دعوات أميركية لـ«معاقبة» الرياض… وعسيري «كبش فداء»؟
يمانيون : تقارير
في وقتٍ تزداد فيه الضغوط على إدارة دونالد ترامب من قبل المشرّعين الأميركيين لـ«معاقبة السعودية» أو بالحدّ الأدنى «إعادة النظر» في العلاقات معها على خلفية قضية الصحافي جمال خاشقجي، برزت في الساعات الماضية أنباء عن إمكانية الدفع بنائب رئيس الاستخبارات العامة، أحمد عسيري، ليكون «كبش فداء» في هذا الملف. وفي حين من غير المؤكّد إذا كانت الرياض ستلجأ إلى التضحية بعسيري الذي عُرف إعلامياً من خلال حربها على اليمن، خرجت إلى الضوء مساعٍ لجاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأميركي وصهره لإقناع الأخير بـ«مساعدة» وليّ العهد السعودي وإخراجه من القضية التي تشغل العالم منذ أكثر من أسبوعين.
«إساءة فهم» أو «تجاوز»
كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، عن خطة من شأنها الدفع بنائب رئيس الاستخبارات العامة السعودية، المقرّب من ولي العهد محمد بن سلمان، اللواء أحمد عسيري كـ «كبش فداء» في قضية خاشقجي.
معلومات «نيويورك تايمز» سبقتها أخرى مماثلة قبل أيام في «واشنطن بوست»، التي نقلت عن مصدر مطلع على تقارير الاستخبارات الغربية أن أمام بن سلمان «كبشاً» آخر يفديه، هو عسيري. المصدر أشار في حديثه إلى الصحيفة آنذاك، إلى أن عسيري «اقترح مرات عدة» على ابن سلمان اتخاذ إجراءات بحقّ خاشقجي وآخرين.
أما «نيويورك تايمز» فقد استندت في تقرير اليوم إلى ثلاثة مصادر تقول إنّها «على علم بتلك الخطة». وأشارت أيضاً إلى أنّ شخصاً مقرباً من البيت الأبيض تم إبلاغه بفحوى الخطة السعودية لحل أزمة خاشقجي، وتم إعطاؤه اسم اللواء عسيري.
في هذا الشأن، لفتت «التايمز» إلى إمكانية تنفيذ المشتبه فيهم في قضية اختفاء ومقتل خاشقجي، العملية «من دون مشاركة» ولي العهد محمد بن سلمان على الأقل من الناحية الفنية، لأقدمية ورتبة اللواء عسيري. وقالت: «قد يصدق الضباط السعوديون الأقل رتبة في أن اللواء عسيري كان يعطيهم الأوامر نيابة عن الأمير محمد بن سلمان». وقد تحتوى الخطة على التالي: «تلقى عسيري تكليفاً شفهياً من ابن سلمان لاعتقال خاشقجي بغية التحقيق معه في السعودية، ولكنّه إمّا أساء فهم تعليماته أو تجاوز هذا التكليف وقتل خاشقجي».
كذلك، نقلت الصحيفة عن مصادر مطّلعة على الخطة السعودية، قولها إنّ عسيري كان يسعى لإثبات نفسه استخباراتياً في قضية خاشقجي. لكنها أشارت إلى أنه حتى في ظلّ هذا السيناريو، يظلّ ابن سلمان هو من أصدر الأمر باعتقال شخص مقيم في الولايات المتحدة. وفي حال أعلن عسيري بالفعل مسؤوليته، فإن ذلك لا بدّ أن ينعكس على ولي العهد، إذ إن الأخير رفّع عسيري إلى منصبه الحالي، وهو مقرب كثيراً منه لدرجة أنه يحضر حين يلتقي ولي العهد بمسؤولين أميركيين، بحسب الصحيفة.
وكان العالم قد تعرّف إلى اللواء أحمد عسيري منذ اليوم الأول لانطلاق الحرب التي تقودها السعودية على اليمن منذ آذار/ مارس 2015. كان عسيري المتحدث العسكري باسم تحالف السعودية وحلفائها هناك، قبل أن تتمّ ترقيته العالم الماضي إلى وظيفته الحالية في مجال الاستخبارات.
كوشنر «ينجد» ابن سلمان
مع تزايد الضغوط الداخلية على دونالد ترامب في قضية جمال خاشقجي، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أنّ جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي ومستشاره، يسعى إلى إقناع ترامب بمساندة محمد بن سلمان في هذا الوقت الصعب.
