صحيفة بريطانية تكشف الدور الخفي الذي تلعبه الإمارات في مدينة عدن
يمانيون – تقارير
كشفت صحيفة The Guardian البريطانية الدور الخفي الذي تلعبه الإمارات في مدينة عدن جنوب البلاد، من أجل فرض أجندتها واستراتيجيتها في البلد الذي يعاني من ويلات الحرب فيما تحقق أبوظبي كل ما تريده في الجنوب.
الصحافي البريطاني غيث عبدالأحد مراسل الصحيفة البريطانية نقل الصورة الكاملة للأوضاع في جنوب اليمن، وكشف كيف يعامل الإماراتيون السكان من خلال الأجهزة الأمنية التي كونتها أبوظبي ودعمتها لأجل هذا السبب تحت ذريعة محاربة التنظيمات المتطرفة.
وقال الصحافي البريطاني، قبل أربع سنوات، كان أيمن عسكر في سجن في جنوبي اليمن، يقضي عقوبةً بالسجن المؤبد بتهمة القتل. أما الآن، فهو رجلٌ ثري ومهم تتقاطع صداقاته مع الكثير من خطوط الحرب المتشظية التي دمَّرَت البلاد.
عُيِّنَ عسكر، مؤخراً، رئيساً للأمن في ضاحيةٍ كبيرة في مدينة عدن الساحلية في الجنوب –عيَّنَته حكومة هادي، التي تقصف السعودية، نيابة عنها، البلاد منذ ثلاث سنوات ونصف. لكنَّ عسكر أيضاً صديقٌ وحليفٌ للإمارات العربية المتحدة– أكثر الشركاء عدوانية في التحالف الذي تقوده السعودية والذي يقاتل لاستعادة سلطة عبد ربه منصور هادي، الذي قدم استقالته في، عام 2015.
اجتذب السعوديون الجزء الأكبر من استياء العالم بسبب تدخُّلهم الدموي في اليمن، لكنَّ الإمارات تؤدي دوراً أقوى على الأرض، وقد عُرِفَ حلفاؤها في الجنوب، بما في ذلك ميليشياتٌ محلية ومقاتلون سلفيون، علاوة على انفصاليي جنوب اليمن الذين يريدون الانفصال عن حكومة هادي، بالقتال ضد وكلاء السعودية في البلاد.
أعداء الأمس أصدقاء اليوم
واليوم، يتحالف عسكر مع حكومة هادي والإمارات العربية المتحدة، لكن منذ فترةٍ ليست بالبعيدة كان عسكر عضواً في تنظيم القاعدة، المعادي لحكومة اليمن والإمارات على حدٍّ سواء.
شقَّ عسكر ذو البنية المتينة والرأس الضخم المستند إلى أكتافٍ واسعة، طريقه إلى أعلى التسلسل الهرمي في حياة السجن: إذ كان يدير متجراً للبقالة في ساحة السجن، ويدير زنزانةً للعب الـ»بلاي ستيشن»، وصاحَب أقوى عصابة في السجن، وهي مجموعةٌ من سجناء القاعدة.
كان يصلي معهم، ويحضر دروسهم، وأطلق لحيته وبدأ في ارتداء أزياء مشابهة لأزيائهم، مع أنَّ أصدقاءه يقولون إنه لم ينضم قط للتنظيم بشكلٍ صحيح لأنه شديد الانتهازية ليدين بالولاء لقضيةٍ واحدة.
عندما سيطر الجيش واللجان على اليمن وأطاحوا بالحكومة، وأجبروا هادي على الفرار جنوباً إلى عدن، ثم إلى السعودية، كان عسكر لا يزال في السجن. لكن في خضم الفوضى التي أعقبت ذلك، اقتحم مقاتلو القاعدة السجن وحرَّروا سجناءه.
انضمَّ عسكر لقوات هادي وقاتَلَ ضد اليمنيين جنباً إلى جنبٍ مع أصدقائه الارهابيين، مُمَيِّزاً نفسه بوصفه قائداً ميدانياً شرساً ومُقسِّماً وقته بالتساوي بين القتال والنهب، بحسب الصحيفة البريطانية.
بعد بضعة أشهر، خرج الجيش واللجان الشعبية من عدن على يد خليطٍ من الميليشيات المحلية، والجنوبيين، وقوات هادي والقوات والإماراتية والسعودية والسودانية.
