البطل الشهيد أبو قاصف.. من وسام الشجاعة إلى وسام الشهادة
يمانيون – تقارير
عيسى أبو قاصف، بطل ملحمة الحجارة الشهيرة، ذلك الشاب العشريني الذي باع نفسه لله ونذر ساعاته للجهاد، لم يتماثل للشفاء بعد، حتى عاد كراراً ليرابط في الرباط المقدس، طلق الدنيا ثلاثاً يوم تغنت ببطولاته، ورمى بكل الإمتيازات التي منحت له هو يقف على قدميه الجريحتين متقلداً وسام الشجاعة من أعلى سلطة في البلاد.
خيروه بين المنى والأماني، وعرضوا عليه أن يطلب ما يريد ويأخذ قسطاً من الراحة والنقاهة بعد أن اثخنت جراحه في تلك الملحمة الخالدة، فكان رده مجلجلاً صادحاً بالإيمان وثقافة القرآن، قالها بملء الفم الرطب بذكر الله تبجيلاً وتهليلاً: “أريد أن أعود إلى الجبهة، هذه أمنيتي وهذا طلبي، فلا تقفوا في طريقي”..!!
عيسى العكدة إبن وصاب اليافع، ذلك العتيق الذي بدأ حديثه مع لقاءات الصحافة يوم أن التموا حوله يرتشفون من رضاب عزيمته ورباطة جأشه، يقول معللاً التحاقه بركب المجاهدين بكلمات أرق من النسيم، تجري جريان ماء الورد على الورد: “عندما شاهدت أن هناك عدواناً أجنبياً ظالماً على بلدي يقتل المدنيين ويدمّــر المنازل فوق رؤوس ساكنيها، ويرتكب أبشعَ المجازر، وشاهدتُ دموعَ النساء وصراخ الأطفال وأشلاءهم ممزقة لم أستطع أن أجلسَ في البيت، كان هناك شيءٌ يدفعني للتحَــرّك، فانطلقت مع إخواني المجاهدين؛ دِفاعاً عن ديننا وأرضنا وعرضنا، ولله الحمد على توفيقه.”
رجل فيه من شيم المؤمنين ما يجعلك تجزم أن الشهادة خاتمته، وأن شخصاً مثله لا يمكن أن يخذله الله في ممات لا يحبه، ليس هو من يموت على فراشه أو يلفظ أنفاسه في حادث سير أو مصير عابر، مثله لا بد أن يتوجه الله بوسام الخالدين المؤمنين، وأن يجازيه فراديس من خلد الرضوان جوار الأنبياء والصديقين وحسن أولئك رفيقا.
أستغل فرصة تسليط الاضواء عليه، واستثمر الهالة الإعلامية التي تسابقت على أرشفة وتوثيق حديثه، فكان حديثه نصائحاً تصهر الجبال، ولأن مرارة اللحظة لا تسعفني على الحديث، سأدع الشهيد البطل يعيد نصائحه هنا مرة أخرى لعل في ذلك عبرة لاولي الألباب:
– أنصح كل المتخاذلين والقاعدين بأن ينفروا في سبيل الله خِفافاً وثِقالاً، ومواجهة العدوان، الذي ارتكب بحقِّ بلدنا وشعبنا أبشعَ المجازر وتجاوز كُــلَّ المحرمات، وفرض علينا حصاراً خانقاً، فمَن لم يمت بقنابله وصواريخه أراد أن يقتلَه جوعاً.
– أنصحهم بأن لا يرتضوا؛ لأنَّفسهم القعودَ مع الخوالف من النساء.. هبُّوا إلى الجبهات لمواجهة العدوان والدفاع عن أرضكم وعرضكم، فالنصر قريبٌ بتحَــرّككم.
– أَلَا ترون أعداءَ الأمة يتكالبون لطمسِ هذا الدين من الوجود؟، ألا تنطلقون لحماية دين الله والجِهَاد في سبيله وإعلاء كلمته ونُصرة المستضعفين؟!، وأذكركم بما قاله السيد القائد حفظه الله “إذا سِلِم لنا ديننا سِلِم لنا كُــلّ شيء، وإذا فرطنا في ديننا فرطنا في كُــلّ شيء”.
– ورسالتي للمجاهدين أن يصبروا وأن يثبتوا في مواجهة قوى الظلم والعدوان الأمريكي السعودي وألا يتزحزحوا من أماكنهم، فالنصر حليفُ المؤمنين الصابرين.
– ورسالتي للعدوّ بأنه مهما امتلك من إمْكَـانيات وأسلحة متطوّرة، لن يتمكّنَ من إركاع وإخضاع الشعب اليمني، وأننا سنستمر في مواجهته بكل الوسائل والطرق، حتى لو لم نمتلكْ إلا الحجارة.
اليوم يودع الوطن شهيداً لا يتكرر، وتتوالى بيانات النعي الرسمية والخاصة، وتعتصر القلب غصة لا يجبرها إلا السير على دربه والإنتصار لقضيته التي هي قضية عشرات ملايين اليمنيين، وليكن عزاؤنا الإحتشاد لتشييعه، وإحياء لحظاته الأخيرة على تابوت الكرامة والعزة المرفرف فوق الأكتاف في عرس الساعات الفارقة من الوداع الأخير.