خارج الحسابات .. فوق الحسبان
صلاح الدكاك
منذ توقيعه في ديسمبر الفائت لم ترشح تفاصيل دقيقة مؤكدة ورسمية يمكن البناء عليها عن مضمون «اتفاق الحديدة» ومنطوق بنوده، لذا فإن سجال التأويلات وتراشق الاتهامات باختراقها وإعاقتها بين «الإنقاذ» و«الشرعية»، لا تستقطب تعاطفاً من قبل الرأي العام المحلي الذي لم تفقس البيوض (الإنسانية والاقتصادية) لمشاورات ستوكهولم، كتكوتاً واحداً لجهة الحالة المعيشية له، ولا الرواتب ولا الأسرى ولا التخفيف من حدة الحصار، ولا تزال أصوات المعركة هي الأعلى.
أفدح من ذلك، أن الملفات الإنسانية الآنفة والمشمولة أو المنبثقة عن (اتفاق ستوكهولم)، بات كل ملف بينها على حدة بحاجة إلى جولة تشاورية خاصة، لإبرام اتفاق حول آليات وصلاحيات إسقاط مقرراته على أرض التنفيذ السلس والسريع.
لقد اطمأن المجتمع الدولي بتباينات أطرافه، لجهة أن مصالحه في البحر الأحمر بممره المائي الاستراتيجي بات بمنأى ـ ولو إلى حين ـ عن الأعراض الجانبية المميتة لاشتباك كان على وشك أن يتسع، ولا بأس لديه من أن تستمر أوجاع ومعاناة اليمنيين على البر إلى أجل غير مسمَّى بانتظار أن ينجز الفرقاء اتفاقات حول ملفات متفق عليها!
في حرب التباينات الدولية تكمن قيمة المناولة المحلية التي أمكن معها لوفد حكومة «الإنقاذ» وضع أطماع الاستحواذ الغربي الأمريكي وجهاً لوجه مع المخاوف الصينية من هذا التوجه الاستحواذي، وترتيباً على الجدارة اليمنية العسكرية في كبح جماح تحالف ترسانة القرصنة الأمريكية ميدانياً لأربعة أعوام، وبروز مؤشرات على أن ممر الملاحة الدولية يوشك أن يقع في بؤرة اللهب. ترتيباً على ذلك، انفسح أفق توافق دولي حول أولوية تحييد مسرح الملاحة الأهم في (الشرق الأوسط)، أمكن معه للصين بتكتلها الأسيوي تكبيل الشبق الأمريكي بقرار أممي داعم لـ«اتفاق ستوكهولم» بما هو المدخل المحلي إلى «مصالح دولية ملحة» أفضت لأخذ البحر بعيداً عن مخاطر البر، ومن ثم مقاربة سبل حل سياسي على البر بهدوء روع دولي لجهة لجم مخاطره بموجب الاتفاق ذاته.
هكذا بات مسرح محوري من مسارح الاشتباك في اليمن محكوماً بقواعد أممية زمامها في قبضة التباينات الدولية تأويلاً وتعديلاً؛ لا في قبضة طرف محلي أو إقليمي بعينه أو طرف دولي حصراً، وفي هذا الفضاء من التباينات المتقاطعة عند ثابت تحييد البحر كمسرح للمصالح الكونية المشتركة، تدور حرب باردة تمظهرت بعض أعراضها في معاودة بريطانيا طرح (مشروع قرار) الأرجح أنه يرمي لكسب تعديل على بنود القرار الأممي النافذ يتيح لها ـ كعراب غربي ـ أن تكون لاعباً متقدماً في إطاره مقابل الصين.
جولات المبعوث الأممي ـ تبعاً لهذه المتغيرات ـ لن تكون مجدية بغير التعريج على موسكو وبكين وربما طهران شرقاً علاوة على عواصم الغرب التقليدية وبلدان الاشتباك المباشر.
ما مصير جولة المشاورات السياسية المقبلة؟ ومتى ستنعقد إذن؟
الامر مرهون بنتاج دورة «مشاورات الباطن» حول الملفات الإنسانية، وسقوف إنجازها. غير أن هدوء روع العالم قد يتبدد بصورة باغتة مع مفاجآت الميدان ليدرك أطرافه الوادعون أن معاناة شعبنا ليست هامشاً جرى تسييجه بل فوهة بركان مكتنزة بـ«مفاجآت حسم» فوق حسبان العالم المنافق!