ترامب يواجه العزل … كيف بدأ الأمر ؟ وما هي الإجراءات ؟
أفق نيوز – تقارير /
أعلنت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي بدء تحقيق رسمي بهدف عزل الرئيس دونالد ترامب بتهمة انتهاك الدستور على خلفية المكالمة الهاتفية التي أجراها مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
المكالمة أبلغ عنها عنصر في الاستخبارات الأميركية بشكلٍ سري بعدما ارتاب بشأن مضمونها.
بحسب البلاغ فإن ترامب ضغط على نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في اتصال هاتفي يوم 25 يوليو/ تموز الماضي لإجباره على فتح تحقيق قضائي ضد جو بايدن، المرشح الديمقراطي الأوفر حظاً لخوض انتخابات الرئاسة، وابنه هانتر، الذي عمل بشركة تنقب عن الغاز في أوكرانيا. وهدد ترامب بوقف المعونات العسكرية لإجبار أوكرانيا على إجراء التحقيق.
يريد ترامب من خلال هذا التحقيق تشويه سمعة بايدن المرشح الأبرز لخوض الانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطي في 2020.
زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب نانسي بيلوسي رأت أن كلام ترامب يمثّل خيانة الرئيس لقسمه وللأمن القومي وقالت “ما من أحد فوق القانون”.
فيما اعتبر ترامب أن ما يفعله الديمقراطيون في الكونغرس ما هو إلا تعدٍ على الرئاسة وتحقيق المساءلة القانونية أمر مشين، وأكد أن محادثته مع الرئيس الأوكراني كانت “لائقة تماماً”، نافياً أن يكون قد ضغط على نظيره الأوكراني لفتح تحقيق بشأن نجل جو بايدن.
الرئيس الأميركي لم ينكر بأنه ذكر بايدن ونجله هانتر في اتصال هاتفي مع زيلينسكي صيف 2019. وقال في تصريحات صحفية، “أجرينا محادثة رائعة. وكانت تهنئة إلى حد كبير، تحدثنا عن الفساد.. وحقيقة لا نريد أن يكون شعبنا مثل بايدن وابنه”.
وسبق لترامب ان أثار هو وعدد من أعضاء الحزب الجمهوري تساؤلات حول ما إذا كان حصول نجل بايدن، على وظيفة عضو في مجلس إدارة شركة “بوريسما” الأوكرانية، يمثل تعارضاً في المصالح.
وبحسب تقارير صحفية، فقد انضم “هانتر” إلى الشركة المذكورة عام 2014، بعد فترة وجيزة من زيارة قام بها والده لأوكرانيا عندما كان نائباً للرئيس أوباما.
بايدن أيّد بدوره بدء إجراءات عزل ترامب، إن لم يلب مطالب الكونغرس بالكشف عن معلومات حول اتصالاته مع القيادة الأوكرانية، وقال إنه “في حال واصل الاستهزاء بالقانون، فإنه برأيي لن يترك أمام الكونغرس خياراً آخر سوى البدء بالإجراءات لعزله”، معتبراً أن “عزل ترامب سيكون مأساة، لكنها مأساة من صنعه”.
المحادثة بين ترامب وزيلينسكي
وأظهر نص المحادثة الذي نشرها البيت الأبيض اليوم الأربعاء قول ترامب لزيلينسكي إنه يطلب منه “خدمة” بالتحدث مع محاميه رودي جولياني والمدعي العام ويليام بار، من أجل فتح التحقيق مجدداً في قضية الفساد المتورط فيها نجل جو بايدن، وفق البيان.
ولم يظهر في المحادثة تهديد ترامب للرئيس الأوكراني، بشكلٍ واضح بإيقاف الدعم الأميركي، في حال رفض إجراء التحقيق، ولكن المكالمة تضمنّت تلميحه إلى ضعف الدعم الأوروبي إلى كييف.
