كيف بدأ الطيران اليمني المسير يؤثر في المعادلات الدولية؟؟
في مؤتمر صحافي خلال زيارته الأخيرة لقاعدة الخرج العسكرية (جنوب الرياض)، ادعى فرانك ماكينزي قائد القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط «سينتكوم»، أن الأدلة تثبت صلة إيران بالهجمات على المدنيين والمنشآت المدنية في السعودية. وقال إنه اطلع على مجموعة من مختلف الصواريخ، منها الصواريخ الباليستية، بالإضافة إلى مكونات الطائرات بدون طيار التي استخدمت لمهاجمة السعودية من اليمن، وأكد على أن الدليل واضح أن هناك صلة إيرانية بهذه الهجمات.
بمعزل عن صحة المزاعم حول مسؤولية إيران المباشرة في تسليم الأسلحة النوعية اللافتة ( الطيران المسير والصواريخ الباليستية للجيش واللجان الشعبية اليمنية)، أو مسؤوليتها غير المباشرة في تقديم الاستشارات المناسبة لتصنيع وتجميع تلك الأسلحة، فإن كلام المسؤول العسكري الأميركي يوحي وكأن القاذفات والصواريخ الموجهة والقنابل الذكية التي يُستهدف بها أطفال اليمن ومنشآته المدنية والحيوية هي صنع المملكة العربية السعودية، وقد تم تخطيط قدراتها في مراكز أبحاث الرياض للدراسات العسكرية، وتم جمعها في معامل الطائف للصناعات الدقيقة، وأُجريت التجارب عليها في حقول وصحاري نجران.
هذا الجدال العقيم حول حقيقة مصدر هذه القدرات اليمنية الاستراتيجية، تدحضه سخافة التبرير الذي يقول بما أن اليمن محاصر، فهذا يعني أنه عاجز عن تطوير قدرات عسكرية وأسلحة نوعية، متناسين أن إيران أيضاً حوصرت عشرات السنوات وما زالت، وهي الآن تسبب لهذا المجتمع الغربي عقدة نفسية وتوتراً واسعاً، بسبب القدرات الاستراتيجية التي صنَّعتها وطوَّرتها، والتي استدعت هذا الاستنفار الدولي غير المسبوق.
من هنا، تأتي القيمة العسكرية والاستراتيجية التي حققتها القدرات اليمنية النوعية وعلى رأسها الطيران المسير، والتي بدأنا نلمسها في متابعة مسار الحرب على اليمن، وكيف آلت الأمور بعد إدخال هذا السلاح في المعركة، في الميدان داخل اليمن، أو خارجه داخل المحافظات السعودية الجنوبية، وكيف أصبح هذا السلاح يسبب مشكلة للدول الغربية، تستدعي المتابعة وإعطاء جهد أكبر لمعالجتها.
في الحقيقة، لم يكن من الضروري القيام بزيارة للمسؤول العسكري الأمريكي إلى القواعد الجوية السعودية، لكي يتم اتهام ايران بمسؤولية حيازة اليمنيين على الأسلحة والقدرات النوعية، فهذا الموضوع (اتهام ايران) ليس جديدًا، وهو معزوفة طويلة عمرها أكثر من أربع سنوات، وهي من ضمن النفوذ الإيراني المستهدف بمناورة الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي. ولكن طبعًا هناك أسباب عسكرية تقنية بالكامل لهذه الزيارة، لأن الأهداف السياسية تأتي من ضمن صلاحية الدبلوماسيين ويتكفل بها وبكل جدارة، صقر الادارة الأميركية وزير الخارجية مايك بومبيو، والصقر الآخر مستشار الأمن القومي جون بولتون، ويمكن تحديد هذه الأهداف العسكرية للزيارة بالتالي:
من خلال متابعة مسار التركيز الفعال مؤخرا للطيران المسير اليمني على مطارات المنطقة الجنوبية الغربية في المملكة، يبدو ان الأميركيين اصبحوا على قناعة بان تلك المطارات، بإمكانياتها العسكرية والمدنية معًا، هي على الطريق لكي تخرج من الخدمة، وحيث ما زالت استراتيجيتهم (الأميركيين) بمتابعة العدوان على اليمن قائمة، وحيث تحتاج هذه الاستراتيجية المستندة بالكامل إلى التغطية والاستهداف الجوي، إلى مطارات آمنة وصالحة للأعمال الجوية المختلفة، فلا بد من البحث عن طريقة لذلك والتي يمكن تأمينها من خلال ثلاثة خيارات وهي :
اولا: ايجاد بديل لهذه المطارات، يكون قريباً جغرافيّاً من بقعة عمل قاذفات تحالف العدوان وخاصة لتغطية البقعة الحدودية اليمينة السعودية المشتعلة حاليا ، ولأن إمكانية استعمال مطارات داخلية سعودية صعبة حاليا نظرا لبعد المسافة عن الحدود، فأحد البدائل يمكن أن يكون عبر حاملة طائرات أمريكية، تتمركز في البحر الاحمر مقابل سواحل جيزان، وهذا يمكن أن يقرره الجنرال الأميركي الزائر حيث يدخل نقل وتحريك القدرات العسكرية في الشرق الأوسط ضمن صلاحيته، وهذا الخيار وارد بسبب تكلفته الضخمة ماليا على المملكة، وهذا هو المطلوب.
ثانيا: إعادة تفعيل هذه المطارات العسكرية المستهدفة من خلال رفع مستوى منظومة الدفاع الجوي عنها، لمواجهة أغلب الطائرات اليمنية المسيرة، طبعا بعد إقناع مسؤولي المملكة بعدم نجاعة المنظومات التي يملكونها حاليا، مما يستدعي تسلم السعودية نماذج جديدة وحديثة من تلك المنظومات مثل « ثاد» او باتريوت باك 3 الحديث، الأمر الذي يتطلب توقيع عقود مالية ضخمة بعشرات المليارات من الدولارات، وهذا الخيار غير مستبعد وهو ممكن بقوة.
ثالثا: المساهمة الاميركية المباشرة في الدفاع عن المطارات، من خلال وضع وحدات دفاع جوي أمريكية في تلك المناطق، وتكليفها بتنفيذ المدافعة الجوية وحماية المطارات السعودية. وهذا الأمر أيضا له تداعياته المالية وتكلفته الباهظة، وهو ممكن قدر ما يؤمن بدلا ماليا ضخما للأمريكيين.
من هنا، قد نشهد قريبا بعد هذه الزيارة للمسؤول العسكري الأمريكي إلى قاعدة الخرج السعودية، وبهدف متابعة العدوان الواسع على اليمن والذي لامس الخمس سنوات، من خلال تفعيل التغطية الجوية المطلوبة، لجوء الاميركيين إلى أحد هذه الخيارات الثلاثة المذكورة.
خبير عسكري لبناني