كوشنر الذي يُعرف بعلاقته الوطيدة وتواصله المستمر مع ابن سلمان، حاول إقناع ترامب بأنّ «الفضيحة ستمرّ» في نهاية المطاف، داعياً عمّه الرئيس إلى التحرّك «ببطء وحذر» في المسألة السعودية، وإلى «عدم اتخاذ قرار سريع تحت ضغط الخطابات الساخنة للمشرّعين الأميركيين» حول هذه القضية.
لكن مساعي كوشنر هذه تأتي في وقت يتغيّر فيه خطاب ترامب بشأن قضية خاشقجي ودور ابن سلمان المفترض فيها. فقد صرح الرئيس الأميركي أمس بأنه يعتقد أن خاشقجي «مات»، وعبّر عن ثقته في تقارير الاستخبارات التي تقول إن هناك دوراً سعودياً «عالي المستوى» في عملية الاغتيال.
رفّع محمد بن سلمان أحمد عسيري إلى منصب نائب رئيس الاستخبارات العامة قبل عام (من الويب)
في حديثٍ قصير مع الصحيفة، ذكر ترامب أنّ اتهام ابن سلمان بإصدار الأمر بقتل خاشقجي «يثير تساؤلات صعبة» بشأن التحالف الأميركي – السعودية.
التغير في نبرة ترامب جاء عقب استماعه إلى إيجاز بشأن قضية خاشقجي من وزير الخارجية مايك بومبيو العائد من زيارة للسعودية وتركيا.
وقالت الصحيفة إن ترامب بدأ «ينأى بنفسه» عن ابن سلمان في محادثاته مع الحلفاء، ويقول إنه «لا يكاد يعرفه»، كما بدأ يقلّل من شأن العلاقة التي أنشأها صهره مع ولي العهد السعودي.
وأفاد مصدر مطّلع في البيت الأبيض بأنّ كوشنر أبلغ ترامب بأنّ «الانسحاب المفاجئ من دعم الرياض قد يكون له تداعيات واسعة، بما في ذلك مع إيران». كما ذكّر كوشنر ترامب بأن «الولايات المتحدة تتشارك مع أنظمة أقل قبولاً حول العالم وليس فقط السعودية». وأشار مسؤول إلى أن كوشنر الذي تواصل مع ابن سلمان مرات عدة خلال الأيام الماضية، يحثّ ترامب على اتخاذ نهج محسوب وهو ما وافق عليه الرئيس.
دعوات لمعاقبة الرياض
في هذا الوقت، لا تزال أصوات أعضاء مجلس النواب الأميركي ترتفع للمطالبة بفرض عقوبات على الرياض على خلفية قضية خاشقجي. وطالب أكثر من 40 نائباً الرئيس الأميركي، في رسالةٍ نشرها النائب لويد دوجيت على موقعه الرسمي، بفرض «عقوبات صارمة وشاملة» على السعودية. النواب بدأوا رسالتهم بالقول: «الدلائل القوية تشير إلى إعطاء حكام المملكة العربية السعودية أوامر بقتل جمال خاشقجي وتقطيع جسده». وأشار النواب إلى أنّ هناك أدلّة متزايدة «تشير إلى أن الحكومة السعودية دبّرت اغتيال جمال خاشقجي».
الرسالة تضمّنت كذلك تأييد هؤلاء لزملائهم في مجلس الشيوخ الذين حثّوا ترامب، الأسبوع الماضي، على التعامل مع الواقعة في إطار «قانون ماغنيتسكي»، الذي ينصّ على محاسبة الأطراف المتورطة في عمليات الاغتيال أو التعذيب خارج القانون. كذلك دعا الموقّعون على الرسالة الولايات المتحدة إلى تعليق انخراطها في دعم التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، وقالوا إن الحرب في هذا البلد «أسفرت عن مقتل عدد لا حصر له من النساء والأطفال العزّل».
في السياق نفسه، دعا السناتور الأميركي عن ولاية نيوجيرسي، كوري بوكر، إدارة بلاده إلى إعادة النظر في جميع العلاقات القائمة بين الولايات المتحدة والسعودية، منتقداً بشدّة سياسة الإدارة الأميركية تجاه قضية اختفاء خاشقجي، وأشار إلى أنّ موقف ترامب «لم يكن قوياً بما فيه الكفاية».
بوكر شدد على ضرورة أن توقف الولايات المتحدة بيع الأسلحة إلى الرياض، قائلاً: «أنتقد سياستنا تجاه السعودية منذ مدة طويلة، وما يجري في اليمن على سبيل المثال، عبارة عن أزمة إنسانية». وتابع: «علينا أن نعيد النظر في جميع علاقاتنا مع السعودية، فنحن بلد ينبغي أن يكون رائداً من الناحية الأخلاقية».
المصدر: الأخبار اللبنانية