وسَّعَ عسكر اهتماماته إلى ما هو أبعد من القتال، ففرض إتاوةَ حمايةٍ على الميناء وابتزَّ عمولةً مقابل كل شحنة تمر. ومع أنَّ حكومة هادي أصدرت عدداً من مذكرات الاعتقال بحقه، فإنه نجا منها جميعاً.
وسرعان ما صادَقَ الضباط الإماراتيين الذين كانوا قد وصلوا بوصفهم جزءاً من القوات التي استولت على المدينة، وأمضى أوقات طويلة في دبي وأبوظبي، عقد خلالها علاقات. وقد كوفِئ على صداقته بعقد نقل مربح، وانتقل منذ ذلك الحين إلى العمل المربح بنهب مساحاتٍ واسعة من الأراضي الزراعية حول عدن.
وتابع الصحافي البريطاني، التقيت عسكر في الصيف بينما كان يستضيف أصدقاءه في مزرعته جنوب عدن. كانت المزرعة خصبة وخضراء وهادئة، بعيدة كل البعد عن شوارع عدن المزدحمة الخانقة. كان عسكر يمزح ويحكي قصصاً من رحلته الأخيرة بالخارج، بروح دعابة قاطع طريق. إذ استأجر هو وصديق له ثلاث سيارات مرسيدس بسائقيها، لنقلهم وزوجاتهم وأطفالهم حول منتجعات شرم الشيخ في مصر، وأخذهم إلى الحدائق المائية والشواطئ ومطاعم المأكولات البحرية. قال عسكر لأصدقائه المُتَحلِّقين حوله: «كان أسبوعاً من النعيم. كان الأطفال سعداء للغاية، وكان يمكن للمرء نسيان جميع متاعب الحرب».
أمراء الحرب
وبحسب الصحافي البريطاني ليس أيمن عسكر سوى أحد الأشخاص الذين استفادوا من الحرب في اليمن، وهو صراعٌ أطلقت عليه الأمم المتحدة وصف أسوأ كارثة إنسانية في العالم، إذ يقدر أنَّ 14 مليون شخص مُعرَّضون الآن لخطر المجاعة.
وقد نتج، مؤخرا، عن محادثات السلام في السويد التي ترعاها الأمم المتحدة، وقفٌ مؤقَّتٌ لإطلاق النار بين الجيش واللجان وبين القوات الموالية لهادي في مدينة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، التي تُعَدُّ بوابةً مهمةً لإدخال المساعدات الإنسانية إلى البلاد.
وتتعرض المدينة منذ أشهر لهجومٍ من قوات التحالف السعودي الإماراتي، مما أدى إلى تحذيرات بوقوع كارثة إنسانية أسوأ. إذا استمر وقف إطلاق النار فسوف يطلب من كلا الجانبين سحب قواتهما من الميناء. ومن شأن نجاح الهدنة في الحديدة أن يُمهِّد الطريق للتقدُّم في الجولة القادمة من المحادثات، المُقرَّر عقدها أواخر شهر يناير/كانون الثاني. لكنَّ الحرب لم تنته بعد. في الواقع، فإنّ هذه الحرب لم تعد حرباً واحدة.
بدأ الأمر صراعاً بين عدوين اثنين واضحين؛ التحالف الذي تقوده السعودية والمتحالف مع هادي ضد قوات الجيش واللجان. لكنَّ قوة التدخل والتمويل الخارجيين –لا سيما من الإمارات– ساعدت على تشظي الحرب إلى صراعاتٍ مُتعدِّدة ومناوشاتٍ محلية لن تنتهي بالضرورة عند التوصُّل إلى أيِّ اتفاق سلام. فاليمن الآن خليطٌ من إقطاعياتٍ مُدجَّجة بالسلاح ومناطق فوضوية، يزدهر فيها قادةٌ ومُتربِّحون من الحرب وألف ملك من قطاع الطرق، من عينة أيمن عسكر.
ثمة حربٌ إقليمية بين الشمال والجنوب، اللذين كانا دولتين منفصلتين ومتحاربتين لوقتٍ طويل قبل عام 1990. وثمة الكثير من الصراعات الأصغر، التي اشتعلت وتفاقمت بفعل الأموال والأسلحة التي توفرها قوى خارجية لأيِّ شخصٍ يُعتَقَد أنه سوف يُنفِّذ أجندتها. حكومة هادي –ذات عشرات الوزراء ونواب الوزراء– مختلةٌ وظيفياً وفاسدة، وهي في المنفى منذ عام 2015 في مجمع فندقي سعودي. لدى الحكومة جيش قوامه 200 ألف جندي، على الرغم من أنَّ الكثير منهم لم يتلق رواتبه أو يوجدون بوصفهم جنوداً أشباح، أي مجرد أسماء في قائمة، ويختلس قادتهم رواتبهم.
