ثلاث قمم “سعودية” تستجدي “النصرة” ضد الحوثي
أفق نيوز – تقرير / ناصر حيدرة
مليارات إضافية أنفقتها السعودية، لحشد قيادات نحو 165 دولة خليجية وعربية وإسلامية، وتحشيد الرأي العام الإقليمي والدولي، في مواجهة “الحوثيين”، على نحو أكد أنهم صاروا “قوة” إقليمية، تشكل “خطرا يتهدد وجود السعودية ودول الخليج واقتصاداتها” حسبما أقرت مضامين البيانات الختامية للقمم الثلاث، وأعلن ناطق التحالف العسكري الذي تقوده السعودية والإمارات في اليمن منذ أربع سنوات.
قمم مكة الثلاث : الخليجية والعربية والإسلامية، بدت مكرسة لحشد تأييد وتضامن خليجي وعربي وإسلامي مع السعودية في مواجهة “الحوثيين”، وتصوير المملكة “ضحية” لاعتداءات، لا قائد تحالف إقليمي ودولي يشن منذ 26 مارس 2015م حربا عسكرية واقتصادية واسعة، أتت على مقدرات اليمن وبنيته التحتية، وخلفت 60 ألف قتيل مدني ومئات الآلاف من الجرحى وملايين النازحين والمعدمين.
ثلاثة بيانات
البيانات الختامية للقمم الثلاث، المُعدة سلفا من الديوان الملكي، حسبما أكد الرئيس العراقي برهم صالح في اعتراضه على البيان الختامي للقمة العربية بإعلانه أن “العراق لم يطلع على البيان أو يشارك في صياغته”، كرست لإدانة “هجمات الحوثيين الصاروخية والطائرات المسيرة”، على منشآت سعودية، وصفتها بالمدنية، من دون الإشارة إلى عشرات الآلاف من المرافق المدنية الخدمية التي قصفها طيران التحالف في اليمن.
اتفقت بيانات القمم الثلاث التي دعت إلى عقدها السعودية بصورة طارئة في مكة يومي الخميس والجمعة، في الربط بين “الحوثيين” في اليمن وإيران، واتهام الأخيرة بـ “التدخل في شؤون دول المنطقة وتهديد أمنها واستقرارها، وإمدادات النفط العالمي وحركة الملاحة البحرية الدولية”، وإدانة جمهورية إيران بـ “رعاية وتمويل الإرهاب”، التهمة نفسها التي وجهتها السعودية لقطر وتنظيم الإخوان، وفي الوقت نفسه، دعتهم للمشاركة في القمم.
غابت على نحو لافت قضايا الأمة العربية والإسلامية المصيرية عن جدول أعمال القمم، باستثناء كلمات المشاركين في قمة “منظمة التعاون الإسلامي” التي بدت مثقلة بهموم كل دولة، إضافة إلى حضور خطابي هامشي للقضية الفلسطينية بوصفها “قضية العرب المركزية”، و”رفض أي مساس بحق فلسطين في إقامة دولتها المستقلة والوضع التاريخي والقانوني للقدس” حد تعبير عاهل السعودية.
وإجمالا، بدت مضامين بيانات القمم الثلاث الخليجية والعربية والإسلامية، شبه متطابقة، على نحو يؤكد واحدية جهة صياغتها، ومكرسة في المقام الأول لـ “أمن السعودية ودول الخليج” والتحذير من “التهديدات الحوثية والإيرانية” للمملكة ودول الخليج، ما يجده مراقبون “إقرارا بفشل الحرب وعجز السعودية عن حسمها”، ومؤشرا على طول أمد الحرب ما لم يجنح التحالف والحوثيون إلى تسوية سياسية تؤمّن أسباب السلام.
مزاد اليمن
ومع أن قضية اليمن، كانت حاضرة في القمم الثلاث، إلا أنه بدا حضورا ثانويا بعد “أمن السعودية ودول الخليج”، وعلى نحو عزز تجاوز دوافع التحالف العسكري الإقليمي والدولي الذي تقوده السعودية والإمارات بدعم أمريكي وبريطاني مباشر راية “دعم الشرعية في اليمن” و”أمن واستقرار اليمن وصون وحدته وسيادته” التي تصدر بها قرارات مجلس الأمن الدولي، إلى “حماية أمن ومصالح السعودية ودول الخليج” أولاً.
