تفاهمات السويد على مفترق طرق.. نحو فشل متجدّد برعاية واشنطن؟
يمانيون – تقارير
تستأنف لجنة تنفيذ اتفاق الحديدة، الثلاثاء المقبل، اجتماعاتها، وفق ما أعلنت الأمم المتحدة التي حرصت على إشاعة أجواء من التفاؤل إزاء مصير الاتفاق. لكن تلك الأجواء لا تنسحب على صنعاء، حيث لا يزال الانطباع بأن الأميركيين والإماراتيين يريدون عرقلة تفاهمات السويد، في وقت تعجز فيه المنظمة الدولية عن فرض إرادتها
فشل ذريع، إلى الآن، مُنيت به مهمّة الجنرال الهولندي المتقاعد باتريك كاميرت، رئيس «لجنة تنسيق إعادة الانتشار» المعنية بتنفيذ اتفاق الحديدة، الذي أُعلنه في الـ13 من كانون الأول/ ديسمبر الماضي. فشلٌ يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول مصير ذلك الاتفاق وما رافقه من تفاهمات على مسألة مدينة الحديدة وملف الأسرى، ويضاعف في الوقت نفسه الشكوك في جدية مشاورات السويد وصدقيتها. وهي شكوك يُفترض بالزيارة التي يقوم بها، اليوم، المبعوث الأممي مارتن غريفيث، إلى صنعاء، إما أن تبدّدها لتعيد إحياء التفاؤل بنهاية قريبة للنزاع، وإما أن تبقي عليها في انتظار جولة وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الأسبوع المقبل على المنطقة، التي سيشكّل الملف اليمني بنداً رئيساً على جدول أعمالها.
وبعد مكوثه قرابة 11 يوماً في مدينة الحديدة، غادر كاميرت المدينة مُتوجّهاً إلى العاصمة صنعاء، حيث يَنتظر وصول غريفيث لوضعه في صورة المفاوضات الشاقة التي خاضها مع طرفَي النزاع من دون أي نتيجة. وأفادت مصادر مطلعة، «الأخبار»، بأن الاجتماع الأخير الذي عقده كاميرت بممثلي الطرفين في «لجنة التنسيق» ليل الخميس ـــ الجمعة، والذي كان «مغلقاً ومُطوّلاً»، أخفق في الوصول إلى تفاهم، بفعل إصرار مندوبي حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، على تسلّم مسؤولين أمنيين وإداريين موالين لها مهمات تأمين المدينة وإدارتها، الأمر الذي ترفضه «أنصار الله» بالمطلق؛ إذ إن «ما لم تأخذه قوى العدوان بالسلاح لن تستطيع أن تأخذه بالسياسة»، وفق ما أكد أمس القائم بأعمال محافظ الحديدة محمد عياش قحيم، مشدداً على أن «لجنة التنسيق ليست لجنة حوار، بل عليها تنفيذ الاتفاق لا التشاور حول بنوده». وجزم قحيم، خلال مسيرة شهدتها المدينة عصر الجمعة، بأن «أبناء الحديدة لن يقبلوا ببقاء الغزاة وحصارهم للمحافظة»، مطالباً بـ«إلزام الطرف الآخر بإعادة الانتشار والتموضع». مطلبٌ تصدّر أيضاً نصّ البيان الختامي الصادر عن المسيرة، الذي ندّد بـ«الخروقات اليومية لاتفاق السويد، واستهداف الأحياء السكنية بالقصف المدفعي والأسلحة الرشاشة».
تتحدث «أنصار الله» عن «تعزيزات كبيرة جداً» باتجاه محافظة الحديدة
هذه الخروقات سجّلت، خلال الساعات الماضية، ازدياداً ملحوظاً؛ إذ بلغت «214 خرقاً خلال 24 ساعة»، بحسب ما أفاد به المتحدث الرسمي باسم الجيش اليمني واللجان الشعبية العميد يحيى سريع. وأشار سريع، كذلك، إلى «تحليق مكثف لطيران العدوان الحربي والاستطلاعي في أجواء مدينة الحديدة ومختلف مديريات المحافظة»، فيما تحدث «التحالف» عن «14 خرقاً لإطلاق النار من طرف الميليشيا خلال الـ24 ساعة الماضية». كل تلك التطورات كانت كفيلة بإحاطة اتفاق الحديدة بمزيد من الظلال السلبية، بعدما بدا أخيراً أنه مستعصٍ على التطبيق، خصوصاً أن معظم المهلة التي حُدّدت لتنفيذه استُنفدت من دون إنجاز. في هذا الإطار، تبدي مصادر من «أنصار الله» تشاؤماً إزاء مصير الاتفاق، لافتة إلى أن «الأميركيين هم مَن يعرقلون تنفيذه عبر الإمارات ووكلائها»، ومنبّهة إلى وجود «تعزيزات كبيرة جداً» باتجاه محافظة الحديدة، وهو ما لا يمكن عدّه مؤشراً إيجابياً. وعلى رغم «(أننا) متمسكون بالاتفاق وسنسعى مع مَن نستطيع لتطبيقه» وفق ما تؤكد المصادر لـ«الأخبار»، إلا «(أننا) لا نتوقّع شيئاً من الأمم المتحدة لضعفها وعجزها». مع ذلك، فإن «غريفيث سيحاول إنقاذ الاتفاق» بحسب المصادر نفسها.
محاولات غريفيث الإنقاذية، وسعيه إلى الانتقال إلى المرحلة المقبلة من المفاوضات ـــ التي تفيد مصادر مطلعة بأنها لن تغيب عن أجندة زيارته لصنعاء ـــ تدفع إلى التساؤل عن الأرضية التي يقف عليها المبعوث الأممي، ومدى إمكانية نجاحه في التأسيس عليها. صحيح أن قرار مجلس الأمن الأخير 2451، الذي جرى تمريره رغم اعتراضات واشنطن، شكّل دفعة قوية لعمله ومندوبيه على الأرض، إلا أنه يبدو ـــ إلى الآن ـــ أن ثمة اختلافاً داخل جبهة «التحالف» ورعاته قد يمثّل حجر عثرة في طريق جهود السلام. إذ فيما تنحو الرياض نحو إبداء مرونة في المفاوضات تجلّت بوضوح في الإيعاز إلى الحكومة الموالية لها بالموافقة على اتفاق الحديدة قبيل اختتام مشاورات السويد، يظهر حتى إشعار آخر أن ثمة تمنعاً أميركياً ـــ إماراتياً عن الدفع نحو نهاية سريعة للحرب. نهاية كانت الولايات المتحدة قد تعجّلتها لدى تفجّر قضية الصحافي جمال خاشقجي وما رافقها من غضبة عالمية على السعودية، لكنها عادت وأبطأت الضغط في اتجاهها، في مسار مراوغ يفترض أن تشكل الجولة الشرق ـــ أوسطية المرتقبة لوزير الخارجية الأميركي (تبدأ الثلاثاء المقبل وتمتدّ حتى الـ15 من الشهر الحالي)، والتي تشمل كلاً من السعودية والإمارات وسلطنة عمان، نقطة فارقة فيه. وفي هذا الإطار، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، أمس، أن الوزير مايك بومبيو «سيركّز في أبو ظبي على ضرورة التزام جميع الأطراف ما اتُّفق عليه في السويد بشأن اليمن».
*جريدة الأخبار اللبنانية