ما لم “تقله” مشاورات السويد
يماينون – ابراهيم محمد الهمداني
حظيت مشاورات السويد باهتمام إقليمي ودولي كبير جدا، نظر لما وصلت إليه القضية اليمنية من تطورات وتغيرات على مستوى المواجهة العسكرية وعلى الصعيد الإنساني وما خلفه ذلك العدوان من استهداف المدنيين والبنية التحتية والحصار والمجاعة بحق شعب كامل.
على الصعيد العسكري والمواجهات الميدانية لم تحقق دول تحالف العدوان إلا المزيد من الفشل والهزائم والانكسارات والخسائر الفادحة في العديد والعتاد، رغم الفارق الهائل في التسليح والتدريب والعديد والتقنيات والغطاء الجوي المكثف، إلا أن أبناء الجيش واللجان الشعبية بإيمانهم بالله وعدالة قضيتهم وحنكة قيادتهم استطاعوا في مختلف الجبهات تحقيق أخزى الهزائم بالمعتدين وتسجيل أروع ملاحم البطولة والتضحية، وليس ذلك بغريب في حق من حمل قضية وطن وتثقف بالقرآن وسار على هداه، بخلاف من يقاتل لأجل المال وينحاز للظلمة المعتدين المحتلين ويسير في تخبط وعمى لا نهاية له.
أصبحت اليمن قضية رأي عام تحرك لأجلها الكثير من أحرار العالم المناهضين للسياسات الاستعمارية والمطالبين بحق الشعوب في الحرية والعدالة والسيادة والاستقلال بعيدا عن سياسة الهيمنة والوصاية، وقد وقف إلى جانب الشعب اليمني وقضيته الإنسانية عدد كبير من الناشطين الحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني ذات الصلة، وهو الأمر الذي غاب عند عدد من الناشطين المحسوبين على هذا الوطن الواقفين ضده في صف المعتدي، في صورة مقززة من الانحطاط والعمالة والارتزاق على حساب أبناء الشعب اليمني المظلومين.
سعت دول العدوان إلى فرض حصار سياسي واقتصادي وإعلامي مطبق على الشعب اليمني، بهدف الإسراع في ابتلاعه وتصفية قضيته، وكل طرف من أطراف هذا الحصار يعد أشد من الآخر، خاصة حين يغيب الصوت ويقمع الرأي وتجوع البطون، فذلك يعني أن عدوك قد أصابك في مقتل وشل كل حركة وفعل وفكر فيك، وكان هذا هو مخططهم الأساس، لكن توحيد الصف الداخلي وتعزيز الصمود قد فعل فعله في إفشال ذلك المخطط الاجرامي، يضاف إلى ذلك الحراك الدبلوماسي الذي قام ويقوم به وفدنا المفاوض برئاسة الأستاذ محمد عبدالسلام الذي أثبت للعالم أجمع انه رجل سياسة من الطراز الأول، من خلال طروحاته والحلول التي يقدمها وطريقة عرضه للقضية اليمنية وحقيقة العدوان واطماعه وكشف حقيقة المشاريع الاستعمارية في اليمن والمنطقة العربية، ولم يتوقف عند هذا الحد، فبالرغم من محدودية تحركاته وتنقلاته إلا أنه استطاع تنفيذ مهام سياسية دولية حاملا قضية وطن ومأساة شعب وموضحا حقيقة ما يجري على أرض الواقع من جرائم حرب بحق الإنسانية، محققا بذلك انتصارات هائلة على الصعيد السياسي العالمي، حيث استطاع تجاوز الحصار السياسي والحصار الإعلامي وهو رجل الإعلام من الطراز الأول، لأنه يعي جيدا أهمية الدور السياسي في حركات التحرر والاستقلال، وإن القضايا الوطنية التي يصعب تصفيتها عسكريا، يسهل تمييعها سياسيا.
حضر الوفدان إلى مشاورات السويد برعاية أممية ودول الوساطة وتمثيل وحضور دولي واقليمي، وكان هناك فرق شاسع في مستوى أداء الوفدين، سواء من ناحية التمثيل وكيفيته أو من ناحية القضايا التي تبنى طرحها كل فريق على حدة، وهذه النقطة بحاجة إلى مناقشة مستفيضة، لكن ما يهمنا الآن هو الإنجاز الفعلي الذي تحقق من خلال التمثيل الدبلوماسي والطرح للقضايا والحلول والمعالجات التي قدمها كل طرف، والاحراج الذي أصاب الأمم المتحدة من طروحات وفد الرياض وتفاهة تفكيره، وفي المقابل أشاد الأمين العام للأمم المتحدة بدور الوفد الوطني وكذلك مملكة السويد، علاوة على الرأي العام العالمي، وهذا يعد انتصارا كبيرا يضاف إلى قائمة انتصارات وفدنا الوطني المفاوض.
