أفق نيوز
الخبر بلا حدود

«موسم جدَّة» نزوع نحو الردة .. بقلم/ عبدالسلام التويتي

307

أفق نيوز | كتابات 

بالرغم من أن مملكة آل سعود تبسط سيطرتها ونفوذها على الحيِّز الأكبر من جغرافية شبه الجزيرة العربية التي تحتوي عشرات -وربما مئات- المُدن والحواضر المهيأة لاحتضان أيَّة فعاليات، إلاَّ أننا نلاحظ -من سلطات المملكة- إصرارًا عجيبًا على حصر إقامة الفعاليات الفنية الماجنة والمحرمة في المناطق الواقعة ضمن النطاق الجغرافي للديار المقدسة وبالذات في منطقتي المدينة المنورة ومكة المكرمة، وهو إصرار يدل على أن الاستراتيجية المزعومة لتحديث الدولة السعودية بما يُترجم رؤية أسفه الغلمان (محمد بن سلمان) تحوي بين مفرداتها التي لا تتعدى كونها منظومة دمار مفردة تدنيس هذه الديار باستمرار بهدف تقليل هيبتها الروحية وقداستها الدينية في النفوس وفق تخطيط استراتيجي ممنهج ومدروس، وذلك أمر ملموس. 
فما المانع -على سبيل الافتراض- أن تقام هذه الفعاليات في العاصمة الرياض؟ 
وهي الأحق بذلك لمكانتها السياسية التي تعطيها أهمية استثنائية، ومن باب أولى أن تُختصَ باحتضان أية فعاليات فنية من شأنها إكسابها مكانة ثقافية، كما أن الرياض من الناحية الجغرافية أقرب الحواضر السعودية إلى دبي الحاضرة الإماراتية التي حققت شهرتها العالمية واكتسبت مكانتها الدولية بما انتهجته من سياسة انفتاحية بلغت مستوى متقدِّمًا من مستويات الإباحية، وما من شك أن ترشيح الرياض لاحتضان هذا النوع من الفعاليات الابتذالية سيؤهلها -على المدى البعيد- لمنافسة دبي ومنازعتها مكانتها السياحية القائمة -بالإضافة إلى غسيل الأموال- على السياحة الجنسية. 
وإذا ذهب متقوُّل إلى أن اختيار تلك الديار لإقامة فعاليات الفحش والعار مُنطلق من اعتبارات تأريخية، فإن بوسعنا إفحامه بقولنا: من باب أولى لهذه الأسرة التي انطلقت في رحلتها الاجتياحية التوسعية من المنطقة الشرقية أن تقيمها في عاصمتها التأريخية مدينة(الدرعية)، ففي إقامتها فيها أفضل فرص ترويجية لهذه المدينة التي يجهلها –بسبب انطمارها تحت غبار الإهمال- بعض مواطني الدول الخليجية. 
إلاَّ أنَّ مِنْ الواضح جدًّا أن اختيار إقامة هذه الفعاليات -ببعدها اللاأخلاقي- في هذا النطاق الجغرافي ليس مجرد اختيار جِزافي، ولا يمكن أن يكون قد حدث بالغلط، بقدر ما هو اختيار مخطط يهدف إلى نقض عُرا الدين وزعزعة ثوابته الراسخة في نفوس المسلمين. 
ففعالية مدائن صالح (ديار كفار ثمود) التي احتشد فيها الكثير من الفنانين والفنانات والراقصين والراقصات من عدة بلدان ومن عدة جنسيات واعتبرت أول مؤشر واضح صريح على الانفتاح الثقافي على صهاينة اليهود، وكذا فعالية تكريم الممثلة الماجنة سميَّة الخشَّاب صاحبة أدوار العشق والغرام بمجسم ختم الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، قد كانتا تهدفان –إجمالاً- إلى خلخلة ما تأصَّل لدى أجيال المسلمين من قداسة الأمكنة ذات الارتباط الوثيق بتأريخيَّة الإسلام وبسيرة سيد الأنام وما لم يزل يُتَّبع من سننه، وبما يدل على أنهما مُنفَّذتان ضمن سياق مخططٍ ماسونيٍّ غاية في الدقة والإتقان. 
أما الفعالية المرتقبة التي باتت سلطات المملكة مستعدة لإقامتها في ما يسمى “موسم جدة” باستضافة مغنية الراب الأمريكية “نيكي ميناج” التي توصف -بسبب تبرُّجها وفحش غنائها- بـ”الإباحية”، فتتميَّز -إلى جانب البعد الأخلاقي- ببعدين آخرين هما: 
١- البعد المكاني: ويتجسَّد هذا البعد في اختيار مدينة جدة الواقعة ضمن النطاق الجغرافي لمنطقة «مكة المكرمة» التي لا يليق بها -البتة- أن تستضيف أية فعاليات غنائية من أي لون، فضلاً عن تلك الفعالية المغرقة في المجون هذا من ناحية، كما أن البعد المكاني يتجسَّد أيضًا في نصب تمثال الحرية أهم المعالم الأمريكية في جدَّة الذي يكتسب -بوجوده ضمن النطاق الجغرافي المحتوي للكعبة المشرفة المرتبطة بشعيرة الحج منذ الحقبة التأريخية الإبراهيمية- دلالة صنمية من ناحية ثانية. 
٢- بعد زماني: ويتجسَّد ذلك البعد في اختيار مدينة جدَّة ساحة لإقامة هذا الموسم المؤلم في توقيت زمني يستهدف دين الإسلام من ناحيتين اثنتين: أولاهما: أن الفعالية الزاخرة بمظاهر الحرام ستقام في شهر ذي القعدة الحرام، وثانيتهما: إشغال مدينة جدَّة -بالتزامن مع موسم الحج- بهذه الفعالية التي لا تتعدى كونها لونًا من ألوان العبث والتهريج والتي من شأنها أن تملأ جنبَات المدينة بالصخب والضجيج، وهي أحوج ما تكون إلى استقبال وتفويج الحجيج. 
وإن الناظر إلى هذه الفعالية من كل الزوايا يجزم أن سلطة آل سعود تتخذ من «موسم جدة» وما سوف يأتي من مواسم مماثلة بعده فرصًا للنزوع بالواقع الإسلامي إلى حالة من الردة عن الإسلام، لا سيما بعد ما بدأت سياستهم منذ عدة أعوام تتصادم مع ما تتضمنه الحنيفية السمحة من شرائع وأحكام.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com