تجلى هذا في الحضور الهامشي لهادي وحكومته في القمتين الإسلامية والعربية، وخلو الأخيرة من كلمة باسم اليمن، بخلاف عادة القمم منذ بدء حرب التحالف في 2015م، ولأسباب تتجاوز ظهور هادي المعتاد فيها “ناعسا ونائما” إلى “منعه من إلقاء خطاب”، حسبما كشف سياسيون وناشطون جنوبيون، تصدرهم الناشط السياسي والإعلامي صلاح السقلدي. متوقعا أن يكون هذا “بداية النهاية لإزاحة الرجُــل من المشهد”.
السقلدي أشار في منشور له على “فيس بوك” إلى أن ” منع الرئيس هادي من إلقاء كلمته المقررة في القمة العربية بمكة، ووضعه في أقصى الصورة وفتور الاحتفاء بوصوله قاعة اللقاء والسماح لدول أقل أهمية بالنسبة للسعودية والخليج عموما كموريتانيا بالحديث، يشير إلى اضمحلال أهمية الرئيس هادي وخفوت نجمه في الأجندة السعودية برغم تعثر حربها باليمن وحاجتها لرمزيته في المدى المنظور على الأقل”.
بدت قضية اليمن والحرب الدائرة فيه وتداعياتها الخطرة على أمن اليمن واستقراره وسلامة نسيجه المجتمعي وسيادته ووحدة كيانه، أضعافا مضاعفة لما كان عليه قبل بدء حرب التحالف 26 مارس 2015م، فضلا عن تداعياتها الإنسانية الكارثية التي تصفها الأمم المتحدة “أسوأ مأساة إنسانية في العالم”، عنواناً لما يصفه مراقبون “مزايدة سياسية” غلب عليها تأكيد خطابات الدول المشاركة “تضامنها” إنما ليس مع اليمن بقدر ما هو مع السعودية ودول الخليج.
ردود “حوثية”
في المقابل جاءت ردود الحوثيين، ناقدة بحدة منطلقات القمم الثلاث، وأنها “إملاء إرادة السعودية” وفرضها على الأمة العربية والإسلامية، وصرف اهتمامها عن الأخطار الحقيقية التي تهددها جراء تغذية إشعال الحرائق فيها وإذكاء صراعات تفتيتية، مذهبية وطائفية وعرقية، علاوة على ما يتهدد القضية الفلسطينية بالتصفية، عبر خطة التسوية الأمريكية المطروحة، تحت ما بات يُعرف سياسيا باسم “صفقة القرن”.
عبر عن هذا، قائد الحوثيين، السيد عبد الملك الحوثي، في خطاب له الخميس بمناسبة يوم القدس العالمي، دعا فيه الأمة الاسلامية إلى “الوقوف بموقف واحد ضد العدو الصهيوني باعتباره العدو الذي يشكل خطراً على الأمة”. موضحا أن “صفقة ترامب” باتت تعتمد على أدوار لأنظمة عربية وحكام عرب يتحركون في اتجاه تصفية القضية الفلسطينية، وفي المقدمة النظام السعودي”.
وقال الحوثي: “مؤتمر البحرين الذي ينوون إقامته أول خطوة عملية ضمن خطوات صفقة ترامب، المنوطة بأطراف من داخل الأمة، بأنظمة عربية وبحكام عرب يتحركون في هذا الاتجاه وفي المقدمة النظام السعودي، الذي يجعل من آل خليفة في البحرين قفازا ليبدأ بهم بعض الخطوات المشينة ليتقلدوا هذا العار أولا ويكسر بهم الحاجز لاتخاذ خطوات مخزية تمثل عارا وخيانة للأمة وللشعب الفلسطيني وللمقدسات وللإسلام”.
الحوثي علق على قمم مكة بقوله: “اليوم نرى النظام السعودي يتجه إلى استغلال مكة بكل ما تمثله للمسلمين الاستغلال السيء للانطلاقة منها في تبني مواقف يريد أن يفرضها على الجميع، وكلها تصب في إطار حرف بوصلة العداء عن العدو الإسرائيلي إلى الداخل الإسلامي، والتمهيد للتطبيع مع العدو الإسرائيلي والدخول في الخطوات العملية بهدف التصفية للقضية الفلسطينية”.
وبشأن مخرجات القمم، قال الحوثي إنها لن تغادر موقف الخذلان، وأضاف: “جماهير الأمة وأبناؤها مقيدون من أنظمتهم وحكوماتهم وزعاماتهم التي تبنت موقف الخذلان تجاه القضية الفلسطينية، ما عدا إطلاق مواقف شكلية أشبه بالعمليات التجميلية، في بيانات إدانة أحيانا أو مساعدات بسيطة، أو نحو هذا من المواقف الشكلية التي لا ترقى إلى الموقف الداعم والمساند بما تعنيه الكلمة”.
