائية الأمريكية تجاه أنقرة مرهون بعوامل أخرى من أهمها تحسن علاقاتها مع تل أبيب أكثر من ارتباطه بشخصية الرئيس الأمريكي (محاولة الانقلاب جرت في عهد أوباما والحرب الاقتصادية الحالية في عهد ترامب).
* ولو عرجنا على القضية الفلسطينية فإن موقف الولايات المتحدة من مسالة الاستيطان مثلا لن يتغير بتغير الرئيس ودليلنا على ذلك هو أن باراك أوباما شخصيا كان رافضا لمسالة توسع المستوطنات إلا أنه لم يجرؤ على الوقوف في وجه إسرائيل إلا في أخر أيام ولايته الثانية عندما أصبح عمليا في مأمن من أي تبعات سياسية ناتجة عن ضغوط تل أبيب. عندها فقط مررت إدارته قرارا في مجلس الأمن يدين الاستيطان.
أما عن مسالة الاعتراف بالقدس فإننا نجزم بأن أي رئيس قادم للولايات المتحدة لن يجرؤ على التراجع عن هذه الخطوة. مبرر ذلك ببساطة هو أن أي رئيس لن يستطيع تحمل تبعات هذا التراجع الذي سيثير بالتأكيد غضب إسرائيل وداعميها الأقوياء في واشنطن. وكمحصلة لذلك فان ما يسمى بصفقة القرن التي يتم العمل عليها الآن سوف يستمر العمل عليها مع أو بدون ترامب، وخاصة أن مايك بنس الذي سيتولى مسؤوليات الرئاسة حال عزل ترامب هو أحد مهندسي هذه الصفقة. ولهذه الأسباب نعتقد أيضا بأن عزل ترامب إن تحقق فلن يحدث تغييرا كبيرا في الموقف من الملف الإيراني والاتفاق النووي ولا حتى من الأزمة الخليجية أو السورية وذلك نظرا لارتباط كل هذه الملفات بأهداف استراتيجية بعيدة.
في المحصلة: في ظل الظروف الحرجة التي يمر بها الرئيس الأمريكي وما يرافقها من سلسلة الفضائح السياسية والمالية والأخلاقية، خاصة مع تخلي أقرب المقربين منه عنه، وعلى رأسهم مدير حملته الانتخابية بول مانفورت ومحاميه مايكل كوهين، يبدو بأن سيناريو عزل الرئيس أو استقالته لم يعد مستبعدا، إلا أنه وفقا للمعطيات الحالية لم يصل إلى مرحلة الترجيح. أما بالنسبة للتأثير المحتمل للعزل على ملفات الشرق الأوسط، فلا نعتقد بحصول انقلاب كبير في سياسات واشنطن تجاه قضايا المنطقة لارتباطها بمحددات أعمق من شخصية الرئيس أولا ولأن مايك بنس يسير أساسا على خطى ترامب في معظم هذه الملفات ثانيا. كل ما يمكن أن يحصل بالتالي هو تغير بعض التكتيكات أو طرق إدارة الملفات لا أكثر. أما التغير الكبير فيمكن أن يحدث في ملفات خارجية أخرى وعلى رأسها العلاقات مع روسيا فيما لو عزل ترامب على خلفية تدخلها في الانتخابات.
محمد العمر – باحث في العلوم السياسية