خطة الاستجابة الطارئة 2019 رؤية وطنية بامتياز وتحرر من تسلط المنظمات الدولية
حسين الجنيد
يبدو أن عام 2019م، سيكون حافلاً بالكثير من المتغيرات خصوصاً على الصعيد التنموي، حيث أقرت الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشئون الإنسانية في اجتماعها يوم أمسٍ الثلاثاء، خطة الاستجابة للعام الجديد والمتضمنة دراسة الاحتياجات الطارئة في القطاعات والمجالات الرئيسية كالتعليم والصحة والمياه والاصحاح البيئي والأمن الغذائي وغيره من قطاعات البنى التحتية.
قد يتساءل البعض وما الجديد؟ وما الذي سيكون؟ مجرد إقرار خطة والسلام؛ للاستهلاك الإعلامي لتلميع الحكومة.
من الطبيعي سماع هذه العبارات، فعدم إدراك السواد الأعظم من العامة لمفهوم خطة الاستجابة الطارئة والجهات التي تقرها، يجعل من تعاطيهم مع مثل هذا الخبر بهذا المستوى من التجاهل والذي قد يصل حد النقد والسخرية.
ما ينبغي أن يدركه الجميع، أن اليمن طوال العقود المنصرمة ارتبطت أوردتها بأنابيب المعونات الخارجية المقدمة للحكومات المتعاقبة على سبيل الهبات والمنح من الخارج، والتي كنا نسمع عنها وكان يسمع عنها المواطن البسيط ولا نلمس لها أي أثر على أرض الواقع، وذلك نتيجة تصريفها في المشاريع الوهمية أو التي لا تعود بالأثر التنموي الحقيقي لبنية الوطن التحتية أو المواطن، ناهيك عن عمليات استيلاء المسئولين والنافذين في تلك الحكومات على الكثير من المنح والهبات كعمليات نهبهم لثروات ومقدرات البلد دون رقيب أو حسيب.
ومع تطور الأزمة اليمنية في الآونة الأخيرة وبدأ التحالف العربي بشن عدوانه على اليمن، ما تسبب بحدوث أكبر كارثة إنسانية في العالم، الأمر الذي دفع الدول المانحة لرفع سقف المساعدات المقدمة للمنظمات الدولية العاملة في اليمن وعلى رأسها (الأوتشا) والتي تستحوذ على نصيب الأسد من تلك المساعدات التي بلغت في العام 2018 حوالي مليارين ونصف، وتحويلها لمشاريع إغاثية وتنموية طارئة للبنى التحتية المتضررة وهذا ما بات يعرف بخطة الاستجابة الطارئة والتي تقر سنوياً من قبل هذه المنظمة وبحسب رؤيتها لما يحتاجه اليمن.
وهنا ينبغي علينا التساؤل، منذ بدء إقرار خطط الاستجابة من قبل المنظمات الدولية وخلال هذه الأربع السنوات الماضية هل لمسنا تغير حقيقي أو تنمية حقيقية؟ رغم هذه الموازنات الطائلة التي تتحصلها المنظمات الدولية باسم اليمن وباسم الشعب اليمني ما هي الإنجازات التي تحققت للوطن والمواطن على الصعيد الإغاثي وعلى الصعيد الصحي والتعليمي والزراعي والإصحاح البيئي؟ ما زالت المجاعة والأمراض والأوبئة تفتك بالملايين من اليمنيين، وما زال عشرات الآلاف من الطلاب خارج العملية التعليمية نتيجة الدمار الذي طال مدراسهم بفعل الغارات، وما زال اليمن فاقداً للأمن الغذائي.
أين هي إنجازات خطط الاستجابة الطارئة؟ علامة استفهام كبيرة ترتسم في ذهنية الناس تفتش عن إجابة بحجم تلك المليارات.
في الحقيقة هذه المليارات تذهب سدى دون أن تترك أثرها في التنمية نتيجة العديد من العوامل والأسباب أولها أن هذه المنظمات هي من يقيم الاحتياجات وفق منظورها وبحسب مزاعمها أنها وفق مسوحات جغرافية وسكانية قامت بها بشكل منفرد أو بالشراكة مع مؤسسات ومنظمات محلية، في حين أن واقع الاحتياجات للكثير من المناطق بعيد كل البعد عن تلك المسوحات المزعومة والتي على ما يبدو أنها جرت عن طريق التخمين أو التقييم والمسح عن بعد.
ثانياً غياب الدور الرقابي الحكومي على هذه المنظمات بالشكل المباشر، والإشراف على ما تقوم به من مشاريع ودراسة جدوائية هذه المشاريع بما يخدم الصالح العام، الأمر الذي دفع المجلس السياسي الأعلى لحسم الأمر بتشكيل الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشئون الإنسانية لتقوم بدورها في الرقابة على العمل الإنساني والتنسيق بين الجهات لوصول الفائدة للمواطن على كافة الأصعدة.
ثالثاً غياب الضمير الوطني والوازع الأخلاقي لدى الكثير من أصحاب مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني التي تعتبر الشريكة التنفيذية للمنظمات الدولية في الميدان، فبدلاً من أن تقوم هذه المؤسسات والمنظمات المحلية بالعمل لصالح الوطن والمواطن بتقديم مقترحات مشاريع خدمية تنموية تحقق المخرجات الدائمة الأثر، سعت للارتزاق والتربح من خلال تقديم خطط وبرامج ومشاريع لا تؤتي أكلها؛ لأن المشاريع التنموية تتطلب الانفاق الكبير من موازناتها فتنخفض بذلك نسبة الأرباح التي تجنيها، الأمر الذي يدفعهم باتجاه تقديم المشاريع الكرتونية كحملات التوعية وورش العمل والندوات والتي نسبة الأرباح والمكاسب فيها يفوق موازنات تنفيذ هذه الأنشطة والبرامج.
باعتقادي وبعد كل هذا التوضيح سيدرك الكثير سبب احتفائي بخبر إقرار الهيئة الوطنية لخطة الاستجابة والاحتياجات للعام 2019م، وذلك لما لهذا الخبر من أهمية على الكثير من الأصعدة، فهي المرة الأولى التي تقوم فيها هيئة حكومية ووطنية بإقرار هذه الخطة والتي تم اعدادها بالشراكة مع كل جهات الاختصاص وبعد دراسة دقيقة لكافة الاحتياجات في العديد من المجالات، والتي ستسهم في توجيه المساعدات والمنح الدولية بما يحقق تنمية يلمس مخرجاتها المواطن في حياته المعيشية، وكذلك ستسهم في وضع حدٍ للفساد والتلاعب بإهدار تلك المساعدات أو توجيهها خارج احتياجات الناس.
إنها خطوة في الاتجاه الصحيح لبناء الدولة وإحداث تنمية حقيقية، تستحق منا تقديم الشكر والمساهمة بكل ما يستوجب علينا تقديمه من مشاركة إيجابية فاعلة في تحريك عجلة التنمية والبناء.