مأساة الشعب اليمني .. أبعد من جرائم حرب في ظل التناقضات الامريكية
يمانيون – متابعات – تقارير
جددت منظمة اليونيسيف من انتشار المجاعة في اليمن بشكل يفوق التوقعات نتيجة استمرار العدوان السعودي على الشعب اليمني وقالت في تقرير جديد لها إن أكثر من احد عشر مليون طفل يمني اي ما يمثل نحو ثمانين في المئة من سكان البلاد تحت سن الثامنة عشرة يواجهون خطر نقص الغذاء والإصابة بالأمراض نتيجة الحرب على اليمن.
وقالت ميرتسيل ريلانو مندوبة اليونيسيف في اليمن ان الحرب حوّلت اليمن إلى جحيم مقيم لأطفاله، مشيرة الى ان نحو مليوني طفل يعانون من سوء التغذية وأصيب حوالي 400 الف منهم بسوء تغذية حاد ويكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة يوميا.
ويفرض العدوان السعودي – الامريكي يفرض حصارا شاملا على اليمن منذ ثلاث سنوات ونصف ما تسبب بكارثة انسانية وصفتها الامم المتحدة بالأسوأ في العالم.
وتواصل قوى العدوان السعودي الامريكي في اعتداءاتها على منطقة الحديدة في الساحل الغربي، في وقت حذر فيه رئيس اللجنة الثورية العليا في اليمن محمد علي الحوثي من خطة لدول العدوان لاستهداف مخازن المنظمات الدولية الإغاثية ومطاحن الحبوب في محافظة الحديدة واستهداف الأحياء المكتظة بالسكان. وأضاف في تغريدة له على تويتر أن الخطة هذه تأتي تزامنا مع حملة إعلامية تشنها أبواق إعلام العدوان لتبرير جرائمه في الحديدة.
أمريكا وسياسة التناقضات في تنظيمها لمأساة اليمن
في 12 سبتمبر / أيلول ، صرّح وزير الخارجية مايك بومبيو رسميا بأن السعودية والإمارات تقومان بإجراءات واضحة للحدّ من خطر إلحاق الأذى بالمدنيين والبنية التحتية المدنية الناجمة عن العمليات العسكرية لهذه الحكومات في اليمن، متناسيا السماح للطائرات الأمريكية بمواصلة تزويد الطائرات السعودية والإماراتية بالوقود، حيث لن تتمكن الأخيرة من أن تستمر في إسقاط القنابل على أهداف في اليمن لولا الأولى.
وفي هذا الصدد انتقد موقع “كاونتر باونش” الأمريكي هذه السياسة المتناقضة التي يتّبعها البيت الأبيض حيث قال الموقع على لسان الكاتب ” كيفين مارتن “، إنه من بين العديد من الهجمات على أهداف مدنية في اليمن، كان تفجير حافلة مدرسية في منطقة السوق الشهر الماضي الأكثر رعبا، حيث أسفر هذا العمل الإجرامي عن استشهاد 51 شخصا من بينهم 40 طفلا، وهذا يعدّ من بين أكثر الهجمات المروّعة، لدرجة أن السعودية اعترفت بأن هذا الهجوم “غير مبرر”، وهنا لا ينبغي السماح للنظام السعودي بالتحقيق مع نفسه.
وفي الواقع، أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريرا من 90 صفحة ينتقد بشدة تحقيقات التحالف السعودي الإماراتي في هجماته، وخاصة على المدنيين.
وفيما يخصّ الهجمات السعودية المتتالية على أهداف مدنية قال الموقع: إن ذلك القصف الذي صدم ضمير المجتمع العالمي، لم يكن أول أو آخر مذبحة للمدنيين في اليمن، حيث إنه في عام 2016، قتلت الهجمات السعودية على سوق 252 شخصا، وردّا على ذلك، أوقفت إدارة أوباما بيع الذخائر الموجّهة بدقة إلى السعودية، مستشهدة بمخاوف حقوق الإنسان، ولكن حينها نقض وزير الدولة ريكس تيلرسون الحظر في مارس 2017.