تفنيد المخرجات
لقيت مخرجات قمم مكة، تعليقات واسعة بين أوساط السياسيين والناشطين، وقيادات الحوثيين، فاعتبر عضو المجلس السياسي للحوثيين، محمد الحوثي، في كلمة له أمام حشود مسيرة يوم القدس العالمي في صنعاء، الجمعة: أنها “هذه هي القمة الحقيقية التي من أجلها جئتم ويجب أن تكون عليها القمة الإسلامية”. وقال: “قمم العرب لم تتحدث عن القدس ولا عن الأقصى”. وتساءل: “لماذا لم تكن القضية الفلسطينية أولوية في بيانهم الشكلي”.
القيادي محمد علي الحوثي وصف بيانات القمم الثلاث بأنها أمريكية، وقال: “لا استراتيجية ولا تخطيط لدى قيادة السعودية، وبيانات القمم الخليجية والعربية قرارات شكلية تخلت عن القضية الفلسطينية”. وأضاف:” إن تلك البيانات ومن وقعوا عليها هم نفسهم من وقعوا في القمة الخليجية ومن وقعوا على بيانات القمة العربية، وهم من سيوقعون في القمة الإسلامية”. مردفا: “ونعتقد أن هذا البيان كتب في أمريكا فالأمريكيون يسيّرون المملكة”.
وتساءل عضو المجلس السياسي للحوثيين: “لماذا تقدم السعودية أموالها لترامب ولقتل الشعب اليمني بدلًا من أن تذهب لنصرة فلسطين؟ أين الموقف الذي نشاهده ضد اليمن من القضية الفلسطينية التي يقول سلمان بأنها أولوية له؟.. لماذا لم يحرك الملك السعودي جيوشه للدفاع عن الأقصى ونصرة لفلسطين إن كانت من أولوياته؟”. وأضاف: “فلسطين أولى بأموال العرب، ولتذهب السعودية والإمارات لنصرة فلسطين وحماية الأقصى”.
محمد الحوثي، طالب في المقابل قمم مكة بجعل قضية فلسطين أولوية حقيقية، وقال: “ليضع العرب برنامجًا لتحرير الأقصى والقدس وسنكون معهم، وندعو لتشكيل لجان عربية من أجل السلام العربي في مختلف هذه الدول التي لا زال الصراع قائمًا فيها”. وأشاد باعتراض الرئيس العراقي على البيان الختامي للقمة العربية بوصفه “لم يعرض عليهم”. معبرا عن “الاسف لكلام محمود عباس”، وموجها “التحية للمقاومة الفلسطينية”.
مواقف ساخرة
أصداء قمم مكة الثلاث لم تخل من سخرية بين أوساط السياسيين والناشطين، تتجاوز السخرية من تغلب النعاس على هادي ومنعه من إلقاء كلمة في القمة العربية، إلى ما جنته السعودية من حشدها لعقد القمم الثلاث في مكة. من هذه التعليقات الساخرة الأكثر رواجا، أن “نفقات القمم الثلاث كان أجدى لو سلمت لأهالي غزة المحاصرين”. وأن “السعودية بدت كمدير المدرسة الفاشل الذي يغري المدرسين والطلاب بالمال للاجتماع معه”.
من جانبه، اعتبر ناطق الحوثيين، محمد عبد السلام، أن القمم الثلاث للسعودية فشلت في “تحقيق انجاز ولو شكلي” بما في ذلك استدرار “دموع التضامن”. وقال في سلسلة تغريدات له على منصة تويتر: “استقدمت السعودية زعماء العالم الإسلامي لتبكي إليهم ورطة وقعت فيها بحماقتها فلم يذرفوا لها دمعاً. كانت كلماتهم مثقلة بمشاكل بلدانهم”. مردفا: “حضرت في مسرحية القمم مشاكل السعودية حصراً وغابت هموم الأمة جملة وتفصيلاً”.
عبد السلام، وهو أيضا رئيس وفد الحوثيين لمفاوضات السلام، رأى أنه “حتى في القمم تفشل المملكة في تحقيق إنجاز ولو شكلي”. وقال: “البيان أحادي الجانب سلطوي ملكي تم إخراجه بواجهة عربية كذبا وزورا، وانعقاد القمة في مكة جرأة على الله وإمعان في التدليس. لن يفت من عضد اليمن بيانات هزيلة ولن يتخلى عن حقه في الدفاع عن النفس أيا كانت التحديات ولن ينفع السعودية ما تحدثه من ضجيج”.
