أفق نيوز
الخبر بلا حدود

شاهد بالصور | مدير مكتب الرئاسة يتجول في محور نجران وسط غارات الطيران

تقرير خاص يكتبه مدير مكتب الرئاسة من الميدان

355

 

 

يقف المجاهدون في محور نجران جبهة كتاف كما لو أنهم جزء من جبالها الوعرة والمتصلبة حيث تأخذ في غالبها تشكيلات شديدة الانحدار باتجاهات مختلفة ، وقد شهدت معارك كبرى بين المجاهدين والتكفيريين في العام 2013 م حين دُحر التكفيريون من كتاف ووادي آل أبو جبارة بعد شهرين من المعارك آنذاك.
يقع وادي آل أبو جبارة في الجزء الشرقي لمديرية كتاف، ويحتل موقعا جغرافيا حاكما باتجاه العمق نحو صعدة وفي الجهة المقابلة نحو الفرع المتاخم لمدينة نجران ، ولذا تحاول مملكة العدوان أن يكون الوادي مركزا لقيادة حشد العملاء والخونة على الحدود ولتبقي هذه المنطقة منطقة عازلة تحتمي بها كما فعلت إسرائيل على حدود الجولان المحتل ، إضافة إلى محاولتها قطع الطريق ما بين مدينة صعدة والبقع وأيضا تأمين طريق مرتزقتها الذي يوصل نجران مع مدينة صعدة.
أحمد محمد حامد*

السيطرة على كامل المديريات الحدودية وتشكيل منطقة أمنية عازلة داخل الأراضي اليمنية بمساحة 20 كيلو مترا يسيطر عليها مرتزقة العدوان هاجس سعودي تشكلت عليه إحدى أهم خطط العدوان التي سعى لتنفيذها وما زال حتى الآن ينفذ عمليات ضاغطة على الشريط الحدودي بهدف إنجاز المخطط قبيل أي مفاوضات سياسية ، فهو يرى أن مثل هذه المساحة ستكون بمثابة أوراق تفاوض على الطاولة ، يحاول بها إعلان إيقاف الحرب والقبول بالمفاوضات السياسية ، ذلك هو ما يفسر الضغط الميداني المكثف للعدوان والتركيز على جبهة الحدود في الفترة المتأخرة.
ومنذ العام 2013م وبعد تحرير المجاهدين لوادي آل أبو جبارة ودحر التكفيريين عن آخر معاقلهم في كتاف ، لم تتوقف تحركات النظام السعودي للسيطرة على الوادي الاستراتيجي «وادي آل أبو جبارة» مرورا بالفرع شمال شرق مديرية كتاف ، وعلى مدى ثلاث سنوات مضت ظل يحشد لهذه المنطقة قوة كبيرة تزيد عن عشرة آلاف مقاتل ، يتم اختيار المقاتلين في هذه الجبهة الساخنة من التكفيريين الأكثر حقدا والأشد إجراما ، ولذا تعتبر هذه الجبهة الحدودية من أقوى وأسخن الجبهات على الإطلاق بالنظر إلى أهميتها وتركيز العدو عليها ووعورتها أيضا ، ولما تمثله من مطمع لهم للدخول إلى محافظة صعدة.
تبلغ مساحة مديرية كتاف 5191 كيلو مترا مربعا ، ويقدر العسكريون مساحة المعارك ومسرح عمليات (نصر من الله) بمئات الكيلو مترات وهي مساحة شاسعة ذات تضاريس وعرة ، إذ أن المواجهات أخذت منحى طوليَّا باتجاه العمق بما يزيد عن 50 كيلو مترا طولا نحو محافظة صعدة على أقل تقدير كان قد توغل فيها العدو أو بالأحرى استُدرج إليها ، إمكانات العدو كانت كبيرة جدا من حيث العديد والعتاد ، حشد المقاتلون في تلك الجبهة من مختلف الجنسيات ، تم اختيارهم بعناية من التكفيريين بقيادة المدعو رداد الهاشمي وهو من خريجي دار الحديث بدماج.
وقائع وفصول المعركة التي حقق فيها المجاهدون انتصارات عظيمة
خلال زيارتنا بصحبة بعض الإخوة من القادة الميدانيين ، تمكنا من الإحاطة بجانب من جغرافيا المعركة وتفاصيل عملية الالتفاف الكبير الذي نفذه المجاهدون في منطقة مترامية الأطراف وشديدة الوعورة تتوزع بين شعاب وأودية وتباب شديدة الانحدار.