ورد الرئيس الأوكراني على طلبات ترامب، بأنه سينظر في الأمر ويدرس إمكانية فتح التحقيق مجدداً.
كما تضمنت أيضا إقرار رئيس أوكرانيا بأنه على استعداد دوما لشراء أسلحة جديدة لغرض الدفاع.
وقال ترامب في المكالمة التي نشر نصها: “أؤكد لك أننا سنفعل الكثير من أجل أوكرانيا، وسننفق الكثير، وسنبذل الكثير من الجهد والكثير من الوقت، أكثر بكثير مما تقدمه الدول الأوروبية، فنحن نعلم مثلاً أن ألمانيا لا تقدّم الكثير، وكل ما يقدّمونه الكلمات فقط، وأعتقد أن هذا شيء ينبغي أن تسألها عليه حقاً”.
وتابع “تحدثت مع أنجيلا ميركل بشأن أوكرانيا، لكنها لا تقدّم أي شيء، ونحن نقدم الكثير، لكني لن أقول لك أنه ينبغي أن تبادل ذلك الأمر بالضرورة لأنه من الضروري بالنسبة للولايات المتحدة أن ترى أوكرانيا جيدة”.
ثم استطرد الرئيس الأميركي: “لكني أطلب منك معروفاً، لأن بلدنا مرّ بالكثير وأوكرانيا تعلم ذلك، فنحن نعلم أن هناك واحد من الناس لديكم سرق أموالكم الخاصة”.
وأردف “أتمنى أن تتواصل مع المدعي العام ويليام بار أو يتواصل مع أحد من رجالك، أود أن تطلعه على طبيعة تلك القضية بالكامل، لأني أريدك أن تعلم كل السياسات السابقة انتهت بالكامل، بعدما تخلصنا من هذا الرجل الضعيف الذي يطلق عليه روبرت مولر (المدعي العام الأميركي السابق)، وأعتقد أن هذا سيكون جيداً بالنسبة لأوكرانيا لو تمكنت من التواصل معه”.
ما هي الإجراءات وكيف يتم عزل الرئيس؟
يجوز عزل الرئيس بمقتضى الدستور الأميركي لثلاثة أسباب هي:
– الخيانة العظمى
– تلقي الرشوة
– الجرائم والجنح ذات الأثر البالغ
تمر إجراءات عزل الرئيس الأميركي في الحالات العادية عبر مرحلتين الأولى في مجلس النواب والثانية في مجلس الشيوخ، وتشمل الإجراءات خمس خطوات هي:
تقديم طلب لفتح تحقيق ببدء إجراءات عزل الرئيس كما فعل الديمقراطيون أمس مع ترامب.
حصول القرار على أغلبية بسيطة (النصف + واحد) في مجلس النواب وهو من المتوقع ان يحصل في ظل أغلبية ديمقراطية في مجلس النواب الحالي.
إذا صوّت مجلس النواب بنعم على اتهام الرئيس، ينتقل مشروع قرار العزل إلى مجلس الشيوخ، الذي يعمل بصفة هيئة محلفين بأعضائه المئة.
يبدأ مجلس الشيوخ المحاكمة، ويمثل أعضاء مجلس النواب الادعاء (سلطة الاتهام)، بينما يمثل أعضاء مجلس الشيوخ هيئة المحلفين، فيما يقود المحاكمة رئيس المحكمة العليا الأميركية.
يجري التصويت داخل مجلس الشيوخ على اتهام الرئيس، بعد الاستماع للشهود ومرافعات الادعاء ومحامي الرئيس، ويشترط لإدانة الرئيس تأييد ثلثي أعضاء المجلس على القرار.
وفي مجلس الشيوخ حاليا 53 عضوا جمهورياً و45 ديمقراطياً، واثنان مستقلان.