التعليق تجاوز السخرية إلى الاتهام أيضا. فقال القيادي الحوثي عبد السلام: “أوكار الخيانة الملكية قد عزلت نفسها في قمم بالية”. وأضاف: “نقدر من تكلموا في القمة بعقلانية واتزان ودعوا إلى السلام ونؤكد أن اليمن من موقع الدفاع عن النفس مستعد للحوار الجاد والمسؤول”. مردفا: “من يؤجج الحروب ويشعلها هو في المكان الخطأ، واليمن سيؤكد من خلال مسيراته التاريخية بيوم القدس أن فلسطين أكبر من قمم بلا همم وبلا قيم”.
نصيحة غربية
إلى ذلك، رأى سياسيون أن خلاصة القمم الثلاث تعبير السعودية عن وقوعها في ورطة حرب اليمن. ذلك ما عبر عنه مركز بروكلين للأبحاث السياسية والاستراتيجية. قال في تحليل نشره الخميس، لما سماه “حشد السعودية للمعارضة العربية والإسلامية لإيران مع تصاعد التوترات في المنطقة”. وقال: “لن تساعد القمم السعوديين على إيجاد حل لأكبر مشكلة: المستنقع في اليمن”. داعيا الرياض وواشنطن للاتعاظ من الماضي.
مركز بروكلين الأمريكي للدراسات، لفت إلى تعمد السعودية اختيار مكة مكانا لعقد القمم الثلاث قائلا: “تصميم اختيار مكة كمكان لتعزيز مطالبة الملك بالقيادة من خلال التأكيد على دوره كحافظ على الحرمين الشريفين في مكة والمدينة. السعوديون يستثمرون مكانة كبيرة في القمم”. وعرج إلى اتهامات السعودية الحوثيين بأنهم ذراع لإيران، ونفي الحوثيين ذلك، وتوجهات السعودية لحث اميركا على التدخل ضد ايران.
وقال: “تحث وسائل الإعلام السعودية على اتخاذ موقف صارم تجاه إيران، على أمل أن يؤدي ذلك إلى تغيير النظام في طهران. يقال إن الشباب الإيراني مستعدون للإطاحة بالحكومة إذا استمرت العقوبات في التشديد، وأدى العمل العسكري إلى رفع مستوى الرهان؛ لكن هذه الادعاءات ليست ذات مصداقية. يردد السعوديون تغريدة ترامب بأن العمل العسكري سيؤدي إلى النهاية الرسمية لإيران”.
المركز الأمريكي للدراسات الاستراتيجية، رأى أن “وراء القمة فشل فادح في صنع القرار أدى إلى التدخل في اليمن في عام 2015؛ كمبادرة بتوقيع ولي العهد. وبفضل قيادته، أصبحت المدن والبنية التحتية السعودية الآن لصواريخ وطائرات بلا طيار على نحو متزايد. الحرب هي أسوأ كارثة إنسانية في العالم”. منوها بأن “استمرار أمريكا في تسليح السعودية سيشجع ولي العهد على الاستمرار في المستنقع”.
لكن مركز بروكلين وفي حين أكد “فشل الدعم الأمريكي للسعودية طوال اربع سنوات”، ضمن تحليله ما يشبه الدعوة للسعودية للاعتبار من تجربة التدخل المصري في اليمن. وقال: “يبدو أن السعوديين نسوا دروس حرب أخرى في اليمن خاضوها قبل نصف قرن. ثم، أرسلت مصر عشرات الآلاف لدعم الانقلاب على الملكية، وقدم الملك فيصل الدعم السري والملجأ للملكيين، بجانب الأردن وإسرائيل والبريطانيين”.
وأضاف:” أدى المستنقع في اليمن إلى تعطل مصر خمس سنوات، وساهم بشكل كبير في هزيمتها الساحقة من قبل إسرائيل في عام 1967، وجعل فيصل الملك السعودي الأكثر نجاحًا. كانت المساهمة السعودية للملكيين ضئيلة مقارنة بالمجهود الحربي المصري”. مردفا: “في ذلك الوقت، أبقى الرئيس جون كينيدي بحكمة أمريكا على الهامش، وقادة اليوم في واشنطن والرياض، سيكون من الحكمة أن يتبعوا هذا المثال”.
وكالة عدن الإخبارية