قدم الجميع في هذه المعركة درساً عملياً يظهر كيف يكون ثمرة التعاون والجد والاهتمام الملفت في هذه العملية

بعد أسبوعين من استشهاد المجاهد أبو عبدالله حيدر، احد القادة المجاهدين من منطقة سفيان وبعد اكتمال عملية الاستدراج الاستراتيجي للعدو، في جبهة كتاف شن المجاهدون عملية هجومية واسعة من ثلاث مسارات من منطقة الصوح شرقا ، البقع شمالا ، الوادي جنوبا أطلق عليها اسم عملية الشهيد أبوعبدالله حيدر ضمن عملية (نصر من الله) ،ويقول المجاهدون هناك إن دمه ودماء زملائه المجاهدين هو من طهر تلك المنطقة.
كان العدو قد تقدم في العمق طولا حوالي خمسين كيلو مترا، دون أن يؤمن الجوانب التي كان المجاهدون يتمركزون فيها ، استدراج خطط له ليتحول إلى كماشة لكل ما حشد العدو من عدة وعتاد ومقاتلين ، وهو ما مكن المجاهدين بفضل الله من تنفيذ ضربة قاصمة وحاسمة وفي فترة قياسية.

لمسنا في هذه المعركة حجم استهتار العدو بدماء الخونة والعملاء الذين لم يكن يبالي بهم ويديرهم بشكل غير سليم، من خلال التخطيط الفاشل وإدخالهم في معركة هو يعلم أنهم لن يخرجوا منها لأنها كانت مغامرة وعملية استدراج واضحة، وكان لا يصرف لهم راتب الخيانة إلا بعد أن يتقدموا في هذه الأماكن

ثلاثة ألوية بكامل عتادها زج بها العدو إلى بطن الوادي ، يديرهم ويشرف عليهم عدد من الضباط السعوديين ، ثلاث سنوات من التحضير والتجهيز والإعداد من جانب العدو لهذه الجبهة وعام ونصف من التواجد داخل الوادي (وادي آل أبو جبارة) انتهت وتبددت في لحظة بتوفيق الله ومعونته ونصره، في معركة لم تتجاوز الثلاثة أيام بكل ما فيها ، لكنها كانت حصيلة للصبر والصمود والجهاد والعمل الدؤوب مع الله والمواجهة المتواصلة ليلاً ونهاراً ، فحتى الإعلام الحربي الذي جهز ما يزيد عن 30 كاميرا كانت حاضرة توثق مجريات المعركة ، اضطر بعضهم للمواجهة لكثرة العدو.
قدر المجاهدون عدد القتلى من العدو في وادي آل أبو جبارة بما يزيد عن 700 قتيل وجريح ، أما الأسرى فقد بلغوا حتى يوم الجمعة الموافق 30 أغسطس 2019 وهو اليوم الذي وصلنا فيه داخل الوادي مع رجال الله المجاهدين (2500 أسير)، وقد شكل العدد الكبير للأسرى مشكلة أمام المقاتلين الذين كان أمامهم مهمة استكمال التطهير للمنطقة فكان المقاتل مع كثرة الشعاب واتساع المنطقة يأتي بأكثر من 50 أسيراً لتبقى أمامه مهمة حراستهم وتجميعهم وسرعة نقلهم خوفاً عليهم من الطيران الذي كان يستهدفهم، وهو الامر الذي دعا لاستنفار الناس من عدة مناطق للمساهمة في إيجاد وسائل النقل والدخول لإخراج الأسرى ومساعدة إخوانهم المجاهدين وهو ما حدث فعلاً.
بدأ المجاهدون قبل أقل من شهر في تعزيز تلك الجبهة ، وقد تم إرسال القوات والعتاد اللازم لتلك الجبهة، وبعد أن أخذوا مواقعهم دون أن يشعر العدو بذلك ، بدأ هجوم العدو قبل استكمال الترتيبات كاملة ، إذ شن هجوما بمرتزقته على (نجد الفارس) وهي سلسلة جبلية وعرة واستراتيجية ، بدأت عمليات المجاهدين بالتصدي له ، ثم نفذوا هجوما مضادا وكاسحا شاركت فيه كل الوحدات القتالية والتشكيلات الجهادية بما فيها سلاح الجو المسير والقوة الصاروخية ، فكانت معركة نموذجية من حيث التعاون والخطة الواحدة والتناغم بين كل التخصصات.

نزول القادة العسكريين بين أفرادهم وإدارتهم للمعركة من داخلها كان أحد عوامل الحسم السريع

