«أنصار الله»: السعودية لن ترفع يدها عن اليمن إلا إذا بُترت (تقرير)
253
Share
جوي سليم / الأخبار اللبنانية
يدخل العدوانُ السعوديُّ على اليمن، اليوم، شهرَه الثامن، من دون أن يلوح في الأفق أيّ أمل بحلٍّ قريب. «الحرب لا تزال طويلة»، والدعوات الدولية إلى عقد محادثات بين الطرفين كلها لـ«رفع العتب»، بنظر «أنصار الله»، بما فيها دعوة الأمم المتحدة الأخيرة.
السعودية ماضية في محاولة إذلال اليمنيين، كأننا في اليوم الأول من العدوان.
«أنصارُ الله» غيرُ متفائلة بتقدُّم في المسار السياسي، ولو أنها تؤكد أنه لن يتوقف. وفدٌ من الحركة ومن حزب «المؤتمر الشعبي العام» توجه قبل أسبوع إلى العاصمة العُمانية، لكن اللقاءات معلّقة حتى إشعارٍ آخر.
المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ «رجلٌ هزيل لا يملك قراره»، والأهم أن شهوة السعودية للدم لم تخفت بعد. عوامل تنذر «أنصار الله» بأن الحرب ستطول، لكن الحركة تؤكد أن إمكانياتها، على الصعد كافة، تخوّلها نقل المعركة مع السعودية من جيل إلى جيل.
هزيمة السعودية حتمية
ليس تنفيذ قرار مجلس الأمن ولا شرعية عبد ربه منصور هادي ما ترمي إليهما السعودية من حربها على اليمن. يعود مصدر قيادي في «أنصار الله» إلى المربّع الأول، مؤكداً أن للعدوان هدفين: القضاء على «أنصار الله» عسكرياً وسياسياً، وإنهاء أية قوة مستقبلية لليمنيين تنذر باستقلال هذا البلد عن الوصاية السعودية.
وبما أن السعودية لم تحقق شيئاً بعد من أهدافها المعلنة ولا غير المعلنة، فإن الحربَ لا تزالُ في أوّلها، يقول المصدر.
لكن الوقت في مصلحة الجيش اليمني و«أنصار الله»، فيما تؤكد الحركة أنه كلما طال أمد الحرب، غرقت السعودية أكثر.
ما يجري على الحدود خير دليل على ذلك، فاليمنيون هم من فرضوا على السعودية الجبهة الحدودية، حيث باتوا يسيطرون على أجزاء واسعة من جيزان وعسير.
يصف المسؤول العمليات على الحدود، بـ«الأسطورية».
مجموعاتٌ من الشباب، بأسلحة عادية وبسيطة، يواجهون أعتى قوة صاروخية وبرّية وجوية، ويوقعون مئات القتلى وعشرات الاسرى من الجيش السعودي، ويدمرون أعداداً من الدبابات الحديثة، إلى جانب إسقاط طائرات وضرب بوارج في عرض البحر.
ويستدرك قائلاً: «المقاتل اليمني ليس خارقاً، لكنه شجاع ومبدئي ويحمل قضية، مقابل جيش من التنابل الذي تكلّم عنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قبل يومين».
مشكلة السعودية الأساسية أنه ليس هناك جيش يمني في صفّها، وهي لذلك تلجأ إلى استقدام الاجانب، ما يعوق ضمانها السيطرة على أية منطقة.
فعندما تسيطر قوات الغزو والمرتزقة على منطقة ما، هم بحاجة إلى تأمينها والبقاء فيها، وإلا عاد الجيش و«أنصار الله» إليها.
لذا، تتصرف السعودية كأنها في 26 آذار الماضي تأريخ بدء الحرب، مستخدمةً اللغة نفسها. ماذا سيفعلون بعد؟ يسأل المصدر القيادي، «هم أدخلوا مقاتلين سودانيين ومصريين وأردنيين، واليوم هناك حديث عن استقدام مقاتلين كولومبيين».
يسخر المسؤول من هذا النبأ، متسائلاً عن علاقة الكولومبيين بالأمن القومي العربي الذي أعلنت السعودية ودول التحالف أنها تشنّ حربها على اليمن لحمايته.
يؤكد المسؤول أن «عملية صافر» في مأرب مطلع أيلول الماضي كانت مفصلاً في سير المعارك. هذه الضربة غيّرت الكثير من خطط التحالف، ولكن مع ذلك يظلّ التهديد بالهجوم على صنعاء جدّياً؛ فهدف السعودية بالنسبة إلى الحركة، سحقها.
من هذا المنطلق، صنعاء هدف لعدوان كما أن صعدة هدف أيضاً، بمعزل عن إمكانية تحقيق هذه الاهداف. ترى «أنصار الله» أن قوات الغزو تمكنت من تحقيق بعض الانجازات في المناطق السهلية والمفتوحة، سواء في الجنوب أو في مأرب (الصحراء)، نتيجة تفوّقهم الجوّي واستخدامهم الأسلحة غير التقليدية.