وتتطلب إدانة الرئيس وعزله 67 صوتاً وهذا يعني أنه حتى تتخذ إجراءات لإقالة ترامب فينبغي أن يصوت 20 جمهورياً على الأقل وجميع الديمقراطيين ضده، بالإضافة إلى الشيخين المستقلين. وهو أمر مستبعد في ظل رفض الحزب الجمهوري لإجراءات الديمقراطيين.
بحسب الدستور الأميركي فإنه إذا تم عزل ترامب سيصبح نائبه مايك بنس رئيساً في الفترة المتبقية من ولاية ترامب والتي تنتهي في كانون الثاني/ يناير 2021.
لم يعزل أي رئيس أميركي من منصبه على الإطلاق، رغم المباشرة بإجراءات العزل ضد 3 رؤساء سابقين. وفي الحالات السابقة لم تصل الإجراءات إلى نهاية المسار وعزل الرئيس من منصبه فهي إما تتوقف في مجلس الشيوخ أو يستقيل الرئيس كما حصل مع نيكسون.
من هم الرؤساء الذين فتحت إجراءات عزل ضدهم؟
– أندرو جونسون، في العام 1868، الذي كان ينتمي للحزب الديمقراطي، وهو أول رئيس اميركي أتخذت بحقه اجراءات التحقيق والعزل من الكونغرس الذي كان يسيطر عليه الجمهوريون. ودوافع هذه الإجراءات كان الخلافات السياسية بين جونسون ومجلس الشيوخ.
لكن لم يتم الحكم بإدانته بعد قيام 7 أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ بالتصويت ضد قرار حزبهم بهدف الحفاظ على فصل السلطات.
رغم نجاة جونسون من إدانة السلطة التشريعية لكن إجراءات العزل أضعفت ما تبقى من ولايته الرئاسية وأصبح تأثيره على السياسة ضعيف إلى حين انتهاء ولايته في 1869. ولم يترشح لولاية ثانية بعد تخلي الحزب الديمقراطي عنه.
– ريتشارد نيكسون في العام 1978، وهو رئيس من الحزب الجمهوري الذي استقال قبل انتهاء ولايته الثانية بثلاث سنوات، تجنباً لعزله الذي كان محتوماً بعد ثبوت تورطه في فضيحة تجسسّ عناصر من الحزب الجمهوري على المقر الرئيس للحزب الديمقراطي في واشنطن، في ما عرف بفضيحة “ووترغيت”، وفي ظل علمه بنيّة الأعضاء الجمهوريين بتأييد اجراءات عزله.
– بيل كلينتون: رئيس أميركي ديمقراطي، قام مجلس النواب الأميركي بالتصويت بتأييد قرار عزله في 19 كانون الأول/ ديسمبر 1998، بتهم الكذب تحت القسم وعرقلة سير القانون على خلفية علاقاته الجنسية في البيت الأبيض، لكن الإجراءات أوقفت في مجلس الشيوخ الذي صوّت بغالبيته ببراءة كلينتون في 12 شباط/ فبراير 1999 وأكمل بعدها ولايته الرئاسية.
بالعودة إلى ترامب فهذه ليست المرة الأولى التي يتم المطالبة بفتح تحقيق ضده والمباشرة بإجراءات عزله، لكن أهميتها هي في تبنّي قيادة الحزب الديمقراطي للخطوات عملياً وتأكيد زعيمة الديمقراطيين أن ترامب خالف القانون والدستور ويجب أن يحاسب على ذلك.
إجراءات عزل الرئيس في الولايات المتحدة تهدف إلى تأكيد مبدأ أن لا أحد فوق القانون، لكن تجارب استخدام هذه الصلاحية كانت دائماً مرتبطة بالواقع السياسي ومن يسيطر على هيئات الحكم من مجلس شيوخ ونواب.
ويبدو أن الديمقراطيين يدركون أن عزل ترامب قبل سنة من موعد الانتخابات الرئاسية صعب التحقق في ظل سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ لكن إثارة القضية لا شك سيكون لها تأثير كبير على المعركة الانتخابية المقبلة.
الميادين