وتابع الكاتب الأمريكي بالقول: تعتبر الكارثة الإنسانية في اليمن الأسوأ في العالم في هذه اللحظة، حيث قتل ما يزيد عن 10.000 شخص (ومنهم 20٪ من الأطفال) كما أن 15 مليونا من مجموع السكان اليمنيين البالغ عددهم 23 مليون نسمة يعتبرون غير آمنين بحسب وصف الأمم المتحدة، أضف إلى ذلك أسوأ تفش للكوليرا في كوكب الأرض، ما يؤثر على أكثر من مليون شخص.
وفيما يخص الدور الأمريكي لما يجري في اليمن قال الكاتب: أمريكا هي تاجر الأسلحة الأول في العالم، والسعودية أكبر زبائنها، حيث اشترت أكثر من 100 مليار دولار في مجال التسليح منذ عام 2010، وقد تم استخدام القنابل في الهجمات الدامية ضد الشعب اليمني من قبل شركة لوكهيد مارتن في بيثيسدا بولاية ماريلاند، أكبر شركة لتصنيع الأسلحة في العالم وأكبر مقاول حكومي أمريكي، مع مبيعات صافية بلغت أكثر من 13 مليار دولار في الربع الثاني من هذا العام.
وأضاف الموقع الأمريكي بالقول: في وقت سابق من هذا العام، حاول مجلس الشيوخ الأمريكي التدخل لوقف قيام الطائرات الأمريكية بالتزوّد بالوقود في الجو ناهيك عن الدعم اللوجستي والاستخباراتي ولكن فشل هذا الإجراء الذي اتخذه الحزبان الجمهوري والديمقراطي بقيادة السيناتور مايك لي وبيرني ساندرز في تصويت إجرائي من 55 إلى 44، كما قدمت اقتراحات مماثلة في مجلس النواب.
واختتم الموقع بالقول: يجب على الأفراد المعنيين الاتصال بأحد أعضاء مجلس النواب ومطالبتهم بدعم هذا المسعى السليم لوقف المشاركة الأمريكية في هذه المأساة، والتي من دونها لا يمكن أن يستمر التحالف بقيادة السعودية بالعدوان على اليمن، ومن المحتمل أن يضطر للتفاوض بجدية أكبر مع الحكومة المدعومة من الحوثي، لسوء الحظ، تم تصوير هذا الصراع كجزء من الصراع الإقليمي السني الشيعي الإقليمي بين السعودية وإيران، لكن الشعب اليمني يحتاج إلى أن ينهي هذا الكابوس السعودي، بغض النظر عن السياسة الجيوستراتيجية.
دفع دولي نحو محاسبة المتورطين في مجازر اليمن
يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورغم تحدثه عن علاقة بلاده الاستراتيجية بالسعودية، إلا أنه لا يستطيع أن يتخلص من سمته الأصلية بكونه “تاجر” يبحث عن المال أينما ذهب، ولا نستغرب أن يكون الضغط الذي يمارسه اليوم على السعودية فيما يخص المجزرة الأخيرة التي استهدفت حافلة ركاب كانت تقل أطفالا في صعدة (شمالي اليمن)، يأتي ضمن هذا السياق، وإلا لكانت عاقبت واشنطن السعودية منذ مجزرة “الصالة الكبرى” التي راح ضحيتها المئات، ورافقها بعض الإدانات دون أن تحرّك دولة سكانا في اتجاه منع توريد الأسلحة إلى السعودية، والأسلحة التي قتلت المئات قبل عامين من الآن هي نفسها التي قتلت الأطفال قبل شهر، وهي أمريكية بطبيعة الحال.