صراعات التحالف الداخلية
بل إنَّ الائتلاف الذي تقوده السعودية مليء، هو نفسه، بالصراعات والتنافسات، إذ يسعى كلُّ عضوٍ من أعضائه الرئيسيين وراء أجندةٍ منفصلة ويتآمر على الآخرين. ففي تعز، وهي مدينة في وسط اليمن ، ينقسم مقاتلو التحالف إلى أكثر من عشرين فصيلاً عسكرياً منفصلاً –بما في ذلك ميليشيات محلية تدعمها وتُموِّلها الإمارات، فضلاً عن تنظيم القاعدة وداعش .
ويبدل بعض المقاتلين ولاءاتهم وفقاً لمن يُقدِّم الأموال. قبل عامين، عندما ذهب أحد المشايخ القبليين السُنَّة من مدينة البيضاء –على خط الصدع التقليدي بين الشمال والجنوب – طلباً لمساعدة الإمارات في معركته ضد اليمنيين، أخبره جنرال إماراتي بأنَّ الحوثيين «لم يعودوا أولويتنا أو عدونا الأكبر».
وقيل للشيخ إنه لو أراد الحصول على أسلحةٍ من الإمارات، فسوف يتعين عليه أيضاً أن يقاتل ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والقاعدة وحزب الإصلاح الإسلامي الذي يؤدي دوراً مهميناً في الحكومة ذاتها التي أرسلت الإمارات، ظاهرياً، قوات إلى اليمن بغرض الدفاع عنها. والآن، ثمة ثلاث قوى مختلفة تقاتل عبر أراضي الشيخ، كلُّ واحدةٍ منها يدعمها واحدٌ أو حتى اثنين من الفصائل الأساسية في التحالف: الإمارات والسعودية وحكومة هادي. كلُّ جيشٍ في هذه المنطقة المؤلفة من التلال الوعرة والأحجار البركانية السوداء، قد تلقى معداتٍ عسكرية وشاحنات ورواتب للمقاتلين تبلغ قيمتها ملايين الدولارات.
وفي غضون ذلك، لم يعد باستطاعة المزارعين في هذه الأراضي ذاتها شراء البنزين لجراراتهم، فصاروا يتحرَّكون ببطء خلف حميرٍ ضامرةٍ تدفع محاريث خشبية بينما يصبح أطفالهم مقاتلين وأعضاء ميليشيا، بحسب الصحيفة البريطانية.
استراتيجية الإمارات في اليمن
وبحسب الصحيفة البريطانية يبدو أنَّ الإماراتيين هم الوحيدون من أعضاء التحالف الذين لهم استراتيجية واضحة. إذ يستخدمون الجيوش الخاصة التي أنشأوها ودرَّبوها وموَّلوها في محاولةٍ لسحق كلٍّ من العسكرية الارهابية والأحزاب السياسية الإسلامية مثل الإصلاح. وعبر الساحل الجنوبي، حيث تحالفت الإمارات مع الحراك الجنوبي الانفصالي ، بنى الإماراتيون عدداً من المعسكرات والقواعد العسكرية وأنشأوا ما يُعتَبَر في الأساس دولةً موازية، لها أجهزتها الأمنية الخاصة التي لا تخضع للمساءلة أمام حكومة هادي. وقد كشفت منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش عن وجود شبكة من السجون السرية التي تديرها الإمارات والقوات الوكيلة عنها، المتهمة بإخفاء وتعذيب أعضاء الإصلاح، والمقاتلين المعادين لانصار الله من الفصائل المنافسة، وحتى النشطاء والمنتقدين للتحالف السعودي الإماراتي. وقد اعتاد الوزراء اليمنيون الإشارة إلى الإماراتيين بوصفهم «قوة احتلال».
قوات يمنية في عدن تابعة للإمارات
وكانت الاستراتيجية العسكرية السعودية المتعثِّرة قد شملت، بشكلٍ كبير، قصف المدنيين بلا هوادة. ودَفَعَ حصارهم لموانئ اليمن ملايين الأشخاص إلى حافة المجاعة. وفي السنتين الأخيرتين تقلُّص دور السعودية إلى لعب دور صانع السلام بين حليفيها الإمارات وحكومة هادي.