أفق نيوز
الخبر بلا حدود

أمي الشهيدة .. بقلم / ناجي علي داوود

454

أفق نيوز | كتابات 

على أبواب الذكرى الأربعينية للشهيدة والدتي يتجدّد الموقف الصعب, وأراني مثقلاً بهمّ الوقوف أمام فاجعة استهداف منزل أخي عبدالله صبري من قبل طيران التحالف السعودي الأمريكي الغاشم في صبيحة الحادي عشر من رمضان بحي الرقاص, فأجمع أوراقي المشتاقة لأكتب لك في هذه الذكرى.
سلام لروحك الطاهرة يا أماه.. أستعيد معك آخر الأيام قبل أن يبحر مركبك الى الله في رحلة اللاعودة رحلة الشهادة والاستشهاد.
حين دخلتُ عليك مساءً في العناية المركزة بالمستشفى وأخبرتك بأنَّ طاغوت تحالف الشر سوف يسقط قريباً.. لا أعرف حينها ما الذي دفعني لأزفّ لك تلك البشارة, وأنا أدرك أنّك تستعدّين للسفر نحو عالم لا مكان فيه للطواغيت والطغاة , ربما فعلت هذا لأني أعرف تماماً أنك عشت أيامك ناقمة على كلّ تجّار الدّين من المرتزقة والمنافقين , وأنّ رحيل الطاغوت سيكون نسمة باردة ترافق فراش روحك الطاهر.
وأعرف أنّ طغاة الحروب من آل سعود كانوا سبباً لحزن استوطن قلبك حتى تبضّع هذا القلب, ومنبعاً لينبوع من الدمع ما جفّ حتى الإغماض الأخيرة.
كنت أسمع ترددات الغضب, وكلمات السخط على لسانك, وكنت مؤمناً بكفرك بكلّ قوى التحالف والشيطان التي تحاصر بلدنا , وتحتلّ حتى زوايا أحلامنا, وتقتل الفرح في جبّ المخيّلة.
مذ كنت صغيراً ما زلت وفيّاً لعقيدتك بأن البراءة من اليهود المتكالبين على المصالح والمرتهنين لها دِين وعقيدة, ولا عجب أنّ تلك حقيقة يردّدها كثيرون في صمتهم, ويجهرون بها في غرف عقولهم المغلّقة بقرار سلطانيّ.
في الذكرى الأربعينة يا أمي .. أستعيد حزنك, ودمعك, ووجعك, وصبرك, وأصبّ لعناتي المحمومة على الذين ألبسونا السواد , وجعلوا أعيادنا حزينة على طرقات المقابر, و جعلوك بين اللحود المسكونة بالصمت القاتل.
يا أمي أُعلنكِ شهيدة.. والشهادة رتبة تليق بك.. يا زوجة الجريح , ويا ام القلم المجاهد عبدالله صبري الجريح الصابر ويا جدة الشهيدان لؤي عبد الله صبري وحسن عبد الله صبري.
نعم يا أميّ الشهيدة.. سامحيني أيتها الحبيبة.. فأنا لا أقصد نكأ الجراح, ولا أريد لمارد حزنك أن يستفيق, ولكننيّ في يوم ذكراك أستعيدك كلّك, ومساحة الأوجاع في تفاصيل عمرك طويلة, فتستوقفني الأيام وتستفزّني المواقف, وأعود صبيّاً لأسمع صراخك يصّعد للسماء في وداع الأحبة, وبكلا الكفيّن أراك تمسحين الوجه بسواد ليس أقلّ اسوداداً من ماضينا وحاضرنا وربما مستقبلنا.
أيتها الحبيبة الشهيدة..
ليس لعدّاد الأيام والسنين, أو لحسابات الموت والحياة, أن تمحو قضيتنا العادلة, قضية الإنسان اليمني الذي ذنبه أنّه عاش في مجتمع تحكمه وحوش وتقوده غرائز, والقيمة البشريّة فيه رقميّة بخسة, قضية الأمّ التي أثخنت روحها وقلبها جراح يتفطّر لها كبد الجماد, فعاشت أيامها بين ألم وهمّ, ثم غادرت الدنيا راضية وشهيدة .