اليوم واشنطن تقول إنها تأخذ “على محمل الجد” تقريرا أمميا أشار إلى “جرائم حرب” محتملة ارتكبت في اليمن من جميع أطراف النزاع وضمنها السعودية حليفة أمريكا، وقالت هيذر نويرت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية: “اطلعنا على تقرير مجلس حقوق الإنسان، إن الانتهاكات المحتملة للقانون الدولي التي أشار إليها هذا التقرير تقلق بشكل عميق الحكومة الأمريكية”، وأضافت: “نعتقد أن لا شيئ يمكن أن يبرر مثل هذه الجرائم إذا كانت حدثت فعلا” داعية أطراف النزاع إلى “اتخاذ الاجراءات الضرورية لتجنب مثل هذه الانتهاكات”، بحسب “فرانس برس”.
ومن جانبها وجهت وزارة الدفاع الأمريكية، تحذيرا للسعودية، بأنها مستعدة لخفض الدعم العسكري والاستخباراتي، لحملتها ضد “أنصار الله” في اليمن، إذا لم يظهر السعوديون أنهم يحاولون تقليل عدد القتلى المدنيين نتيجة الغارات، ولكن من غير الواضح، إذا ما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يرى السعوديين كحليف رئيسي، سوف يقبل بتخفيض الدعم.
إذا لم تتم محاسبة المسؤولين عن المجزرة الأخيرة في “صعدة” والتي راح ضحيتها 51 شخصا بينهم 40 طفلا، وأوقعت 79 جريحا بينهم 56 طفلا، لن يكون هناك أمل في إنهاء الحرب في المستقبل القريب والتي أدت إلى أفظع كارثة إنسانية في العالم ودمرت بنى البلاد التحتيّة وشردت نساءها وأطفالها وجعلتهم من دون مأوى يعانون حر الصيف وبرد الشتاء ومصابين بأمراض شتى نتيجة عدم الرعاية الصحية، وستكون عدم المحاسبة بمثابة إعطاء ضوء أخضر لاستمرار القصف ضد المدنيين، فالإدانات الشفهية لن تجدي نفعا وستسمح بتأزيم الأمور هناك.
التورط مع تنظيم القاعدة
قبل عدة أسابيع كشفت وكالة “أسوشيتد برس”، النقاب عن أن التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، أبرم اتفاقات سرية مع مقاتلي تنظيم “القاعدة”، ودفع لهم أموالا للخروج من مناطق رئيسية، كما أنه أبرم اتفاقات معهم للانضمام إلى “التحالف” منذ ربيع عام 2015، وذلك كله بعلم وتسهيل من الأمريكيين، وحسب الاتفاق تم دفع المال لبعضهم لقاء مغادرتهم المدن والبلدات الرئيسية التي كانت تحت سيطرتهم في اليمن وترك آخرين ينسحبون مع كامل أسلحتهم ومعداتهم وعتادهم وكم كبير من الأموال المنهوبة، وفقا لما كشفه التحقيق، كما جنّد المئات منهم للانضمام إلى التحالف ذاته.
ألا تكفي هذه التقارير الموثقة لكبح جماح التحالف السعودي الإماراتي في قتل المزيد من المدنيين العزّل في اليمن؟!.
الخميس الماضي اعترفت منظمة هيومن رايتس وتش، بأن الغارة التي شنّها العدوان السعودي على مراسم عزاء في العاصمة اليمنية صنعاء، يبدو أنها جريمة حرب، وأضافت المنظمة الدولية “إن الغارة على مراسم العزاء تؤكد الحاجة الملحة إلى تحقيقات دولية موثوقة في انتهاكات قوانين الحرب في اليمن”.
ونحن نضيف إلى ذلك بأن الحاجة اليوم ملحّة أكثر إلى ملاحقة ابن سلمان وابن زايد في محكمة العدل الدولية، فكل التقارير المنتشرة تؤكد بالدليل القاطع تورط الأميرين في ارتكاب جرائم حرب في اليمن، وما يجري اليوم من محاولات سعودية لرمي كرة جرائم الحرب في ملعب أنصار الله، ونقل التهمة من على كتفها وإلقائها في الحضن اليمني لن يكون سوى هروب جديد من تحمّل المسؤولية والفشل الذريع الذي شهده التحالف هناك وتبرئة جرائمهم، وكالعادة محاولة الاصطياد في الماء العكر.
- قناة العالم