دعوات مخادعة مِن صانع قرار “إيقاف الحرب” في اليمن تعني تصعيداً عسكريّاً واسعاً
يمانيون- تقرير- محمد علي
في مؤتمر البحرين للأمن الذي انعقد في المنامة، السبت الفائت. كانت البداية حين أطلق وزيرُ الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، دعوتَه لوقف الحرب على اليمن التي أقر فيها بوصول وقصف الصواريخ والطائرات اليمنية المسيّرة مناطقَ في دولة الإمارات العربية المتحدة..، وقال أيضاً في بيانٍ له الثلاثاء المنصرم: “حان الوقتُ الآن لوقف الأعمال العدائية، بما في ذلك إطلاق الصواريخ وغارات الطائرات المسيّرة من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون باتجاه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية”.. وبالمقابل “ينبغي على التحالف بقيادة السعوديّة أن يتوقفَ عن شن ضربات جوية في كُـلِّ المناطق المأهولة بالسكان في اليمن”.
جديرٌ بالالتفاتة أن الإماراتِ ظلّت على الدوام مُصرةً على إنكارها بوصول الصواريخ اليمنية والطائرات المسيّرة إلى دولتها إلى أن جاء الإقرار الأمريكي ليبدِّدَ هذا الإنكارَ الإماراتي، وكانت سلاحُ الجوّ اليمني قد قصفَ بالطائرات المسيّرة أكثرَ من مرة مناطقَ في دولة الإمارات منها مطار أبو ظبي ومطار دبي، كما قصفت القوة الصاروخية اليمنية بصاروخ بالستي مجنَّح مفاعلَ براكة النووي بأبو ظبي.
وفي كلمة له خلال ندوة أقامها المعهدُ الأمريكي للسلام، الثلاثاء الفائت، في واشنطن، دعا وزيرُ الحرب الأمريكي، جيمس ماتيس، ما أسماه “الأطراف المتصارعة في اليمن” إلى السعي نحو السلام، و”الجلوس إلى طاولة المفاوضات في السويد خلال شهر”، موضحاً أن هذه المفاوضاتِ “يجبُ أن تكونَ على أساس وقف إطلاق النار، وانسحاب الحوثيين من الحدود، ثم توقف القصف الجوي”، وزعم أن “السعوديّين والإماراتيّين يبدون على استعداد لتبنّي مساعي الأمم المتحدة؛ بهدفِ إيجاد حَـلٍّ للصراع عن طريق التفاوض”.
تصريحاتُ ماتيس جاءت بالتزامن مع بيان وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في اليوم ذاته، الذي قال فيه إن “المشاوراتِ يجبُ أن تبدأ الشهر المقبل لتنفيذ إجراءات بناء الثقة والتعامل مع القضايا الشائكة في الصراع ونزع السلاح عند الحدود ووضع كُـلّ الأسلحة الكبيرة تحت رقابة دولية”.
دعواتُ وقف “الحرب في اليمن”، أو بالأحرى الحرب على اليمن تأتي ممن بيده قرار إيقافها كما كان قرارُ شنها من عاصمته واشنطن وتحت مظلته، ما يشي بأنها “دعواتُ حق يُرادُ بها باطل”..، وهو ما يبعثُ للتساؤل لدى المراقبين: هل وصل الأمريكي إلى قناعة بإيقاف الحرب، أم أنها مناورة سياسيّة لها أهدافُها تشبه ما أعلنه كيري، وهو ما عُرف باتفاق مسقط الذي تم توقيعه، وما أن انتهت الانتخابات قامت الإدَارَة الأمريكية بدفنه..
إذن ليست المرة الأولى التي يُقْدِمُ صانعُ قرار إيقاف العدوان على نكث دعواته ووعوده، فعلى مدى الفترات السابقة من عمر العدوان على اليمن، ظهرت العديدُ من الإعلانات الأمريكية التي روّجت للسلام ظاهراً، وتزامنت مع تصعيد ميداني ومجازرَ كبيرةٍ على الأرض، وعلى رأس تلك الخُدَعِ “مبادرة كيري” الشهيرة.
هكذا يكشفُ التوقيتُ الزمني (سياسيًّا وعسكريًّا) الغايةَ من وراء تصريحات الوزيرَين الأمريكيين، اللذين تدعمُ بلادُهما العدوانَ على اليمن بكل فصوله السوداء، فمن جهة، تأتي هذه “الصحوةُ” الأمريكية المزيَّفةُ بالتزامُنِ مع انتخابات الكونجرس النصفية التي يضطرُّ من أجلها ترامب وحزبه الجمهوري إلى تقديمِ تنازُلات إعلامية بخصوصِ دعم النظام السعوديّ الذي يعاني هذه الفترة من ضغطٍ عالمي غير مسبوق؛ بسببِ قضية قتل الصحفي “خاشقجي”، ويبدو أن الإدَارَةَ الأمريكية تخشى أن تكونَ قضيةُ “الجرائم السعوديّة في اليمن” هي التالية، وهو ما يدفعُها لإطلاق مثل هذه الدعوات إلى السلام الآن.