أيتها الحبيبة الشهيدة.. أنّى للغضب أن يسكن إلا بين يديّ المنتقم الجبار غداً, وأنّى لوجودك أن يفارق وجودي, فورود ذكراك لن يعتريها الذبول, ونجمك الأشعّ لن يعرف الأفول.
لعلها المناسبة الأكثر ايلاماً للنفس والقلب والوجدان.. هو اليوم الذي تقف فيه البشرية جمعاء وقفة وفاء وعرفان للأم واقف فيه انا مستذكراً ذلك اليوم الذي رحلت فيه شهيدة إلى الملكوت الأعلى.
أمي لا تشبه الأمهات.. أمي شهيدة اختارها واصطفاها الله في اقدس المعارك.. هي شهيدة قضت وهي تحمي أولادها وعائلتها بلحمها الحي أمام همجية عدوان التحالف واجرامهم الوحشي.
أمي نيزك ساطع من نيازك شهر رمضان المبارك وكوكب دري ما زال يلقي بأنواره في كل ارجاء حياتي انا واخوتي.
أمي الحنان وقد تجسد في امرأة وامي العطاء وقد تجسد في كفين عاريتين وامي الحب كل الحب والتضحية متى صارت دماً نازفاً وقلباً مقطعاً واشلاء جسد تشظى في المكان فصار الحب عنواناً والعطاء قدراً محتوماً والنصر يلوح في الأفق بإذن الله.
في اربعينيتك ايتها الطاهرة الغالية احببت ان اتوجه بالتهنئة امام كل الناس لأقول اني احبك، واني افتخر بك واني انا واخوتي مشتاقون كثيراً لك.. نرقب الأيام بحزن ننتظر يوم لقائك والالتحاق بك شهداء اعزاء بفارغ الصبر.
فأنت الغالية، وانت الشهيدة، ايتها الحية الى جوار ربك.
نبذة عن الشهيدة ,والدتي التي ارتقت شهيدة في 29 مايو 2019 الموافق 24 رمضان 1440هـ متأثرة بجروها البليغة نتيجة استهداف منزل الأستاذ عبد الله صبري رئيس اتحاد الإعلاميين اليمنيين في صبيحة الحادي عشر من رمضان الموافق 16مايو 2019م.
– الحاجة معجبة محمد علي داوود
– مواليد عام 1962
لها ستة أولاد وخمس بنات والتي انجبت 9 منهم في يوم جمعة و 2 يوم اثنين.
– ام حنونة للغاية متفانية في حب أولادها والسهر على راحتهم وتأمين طلباتهم واحتياجاتهم.
– مؤمنة وملتزمة دينياً بشكل كبير فكانت تؤدي صلواتها في مواعيدها ولا تهمل واجباتها الدينية قائمة صائمة والتي اصطفاها الله وارتقت شهيدة وهي صائمة ساجدة تؤدي نافلة صلاة الضحى وفي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك.
– تميزت الشهيدة بالعديد من الصفات الأخلاقية الرفيعة وكانت تعمل كمصلحة اجتماعية في الأسرة بكاملها.
لذلك فقد أصبحنا أسارى في ذكراك مسجونين بشهادتك مكفنين بأغلال رسم صورتك ، حياتنا ما زالت رهناً لك وبأمرك ، ما زلتي على صفحات وجوهنا طائرة على أجسادنا ،، هنيئا لك صبرك وهنيئا لك شهادتك يا أم الخير وام العطاء قبل أن تكوني أمي.. هنيئا لك الشهادة التي نلتيها ويا ليتنا كنا معك.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com