ويشير المسؤول هنا إلى أنباء عن استخدام العدوان للسلاح الكيميائي، مؤكداً أن بعض العينات أرسلت إلى مختبرات أثبتت هذا الأمر.
لا انسحاب من أيّ مكان
القرار الدولي الذي ينصّ على انسحاب الجيش و«اللجان الشعبية» من المدن، وتصرّ الرياض وفريقها اليمني على إعلان «أنصار الله» القبول به اليوم كمدخل لأي محادثات، غير قابل للتطبيق بصيغته الحالية، بالنسبة إلى الحركة. «لن ننسحب من أي مكان»، يؤكد المصدر: «نحن موجودون في صنعاء وتعز وصعدة، وفي كل المحافظات الشمالية لدينا حواضن شعبية، إلى أين سننسحب؟».
في الواقع، إن كل فقرة في القرار الدولي وفي وثيقة «النقاط السبع» بحاجة إلى مفاوضات مستقلة، يضيف المسؤول.
ففي العادة يأتي القرار الدولي بصيغة واضحة وحاسمة، لكن عبارات هذا القرار فضفاضة. الطرف السعودي يرى أن «النقاط السبع» تُفرّغ القرار الدولي من محتواه، وهذا طبيعي بالنسبة إلى الحركة. فإذا كان القرار الدولي يتعارض مع سيادة اليمن ووحدته، «يجب أن يعاد النظر فيه»، كذلك فإن «قرارات مجلس الأمن ليست قرآناً منزلاً».
أبدت «أنصار الله» منذ مدة استعداداً للقبول بتنفيذ قرار مجلس الأمن.
يوضح المسؤول في هذا الاطار أن الحركة دخلت الحرب بسقفٍ منخفض، وبمطالب محددة: وقف العدوان وفك الحصار.
«نحن واقعيون ولسنا عدميين، نقبل بالمناقشة والتفاوض، لكننا واقعيون بما يحفظ أمننا وسيادتنا وكرامتنا»، يتابع.
وبالنسبة إلى القرار الدولي، يذكر المسؤولون أنه منذ اليوم الأول لم تعلن الحركة رفضها له ولم تبدِ أيّ تمنّع لتنفيذه.
بعد إصدار مجلس الأمن القرار، تكثفت مساعي العمانيين والروس للإعلان عن صيغة واضحة للقبول بالقرار الدولي.
رفضت «أنصار الله» هذا الأمر، إلا وفق شروط تجسّدت في «النقاط العشر»، التي تقلّصت إلى «النقاط السبع»، بعد حذف ثلاثة بنود بينها بندان مهمان، وهما بند «محاربة الإرهاب بأشكاله كافة»، الذي اعترضت عليه السعودية. أما البند الثاني المحذوف، فهو موضوع التعويضات المستحقة بعد عدوانها على اليمن.
المجتمع الدولي «منافق»
قبل يومين، تملّص ولد الشيخ أمام مجلس الأمن من «النقاط السبع» التي تضمن تنفيذ القرار الدولي، ولكن وفق آلية تحفظ السيادة اليمنية. وكان قد أكد للوفد اليمني في لقاءات مسقط السابقة أنه لا خلاف على «النقاط السبع»، متعهداً بأنه سينقلها إلى الطرف الآخر.
أداء ولد الشيخ يعزز اعتقاد «أنصار الله» بأن الأمم المتحدة ليست مؤسسة نزيهة، ولم يعد وسطاؤها مؤتمنين على إدارة وساطات نزيهة بين المتنازعين.
أما إقرار المبعوث الدولي بوجود «مجموعات متطرفة في عدن»، «فلا يُصرف» بالنسبة إلى الحركة. والحديث عن صيغة توافقية في المستقبل على تقديم بند «محاربة الارهاب» في اليمن، وجعله نقطة تلاقٍ بين الخصوم، يبقى حديثاً غير وارد الآن.
يوضح المصدر في هذا الصدد أن الوهابية هي «أم القاعدة وداعش»، ولا يخفى على أحد، بالنسبة إليه، أن الاستخبارات السعودية والقطرية والأميركية تستثمر في هذه التنظيمات التي تقوم بدورٍ وظيفي لخدمتها، كذلك فإن المجتمع الدولي «منافق» في حديثه عن «مكافحة الارهاب»، وفقاً للمسؤول.
ولد الشيخ تحاشى تسمية «داعش» و»القاعدة» أمام مجلس الأمن، كذلك فإنه لم يتطرّق إلى السعودية ودورها في الحرب، لا من قريب ولا من بعيد، وكأن الحرب يقوم بها طرف واحد. ذلك يؤكد أنه لا حلّ قريباً للأزمة، بحسب رؤية الحركة.