نزول القادة العسكريين بين أفرادهم وإداراتهم للمعركة من داخلها كان أحد عوامل الحسم السريع.
معنويات المقاتلين كانت عالية، نفسيات مؤمنة ذائبة في الله ومتفانية في سبيله وعاهدت الله على الصمود والاستبسال، قدم الجميع في هذه المعركة درساً عملياً لكيف يكون ثمرة التعاون والجد والاهتمام، الملفت في هذه العملية، أنها انطلقت من نفس المكان وبنفس الخطة التي نفذها المجاهدون في المعركة السابقة في 2013م (في وادي الخراشب وجبل أم الشداد) والتي يسميها العدو بتبة الثلاثين، لأنه قتل منهم فيها ثلاثون شخصاً في المعركة السابقة. 
عند دخولنا إلى الوادي ( وادي آل أبوجبارة ) التقينا المجاهدين تحت قصف الطائرات، الذين كانوا يرونها مجرد (بلاستيك) حسب توصيفهم، قبلنا أيديهم واستمعنا منهم بعض تفاصيل المعركة التي يصفونها بالخاطفة، كانت جثث القتلى تملأ الوادي مدرعات (البرادلي) ما بين محترقة ومعطوبة ومحجوزة والتي كانت مخصصة للقادة والضباط السعوديين الذين بادروا بالهرب في سبع مدرعات ليتركوا مَنْ خلفهم يواجهون الموت، تم تفجير 3 مدرعات بمن فيها و4 أخرى تمكنت من الهروب بالضباط السعوديين، لتأتي بعدها 9 مدرعات أخرى تم إيقافها بالسلاح الشخصي وأسر كل من كان بداخلها واستخدام المدرعات كحاجز لمنع خروج الآليات الأخرى وهو ما تم.

الإعداد من قبل العدو تحول إلى هزيمة والمال والجهد الذي بذلوه للقضاء على هذه المسيرة تحول إلى حسرة وأصبح مكرهاً وماله وسلاحه وخططه تصب في مصلحة المؤمنين الذين كان يؤمل القضاء عليهم

أبناء المنطقة كان لهم دور بارز في هذه المعركة من المشاركة في القتال ومن تقديم قوافل الدعم والإسناد، وحتى الشرفاء من بعض القادة ممن لازال فيهم وطنية تعاونوا وقدموا معلومات وتسهيلات ساعدت في حسم المعركة.
لمسنا في هذه المعركة حجم استهتار العدو بدماء الخونة والعملاء الذين لم يكن يبالي بهم ويديرهم بشكل غير سليم، من خلال التخطيط الفاشل وإدخالهم إلى معركة هو يعلم أنهم لن يخرجوا منها لأنها كانت مغامرة وعملية استدراج واضحه، وكان لا يصرف لهم راتب الخيانة إلا بعد ان يتقدموا في هذه الأماكن.

بعد أسبوعين من استشهاد المجاهد ابوعبدالله حيدر وبعد اكتمال عملية الاستدراج الاستراتيجي للعدو، شن المجاهدون عملية هجومية واسعة من ثلاثة مسارات

استكملنا جولتنا في الوادي وشاهدنا تفاصيل بعض ما حدث وكان الطيران يقصف في كل الاتجاهات، واضطررنا لمفارقة بعضنا لأكثر من 3 ساعات بسبب القصف المكثف للطيران الذي شن في اليوم الأول خمسين غارة على الوادي، وثقنا خلالها عددا من المشاهد وشاركنا المجاهدين في جزء من صبرهم. تأكد لنا يقيناً عظمة المجاهدين الذين ننعم بالأمن والأمان بفضل تضحياتهم وصبرهم واستبسالهم وكم نحن مقصرون تجاههم وعرفنا أهمية وضرورة المرابطة معهم فهناك وفي تلك الأجواء الإيمانية ستعرف لماذا فضل الله المجاهدين على القاعدين، وماذا يعني قول الله سبحانه وتعالى (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) وهناك وفي تلك المعركة يتجلى أمامك قول الله سبحانه وتعالى (وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) وقوله تعالى (وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا) وقوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ) . فالإعداد من قبل العدو تحول إلى هزيمة والمال والجهد الذي بذلوه للقضاء على هذه المسيرة تحول إلى حسرة وأصبح مكره وماله وسلاحه وخططه تصب في مصلحة المؤمنين الذين كان يؤمل القضاء عليهم، وأصبح العدو يضرب بسلاحه الذي حرف المجاهدون وجهته زاوية 90 درجة ليعاد إلى نحورهم وهو سلاح كثير وكبير ونوعي. سلاح ثلاثة ألوية في الوادي أكثر من 15 دبابه ابرامز وأكثر من 50 مدرعة برادلي وأكثر من 100 طقم عسكري بالإضافة إلى المدافع والقذائف والهاونات والرشاشات ومخازن أسلحة كثيرة ومتعددة بما فيها صواريخ الكاتيوشا وراجمات الصواريخ.
ولهذا ومن خلال هذه المعركة ونتائجها السريعة والحاسمة على العدو ألاّ يفرح عندما يتقدم خطوة هنا أو خطوة هناك لأنهم كلَّما تقدموا شبراً في هذه الأرض فانهم إنما يتقدمون إلى حتفهم إلى حيث يقتلون إلى حيث يؤسرون إلى حيث يغلبون وهذا ما تعنيه المقولة المعروفة اليمن مقبرة الغزاة.

* مدير مكتب رئاسة الجمهورية

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com