إن دخول الأمم المتحدة كضامن لمخرجات هذه المشاورات يعني أن القضية اليمنية أصبحت رقما عالميا وأن وفدنا الوطني أصبح ممثلا سياسيا معترفا به دوليا، ولا مجال لتجاهله أو محاولة تهميشه، بخلاف وفد الرياض الذي يدعي انه يمثل الشرعية الوطنية و………… إلخ، غير أنه لم يستطع حتى تمثيل نفسه أو البت في قرار أو الحديث باسم الوطن في جزئية واحدة، بل جاء متحدثا باسم الرياض والإمارات ومن يقف خلفهم فقط، يضاف إلى ذلك أن مخرجات المشاورات السياسية في السويد هي ذات المبادرة التي أطلقها السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حفظه الله ورعاه قبل فترة، حيث طرح قضية الأسرى كقضية إنسانية أولا وأخيرا وفوق كل اعتبار، وطالب بتحييد الاقتصاد وصرف المرتبات والإشراف الأممي الفني على ميناء الحديدة، وفتح المطار امام المرضى والعالقين، ورغم تعنت دول العدوان آنذاك ومكابرتهم وجحودهم عن قبول هذه المبادرة، فقد قبلوها هذه المرة عن طريق عملائهم في وفد الرياض، ويأتي وقف إطلاق النار تتويجا لكل تلك الانتصارات الدبلوماسية.
قد يرى البعض أن هذه المشاورات لم تأت إلا بمزيد من التنازلات من وفدنا الوطني وقد يخالفني الرأي في حقيقة الانتصارات السياسية الآنفة الذكر.
وبعيدا عن كل تلك التحليلات والرؤى والمرجعيات يمكن تلخيص هذا الأمر في نقطتين
الأولى : إن وفدنا الوطني لم يتنازل عن سيادة الوطن واستقلاله وحريته وهذا هو المهم، والأهم منه أن جبهاتنا مازالت حية ومحتشدة بالرجال الأبطال المرابطين وأصابعهم على الزناد.
الثانية: مهما بدت التنازلات مجحفة بحقنا فهي من باب إقامة الحجة عليهم وتنحية كل لوم لما سيحصل أن نكثوا عهدهم أو اخلفوا ما تم الاتفاق عليه، وتسليمنا لوفدنا المفاوض هو امتداد لتسليمنا للسيد القائد حفظه الله الذي أوكل إليهم هذه المهمة.
ربما نقول تجوزا أننا قد نختلف في الرأي، لكننا لا ولن نشكك لحظة واحدة في وطنية وحنكة وصدق وفدنا الوطني المفاوض ورئيسه الكريم الذي أثبت مهارة عالية في الدور السياسي والدبلوماسي بجدارة واقتدار، رغم محدودية إمكاناته وحركته.
دخلت مخرجات مشاورات السويد حيز التنفيذ، وأولها وقف إطلاق النار رغم بعض الخروقات التي تم ويتم تسجيلها أولا بأول والإعلان عنها. ويتوقف نجاح هذه المشاورات ومخرجاتها وما بعدها بحقيقة الدور الذي تلعبه بريطانيا
بريطانيا من خلف الكواليس عبر الأمم المتحدة ومبعوثها والدول الوسيطة كالسويد والكويت وعمان وغيرها، خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتحللها من التزاماته الأخلاقية والانسانية، ولكن هناك بعض التفاؤل في كون بريطانيا أكثر عقلانية من مجنون أمريكا وجنون سياساتها الإمبريالية، وفي ذات السياق يجب أن نربط تفاؤلنا بما يحصل من تغيرات سياسية في المنطقة والأحداث المتسارعة خاصة بعد زيارة رئيس السودان البشير إلى سوريا في مهمة خاصة حسب تصريحات وسائل الإعلام.
ربما تكون زيارة البشير لدمشق تهدئة حقيقية وظهور معادلة سياسية جديدة وقد تكون خطة استعمارية بديلة وهذا ما ستفصح عنه الأيام القادمة.