يتعرّض ولد الشيخ لضغوط كبيرة. في زياراته السابقة للرياض، لم يلتقِ بمسؤولين سعوديين من الصف الأول، أما في زيارته الأخيرة، فقد التقى بمحمد بن نايف وبعادل الجبير وبمحمد بن سلمان، وكان لافتاً أنه خرج من لقائه ببن نايف وأصدر بياناً يؤكد فيه على ضرورة تطبيق القرار الدولي، لكنه بعدما خرج من عند بن سلمان أصدر بياناً صحافياً آخر، لم يتطرّق إلى القرار الدولي، لا من قريب ولا من بعيد، «وهذا يدلّ على أنه يريد أن يرضي جميع الأطراف».
لا عودة إلى «يمن الستينيات»
بالنسبة إلى مستقبل الحكم في اليمن، تؤكد «أنصار الله» أنها لم ترفض المشاركة قط، وأنها لم تضع أحداً في قائمة سوداء.
«نحن مستعدون للتشارك مع كل القوى الوطنية، لأننا نعتقد أنه حتى القوى والمرتزقة الموجودين في الرياض، لن ترضى السعودية عنهم لأنهم يمنيون»، يقول المسؤول ويضيف: «هناك مشكلة بين السعوديين واليمنيين، فهم لا يثقون بأيّ يمني حتى لو كان خاضعاً وذليلاً، هم ينظرون إليه أنه مستكين لفترة محددة، حتى يتمرّد».
تبقي «أنصار الله» الباب مفتوحاً أمام القوى المنخرطة في مشروع العدوان، إذا شعرت أنها أخطأت الحساب. فاليمن اليوم لم يعد يمن الستينيات.
ويضيف المسؤول أنه لم يعد بإمكان أيّ فصيل سياسي أن يقود البلد منفرداً: «هناك قوى سياسية من تيارات متعددة، وهناك مشكلة مناطقية موجودة بين الشمال والجنوب، إضافةً إلى مشاكل اقتصادية كبيرة لا يمكن أن يتغافل عنها أحد».
المرحلة المقبلة يجب أن تكون لإعادة تقييم التجربة في الفترة الماضية، للخروج بصيغة أفضل.
بالنسبة إلى الحركة، إن صيغة العراق وصيغة لبنان غير مقبولتين.
الصيغتان أثبتتا فشلهما، ولم تؤمّنا الاستقرار، لا للعراق ولا للبنان.
لذا، تتطلع «أنصار الله» إلى اجتراح التجربة اليمنية الخاصة مع القوى الباقية.
المشكلة في المرحلة المقبلة لن تكون تركة الدمار والخراب التي خلّفها العدوان، أساس المشكلة هو في استلاب القرار السياسي اليمني الذي أدّى إلى تعطيل موارد الدولة اليمنية. فهذه الموارد معطلة تماماً، إذ إن اليمنيين لا يمكنهم استخراج النفط والغاز ولا الاستفادة من الثروة السمكية، حتى إن هناك دراسات نفطية ومعدنية في اليمن متوقفة بقرار سعودي.
هناك شركات أميركية وفرنسية حاولت أن تستثمر في المجال النفطي اليمني، لم يسمح لها إلا بحدّ معيّن، لا يمكن تجاوزه. من هذا المنطلق، يؤكد المسؤول أن «من المستحيل أن ترفع السعودية يدها عن اليمن إلا إذا بُترت».
خيارات ستغيّر وجه المنطقة
تؤكد «أنصار الله» أن نفسها طويل جداً، عسكرياً وسياسياً.
يقول القيادي إن الحركة تمتلك القدرة على الاستمرار لأجيال في الحرب مع السعودية، وعلى كل الصعد. الخيارات الاستراتيجية قائمة، وهي تنفّذ تباعاً وإن بفواصل زمنية غير متقاربة. «فعندما تدير معركة، كل خطوة تقوم بها يجب أن تستثمرها».
بالنسبة إلى «أنصار الله»، يمثل هذا العدوان آخر مسمار في نعوش كثيرين، واننا سنشهد الكثير من التبدلات والتغيرات في المشهد.
ويشير المسؤول في هذا المجال إلى الخلاف بين محمد بن سلمان ومحمد بن نايف، معتبراً أن ذلك «نتيجة فشلهم التراكمي».
وانطلاقاً من هذه النقطة، يرى أنه ليس في المدى المنظور ضربةٌ قاضية، لكن «سنكسب بالنقاط».
ويختم القيادي بالتأكيد على أن الخيارات الاستراتيجية في جعبة «أنصار الله» باستطاعتها إعادة تشكيل الخريطة في الإقليم، متسائلاً: «هل هناك استعداد لدى القوى الدولية، بما فيها الأصدقاء، لتحمّل تكلفة هذه الخيارات؟».