غسيل الأموال في دبي .. أين المفر؟
يمانيون – متابعات
أستطاعت أن تخفي الإمارات نفسها لعقود من الزمن خارج إطار الحملات الإعلامية ضدها ونجحت إلى حدّ بعيد في ثقافة شراء الذمم، ولكن على ما يبدو “طفح الكيل” والنتائج العكسية بدأت تظهر بشكل واضح على جميع الأصعدة، ولاسيما الاقتصادية منها والتي تشكّل الأساس لشهرة هذه الدولة، وتعاني الأسواق الرئيسية في الإمارات حالياً وخصوصاً دبي من حالة تدنٍ واضحة لمستويات السيولة والتداولات مع دخول فترة الربع الثالث من عام 2018، وهناك نقص حادٌ في حجم الاستثمارات مقارنة بالأعوام الماضية.
غسيل الأموال
ينتشر غسيل الأموال في الإمارات بشكل لا يصدق دون قيد أو شرط ودون وضع أي قوانين للحدّ من انتشار هذه الظاهرة التي تعدّ المصدر الأساسي لدخل الإمارات، فقد صنّفت العديد من التقارير الدولية الإمارات على أنها مركز رئيسي لتمويل الإرهاب وعمليات تبييض وغسل الأموال، التي يقدّر حجمها العالمي سنوياً بنحو تريليوني دولار، أي ما نسبته 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وكشف تقرير أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية، في مارس من العام الماضي، انخراط مؤسسات مالية في الإمارات في معاملات نقدية تنطوي على مبالغ كبيرة من العائدات من الاتجار الدولي بالمخدرات، وصنّف التقرير الإمارات من البلدان الرئيسية في مجال غسل الأموال، لتكون الدولة الخليجية الوحيدة التي تدخل ضمن هذا التصنيف.
وذكر أن جزءاً من نشاط غسل الأموال في الإمارات يرتبط بعائدات غير قانونية من المخدرات المنتجة جنوب غرب آسيا، وأشار إلى أن جرائم غسل وتبييض الأموال في الإمارات تشمل بشكل رئيسي القطاع العقاري وتجارة الذهب والألماس، وأوضح التقرير الأمريكي أن نقاط الضعف في النظام المالي الإماراتي تتمثل في عدم وضع ضوابط وتعريفات للكيانات المالية في المناطق الحرة، وفرض الرقابة عليها بما يكفل سدّ الفجوات في الرقابة، وطلب التقرير من الإمارات بذل المزيد من الجهد، وزيادة قدراتها ومواردها للتصدي لعمليات غسل الأموال، وفي عام 2016 أكد التقرير السنوي للخارجية الأمريكية بشأن الإرهاب، أن الجماعات الإرهابية استغلت الإمارات كمركز لتعاملاتها المالية.
لماذا لا تكافح الإمارات غسيل الأموال؟!
تدّعي الإمارات أنها تتعاون مع وحدة استعلام مركزية في دول مختلفة لتبادل المعلومات والتصدي لعمليات غسل الأموال ومكافحة الإرهاب، بحسب محافظ المصرف المركزي الإماراتي، مبارك راشد المنصوري، وقال المنصوري خلال مؤتمر مشترك بين الإمارات وبريطانيا: إن دولة الإمارات مركز مالي إقليمي رئيس في المنطقة، وتولي أهمية كبرى لمكافحة الجرائم المالية والحفاظ على الأمن الاقتصادي للمجتمع الدولي.
ولكن هذا الكلام ليس له أي وجود على أرض الواقع، حيث إن جلّ دخل الإمارات يأتي من خلال هذه الأعمال المخالفة للقوانين الدولية، فبحسب وكالة أسوشيتد برس فإن قيمة غسل الأموال في الإمارات تقدّر بنحو مليار دولار سنوياً، بحسب تقارير سابقة، وأفاد معهد “بازل” الدولي لمكافحة غسل الأموال في تقريره السنوي لعام 2017، بأن الإمارات تحتل المرتبة الأولى خليجياً من ناحية مخاطر تمويل الإرهاب وغسل الأموال، والمرتبة الـ72 عالمياً من أصل 146 دولة، وجاءت الإمارات، وفقاً لذات التقرير، في المرتبة الأخيرة بين دول الخليج في مجال مكافحة غسل الأموال، يشار إلى أن تصنيف معهد “بازل” حول غسل الأموال ومخاطر تمويل الإرهاب، هو المؤشر الوحيد في هذا المجال عالمياً.
باكستان وغسيل الأموال
بعد أن تلقّت الإمارات صدمة بوصول مهاتير محمد إلى رئاسة الوزراء في ماليزيا خلفاً لرجلها هناك نجيب عبد الرزاق والفضائح التي طالت الاثنين، جاءتها صدمة أخرى مع وصول عمران خان إلى رئاسة وزراء باكستان، فالرجل لا يبدو أنه سيتهاون مع من يريد العبث بخيرات بلاده وأمنها وقوانينها، ولهذا نجده اليوم يتابع بشكل شخصي قضايا تتعلق بالممتلكات خارج البلاد، فالباكستانيون يمتلكون عقارات وأصولاً بقيمة 150 مليار دولار في دولة الإمارات، بحسب وكالة التحقيقات الفيدرالية الباكستانية المحكمة العليا في إسلام آباد.
وشكّلت حكومة عمران خان فرقة عمل لاستعادة الأموال المهرّبة إلى خارج البلاد، وتحديداً في دولة الإمارات، وسعت المحكمة العليا إلى إعداد قائمة بأسماء الأشخاص الذين لم يقوموا بالكشف عن ممتلكاتهم خارج البلاد ضمن التصريح بالثروة المقدم إلى المكتب الفيدرالي لتحصيل الإيرادات، وكلّفت المكتب بمهمة ضمان تقديم الأسماء في ظرف مختوم، وحذّرت المحكمة من أنها ستتخذ إجراءات صارمة ضد أي شخص يقوم بتسريب هذه المعلومات.
وكشفت وكالة التحقيقات الفيدرالية الباكستانية عن وجود 2750 من الأملاك غير المعلن عنها تعود لشخصيات باكستانية في دولة الإمارات.
وللتذكير ففي نهاية العام الماضي، أدرجت أمريكا في القائمة السوداء أربعة رجال وشركاتهم في باكستان والإمارات لارتباطهم المزعوم بمنظمة متهمة بغسل الأموال لمهربي المخدرات وجماعات الجريمة الصينية والكولومبية والمكسيكية.
وكان من بين هؤلاء الباكستاني عبيد خاناني الذي اعتقلت السلطات الأمريكية والده ألتاف خاناني في عام 2015 واتهمته وزارة الخزانة الأمريكية بغسل مليارات الدولارات لجماعة طالبان وغيرها من الجماعات الأفغانية، كما أدرجت الوزارة العديد من الشركات التجارية في باكستان ودبي للأسباب ذاتها.
وبعد كل ما تقدّم يبقى عدم انضمام الإمارات إلى مجموعة FATF الدولية لمكافحة غسيل الأموال والتأمين المالي للسياح، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدل على أن السلطات الإماراتية شريكة بما يجري بهذا الكم الهائل من غسيل الأموال في بلادها، وعلى ما يبدو أنه أصبح جانباً معتمداً من الدخل القومي وهنا تكمن الطامة الكبرى التي سترتد نتائجها على هذه الدولة يوماً ما.