أفق نيوز
الخبر بلا حدود

الاستبداد بوابة العبودية لغير الله!

349

عبدالعزيز البغدادي
غالبية الحكام المستبدين يلجأون في بداية حكمهم إلى استشارة من يملك الحكمة  والخبرة أو هما معاً سواءً في مجال تخصص واحد أو في مجالات عديدة الى جانب علمهم لأن هناك من البشر دائماً من صقلتهم التجارب الواسعة فتمكنوا من المزاوجة بين المعرفة والتجربة وأطلوا على كثير من التخصصات وأتقنوا فنوناً عديدة وبعضهم تخصص في واحد منها ، ومن المؤسف هذا الاعتقاد المعشعش في أذهان هؤلاء المستبدين بأن الاستشارة إنما هي اختيارية أي أن الحاكم بأمره يمتلك مطلق الصلاحية فله حسب  اعتقاده حق اللجوء إليها وله تجاوزها لعدم وجود  ما يلزمه بوجوب اللجوء إليها تماماً كما هو حال أصحاب الشركات والمشروعات الخاصة لأن الحاكم المستبد وبالذات في البلدان الأكثر تخلفاً يتصرف في استخدام سلطته تصرف المالك ولهذا لا يُعين مستشاراً في أي أمر من الأمور غالباً إلا من يُستغنى عنه أو يضيقُ به ذرعاً لأنه لم يقرأ جيداً ما يدور بخلد الحاكم بأمره ولم يبذل الجهد المطلوب منه في تنفيذ ما يحقق رغباته ونزواته في العمل الذي كان يشغلهُ في السلطة التنفيذية أو القضائية أو أي عمل ميداني قبل أن يُقصى إلى هامش الاستشارة الخاضعة للمزاج والرغبة.
لذلك نرى ونسمع بعض من عينوا مسُتشارين في مجالات مختلفة حين يُسألون عن عملهم يُجيبون بتهكم ( مستشال ) أي بإبدال الراء لاما ، لأنه يَحس من خلال التعامل معه أن المستشار لا يُستشار وإذا استُشير فإن مشورته لا توضع في الاعتبار إلاّ بقدر ما يكون محتواها مُلبياً لرغبات المسؤول أو الحاكم الذي طلبها مع أن الاستشارة في البلدان التي تقدر قيمتها ويحترم فيها الشأن العام  تدرك أنها بحث علمي في موضوعها ، ومن المنطقي والضروري مناقشة مضمونها ممن طلبها مع من قدمها باهتمام واحترام ومسؤولية .
ومع الانتقال من حكم الفرد الذي تتفاوت قساوته وسطوته باختلاف الحكام ومدى استيعابهم لمسؤولياتهم تجاه المحكومين سواءً كان مصدر هذه المسؤولية دينياً أم مدنياً إلى الحكم الذي دعاه حكماء اليونان بالديمقراطي والديمقراطية كما هو معروف كلمة إغريقية مرَكَّبه من كلمتين هما ( ديموس ) أي  الشعب و( كراطس ) أي السلطة وتعني سلطة الشعب أو حكم الشعب نفسه بنفسه ، ومعلوم أن الهدف الأساس للاستشارة كما ألمحنا هو محاولة تلمس الحاكم طريق الحصول على الحكمة أو صواب الرأي في الأمر المطلوب حُسن الرأي بشأنه في كيفية تسيير الشأن العام أو إدارة الوظيفة العامة .
ورغم أن الكثير من البلدان قد تجاوزت مبكراً مرحلة امتلاك الحكام والرؤساء الصلاحيات المطلقة في ممارسة حكمهم بحيث جرى تحديدها بدقة وصار النظام المؤسسي هو الغالب بما في ذلك الرئاسة التي يُطلق عليها (مؤسسة الرئاسة) وفيها يمارس الرئيس صلاحيات مُحددة ومقيده تكبح جموحه وتحد من عدم مبالاته أو شطحاته وهي صلاحيات تنكمش كثيراً في النُظم البرلمانية التي يكون فيها رئيس جمهورية ورئيس وزراء وتتسع فيها صلاحيات رئيس الحكومة.
بل وقد وجدت أيضاً ملكيات وامبراطوريات دستورية كالمملكة المتحدة، والامبراطورية اليابانية حيث لا تكاد تعرف أنهما ملكية أو امبراطورية لأن المجتمع المحلي والدولي يتعامل مع رئيس الوزراء الذي يمتلك صلاحيات تنفيذية وسياسية واسعة، ولا تعرف الرئيس أو الملك أو الامبراطور إلا في بعض المناسبات!
فهل يُعقل أن يوجد في البلدان العربية في هذا العصر رؤساء يُصدرون ما يشاؤون من قرارات ليس فيها أدنى مستوى من الحكمة أو مراعاة المصلحة العامة ودون اهتمام بأي استشارة ولا اكتراث أو مبالاة بأحد بل وهناك رئيس يملك شرعية هي الأغرب من نوعها في العالم ، فرغم أنه مستقيل وهارب وله حكومة تحت الإقامة الجبرية لدى دولتين تعتديان على وطنه مُنذ ما يقارب الخمس سنوات بكل أنواع الأسلحة الفتاكة هما السعودية ودولة الإمارات دولتان لا شرعية لهما عمرهما السياسي والمدني لا يجاوز المائة عام تعتديان على دولة عمرها ثمانية آلاف عام وشعبها الممزق تعداده حوالي ثلاثين مليوناً ، أليس هذا شكل من أبشع أشكال العبودية المختارة ؟!
الاستبداد والقبول به في هذا العصر هو السبب الرئيس لكل هذا الهوان والاستلاب والانكشاف الأمني ، إذ لا يمكن أن تقوم قائمة لشعب يحكمه رئيس لا يبالي بأحد ولا يهمه أحد ولديه الجرأة على إصدار ما يشاء من قرارات قائمة على المحسوبية والاستهتار بالمصلحة العامة ، أما الرئيس المسمى بالشرعي الذي يغط في نوم عميق في سرير الملك على وقع الصواريخ والقنابل الذكية والغبية التي تسقط على رؤوس أبناء وطنه ليل نهار في انتظار أن يستيقظ بعد أن تُعاد شرعيته التي لا مثيل لها في تاريخ الشعوب والأمم فهذه مصيبة يصعب إن لم يستحل وصفها !!.
حين يصحو التراب
يستنطق الماء أحلامه
يمتطي صهوة الذاكرة ويمضي
بعيداً بعيداً
من لا يتذوق طعم الحكمة
لا يصلُ إليها وإن على .

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com