ومن جهة أُخْـرَى، تتزامَنُ هذه الدعوات مع تجهيز تحالف العدوان الذي تديره الولايات المتحدة نفسها، لجولة جديدة من التصعيد الميداني في الساحل الغربي بالذات، حيث يقول إعلامُ “التحالف” إنه تمَّ مؤخّراً نشرُ قُـوَّات جديدة من المرتزِقة السودانيين في مناطق سيطرة الغزاة هناك، إلى جانب نشر تعزيزات جديدة من المرتزِقة المحليين في الخطوط الأمامية، وهو ما يؤكّـده الأخيرون الذين بدأوا يتكلمون منذ يوم أمس، عن وصول تعزيزات كبيرة و”انطلاق معركة تحرير الحديدة”.
وإذن، فالحديثُ الأمريكي عن السلام والمفاوضات ليس من بين أهدافه إيقافُ الحرب أبداً، وإنما رفع وتيرتها أَكْثَـرَ بينما ينشغل الآخرون بالمناقشات.
إلى جانب ذلك، لم تكد تصريحاتُ الوزيرَين الأمريكيين، تنتشر بشكل جيد، حتى بدأ الطيرانُ الأمريكيُّ التابعُ لتحالف العدوان بحملة غارات مكثّـفة على عدد من المناطق اليمنية، على رأسها العاصمة صنعاءُ ومناطق الساحل الغربي، بل إن ناطِقَ “التحالف” أعلن عن “بدء عملية عسكريّة دقيقة لاستهداف القدرات الباليستية والطائرات بدون طيار والتي تنطلقُ من مطار صنعاء وقاعدة الديلمي الجوية”، أعقبها بدءُ تصعيد واسع في الساحل الغربي، أمس الجمعة، وهو ما يشكِّلُ دليلاً آخر على أن التصريحات الأمريكية حول “السلام” ليست إلا ذرٌّ للرماد في العيون، وبطريقة رديئة ومكشوفة أَيْضاً.
لم يكن من الصعب على “صنعاء” أن تكشفَ نوايا واشنطن من وراء دعواتها المزيّفة إلى وقف الحرب، فجاء ردُّ الناطق الرسمي لأنصار الله ورئيسُ الوفد الوطني المفاوض، محمد عَبدالسلام، يوضّح بلهجة قوية أن “أمريكا ركيزةٌ أساسيةٌ في العدوان”، وأن “عليها أن تدعو نفسَها أولاً” لوقف الحرب، وتبرهن على جديّتها في ذلك من خلال “رفع الغطاء السياسيّ عن هذه الحرب، والوقف الفوري لتقديم الدعم اللوجستي والمعلوماتي، والامتناع عن تزويد الطيران بالوقود والتحليق بطيران التجسس”.
كما طالَبَ أمريكا بـ “سحب ضُبَّـاطها من غرف عمليات العدوان، وإيقاف صفقات السلاح التي تسبّبت بقتل الأَطْفَال والمدنيين”، موضحاً أن هذه الخطوات هي الطريقُ الوحيدُ؛ لكي يكونَ لدعوات إيقاف الحرب أيُّ تأثير.
وأكّـدَ عَبدُالسلام على أن “الواقعَ يناقِضُ” الدعوات الأمريكية للسلام، إذ يستمرُّ “حلفاءُ أمريكا بالتحشيد، مما ينبئُ عن مرحلة تصعيد عسكريّ في الساحل الغربي وباقي الجبهات”، وأضاف أنه كانت هناك “دعواتٌ مماثلة صدرت في مراحل سابقة سَرعانَ ما أعقبها تصعيدٌ ميداني” وبالنظر إلى ذلك أكَّـدَ جاهزيةَ الجيش واللجان الشعبيّة لمواجهة أي تصعيد” وفي الوقت نفسه الجاهزية السياسيّة للتعاطي الجدي مع أية خطوات عملية “وليس الدعوات الشكلية التي تنطلِقُ للمواسم الانتخابية والاستهلاك الإعلامي”.
هذا وتتوالى النتائج العكسية للتصريحات الأمريكية الزائفة، حيثُ تشهَدُ محافظةُ الحديدة تصعيداً عسكرياً غيرَ مسبوق، جمعت فيه قوى العدوان عتادَها البري والبحري والجوي، الأمرُ الذي يؤكّد أن المبادرات الأمريكية ما هي إلا أساليب لخفض مستوى الاستنفار الشعبي في جبهات القتال ومنها جبهات الساحل الغربي.
وليس ببعيدٍ ما تتعرَّضُ له محافظة الحديدة بعد الدعوات الأمريكية المخادِعة، إذ أفادت المصادرُ الميدانيةُ بأن طيرانَ العدوان شن أكثرَ من 110 غارات على مناطق محيط كيلو 16 ومطار الحديدة بمديرية الحالي والدريهمي، بالإضافة إلى مشاركة البارجات في التمشيط الصاروخي على تلك المناطق لتوفير الغطاء الحربي للمقاتلين الذين باتوا غير قادرين على الحركة إلا في ظل غطاء جوي وصاروخي مكثّف.
في حين يؤكّدُ هذا التصعيدُ المصحوبُ بدعوات السلام الكاذبة، الفشلَ الكبيرَ الذي ينتاب قوى العدوان الأمريكي في تحقيق أية نتائجَ ميدانيةٍ في معارك الساحل الغربي، التي تعتبر الورقة الأخيرة التي يعوِّلُ عليها تحالُفُ العدوان للمساومة على أي قرار يحقّق الغلَبة لصالحه، ويظفَرُ بما لم يستطع تحقيقَه منذ بداية العدوان على اليمن.