زمن كثيف العباطة عنوانه بُلَهَاء نوبل
محمد ناجي أحمد
(ما اخذه على العالم العربي هو فقر وعيه الخلقي ،وما آخذه على الغرب هو ميله إلى تحويل وعيه الخلقي إلى أداة للسيطرة)ص32-اختلالات العالم-أمين معلوف.
شاهدت واستمعت قبل أيام إلى حوار مع(توكل كرمان)على قناة الجزيرة .
لم أر بلاهة بعنوان نوبيلي كما هو حال نجوم الفضائيات (للسلام)!
تتحدث توكل عن العدوان بقيادة السعودية والإمارات ،وتصفه بالاحتلال ،وتوصف ما يمثله هادي وحكومة الفنادق في الرياض بقولها «ما يسمى بالشرعية «وهي إذ تصدق في توصيفها إلاَّ أنها لا تمتلك بوصلة وطنية تتوجه من خلالها نحو الوطن الجامع لليمنيين، بل تشهر عداءها وسبابها لمكون أنصار الله بلغة شمشونية ،لا تقود إلاَّ إلى مزيد من الفوضى، فالمنطق والعقل يقول بأن مراجعة المواقف التي جلبت العدوان والاحتلال باسم التحالف والشرعية والأحزاب المساندة لها –يكون بالتخلي عن هذا المسار الخاطئ والكارثي، المدمر للذات اليمنية ،مما يقتضي التفكير بالتسويات والحلول اليمنية ،على أرضية الانتصار للوطن الواحد ،والتعايش بين مكونات هذا الوطن ،ليتوجه الجميع نحو تنمية الجغرافيا والإنسان في آن.
لكن بلهاء نوبل تترك منطق التوجه الوطني نحو الداخل فتكيل الشتائم وعنف اللغة العدوانية ،والاستمرار بتأجيج الكراهية والإقصاء ،مما يعني الإصرار على استدامة الفوضى ،خدمة للكيانات الوظيفية ؛أي (دويلات محطات البنزين)التي تتنافس في خدمة المشروع الأمريكي ،ضمن توزيع للأدوار ،وتصوير ذلك التنافس إعلاميا على أنه صراع ،كي تتسلل الخديعة إلى الأذهان،ويتمكن الأمريكان من توسيع هيمنتهم في المنطقة على الشعوب بعد أن عملت على توجيه الأنظمة كأدوات لمشروعها .
(هوجة فبراير )بحجم بلهاء نوبل ،أو أن الأخيرة عنوان لها .
فزمن الأيديولوجيات الكبرى أنتج كارزميات نحتت حضورها شعبيا وتاريخيا ،وزمن مشيخات الخليج أنتج البلاهة بكوميديا قاسية السواد…
كنت أشاهد وأستمع لكلام بلهاء نوبل لسانا وإلى حركة يديها وأصابع السبابة والوسطى ،التي أكثرت من استخدامها بشكل اعتباطي ،كي تنبه المشاهد لخصوصية الدلالة للعبارات التي تقولها ،وما من عبارة أصلا سوى الأثير والفراغ الممعن بجلد المشاهد بهذه الكوميديا السوداء!
الزمن الإسرائيلي الذي نعيشه ليس من علاماته تطاول مشيخات الخليج بمالها وفوضاها فحسب ،بل كذلك بملء الفضائيات ،وضخ مواقع التواصل الاجتماعي بكل هذا الهراء ،بل التعري الذهني ،والمجانية واعتباطية المعنى والأشخاص…
إنه زمن كثيف العباطة !
بعد سنوات من العدوان والاحتلال ،بدأت بوصلة كتبة (الشرعية) وهتيفة بـ(الF16 يا سلمان)الذين كانوا يطربون لصوتها وهي تلقي بحمولاتها القاتلة ،في الأماكن العامة ،من أسواق ومدارس وصالات أفراح وعزاء وحافلات عمال ،وحافلات اتقل أطفالا ،ودمار لبنية تحتية وملكية عامة وخاصة إلخ،مطلقين عليه طائرات الموت وحمولاتها أسماء إناث مثل (مريم ) ،لتجميل وتأنيث القتل المتوحش وجرائم الإبادة الجماعية !
ما الذي بدا لهؤلاء الكتبة الذين كانوا يسارعون لتبرئة جرائم عدوان التحالف السعودي مخترعين قصصا تنسجها مخيلتهم المريضة ،في تحميل المقتول ذريعة القتل !
أقرب تصوير لجثث ضحايا (F16) هو التعبير الشعري لصلاح عبد الصبور حين قال في مقتبس نأخذه من أحد نصوصه «جثث الناس على رؤوس الحيوانات وجثث الحيوانات على رؤوس الناس « لا يعرف «المقتول من قاتله ومتى قتله «.
ما الذي بدا لأنصار القتل ومسانديه وأدواته كي يقلبوا ظهر المجن على الكيان السعودي والإماراتي إعلاميا ؟
ألم يقل رئيس التجمع اليمني للإصلاح :»السعودية والإمارات يسكبون دما لا ماء في اليمن»
ما بالهم وقد أصبحوا اليوم يطالبون برفع غطاء(الشرعية)عن تحالف العدوان والاحتلال؟!ألم يكونوا هم من فتحوا الأبواب ووضعوا الإحداثيات لأهداف التحالف؟
ثم من يعطي ويضفي الشرعية على الآخر؟
توقفوا عن استهبال ذاكرة الناس القريبة .
كل يوم هو في شان!
لدى الإخوان المسلمين في اليمن قدرة فائقة على توزيع الأدوار ،والتحول في المواقف والمسار ،مما يعكس منطلقاتهم البراغماتية ،التي لا ثابت فيها سوى المنافع التي يراكمونها في خدمة التنظيم ،ولو على حساب دموع ودماء اليمنيين وسيادة اليمن ،وكسر الإرادة الوطنية لصالح مشروع أمريكي في المنطقة ،يستهدف الفوضى والسيطرة المستدامة على جزيرة ميون ومضيق هرمز وميناء عدن والمخاء،في إطار مشروع إمبراطوري تتوسع دوائره بفعل الخيانات ،وينكمش بفعل صمود الشعوب،وإرادة الانتصار ،وعبقرية الجغرافيا في كتلتها الصلبة ،التي ستستعيد كل شبر وضع الاحتلال أقدامه عليه.