الأسير المحرر وليد القطواني: “مارب مدينة السجون والمعتقلات والقتل بالتعذيب”
أفق نيوز – متابعات إخبارية
في 23 أبريل 2015م وقع وليد القطواني في الاسر بمنطقة القلعة صرواح مارب.. يقول القطواني “وصلنا إلى نقطة فيها مجموعة مسلحين يرفعون علم التنظيم الإرهابي.. وجدناهم يحيطون بنا، وأجابوا على سؤالنا عن هويتهم أنهم “أنصار الشريعة”.
يحكي وليد في حديث خاص لـ “الثورة” قصة أسره التي استمرت أربع سنوات وثمانية أشهر قضاها متنقلاً بين سجون مارب التي يمارس فيها المرتزقة أبشع أنواع التعذيب والانتهاكات بحق الأسرى والمعتقلين, ويضيف القطواني عن مصيره وزملائه بعد أسرهم قائلاً: “أجمعوا على قتلنا إلا واحدا منهم، وهو رجل مسنٌ، قال: “أنتم في وجهي”، ومن ثم نقلونا إلى مدينة مارب قبل أن يسلمونا إلى مجموعة أخرى من القاعدة”.
الثورة /عبدالقادر عثمان
كيف عرفت أنهم من تنظيم القاعدة؟
– كانوا يضعون الكحل على أعينهم وتتدلى لحاهم ويتحدثون العربية الفصحى.. هناك ربطوا على أعيننا، وأخذونا على متن سيارة تويوتا (شاص) من طريق رملي إلى مبنى مجهول، استقبلنا فيه رجل يتحدث الفصحى أيضاً.. قال لنا: “أهلا بكم عند أنصار الشريعة! حدّكم حدّ السيف”، حينها تذكّرت المسن الذي قال إنّنا في وجهه ولن يصل إلينا أحد، وكيف أخلف وعده وسلّمنا للتنظيم الذي يقاتل في صف العدوان.
قام الرجل بتفتيشنا وأودعنا غرفة مظلمة ذات شبابيك صغيرة ومرتفعة وبداخلها دورة مياه.. في اليوم التالي أدخلنا غرفة أخرى أكثر ضيقاً وفيها سبعة آخرون، عرفنا لاحقا أنه سجن مستحدث يدعى آل شبوان.
تعذيب نفسي
حدثنا عن معاناتك في الغرفة؟
– لم يكن للغرفة أي منفذ للهواء, كان الفصل صيفاً ودرجة الحرارة عالية وأجسادنا تتصبب عرقاً باستمرار، ونحن بملابسنا التي أسرنا بها.. عانينا كثيراً سواء في الأكل الذي جلبوه لنا “أربع إلى خمس كدم في اليوم، فيما وجبتا الفطور والعشاء كانتا الفول فقط، أما الغداء فكان الرز برائحة الدخان الكريهة وكدم متحجرات”.
كم بقيت في تلك الغرفة؟
– استمر سجننا فيها لمدة شهرين،ش عانينا فيها من ضيق التنفس؛ إذ لم يكن يفتح لنا الباب سوى خمس دقائق في اليوم لدخول الهواء، لتغلق بعد ذلك إلى اليوم التالي.. كان من الضروري المطالبة بتركيب مروحة أو شفاط أو فتح الباب باستمرار مع اقتراب شهر رمضان المبارك، لكنهم لم يستجيبوا لنا، وقال أحدهم: “موتوا! ما الذي جاء بكم إلى مارب؟!”.
هل عذّبوكم في آل شبوان؟
– في آل شبوان مارس عناصر التنظيم الحرب النفسية بحق الأسرى بشكل يومي لمدة تسعة أشهر، حيث تردد علينا أشخاص يرتدون أقنعة ويحملون السكاكين إلى جانب سلاحهم، كان أحدهم يطلب منا أن نصلّي ركعتين قبل أن يذبحونا، وبعد وقت قصير يمر آخر يدّعي تأجيل ذلك، ويتكرر المشهد بشكل مستمر.
2 في 6
بعد سجن آل شبوان.. إلى أين نقلتم, ومتى؟
– مطلع 2016م نقلنا إلى سجن الأمن السياسي في مارب ذاتها, أدخلونا غرفة “مترين في مترين”، كنا ستة في غرفة لا تتسع إلا لثلاثة أشخاص، لا يسمح لنا بزيارة دورة المياه إلا مرتين إلى ثلاث مرات في اليوم لا نتأخر فيها عن دقيقتين، بالتزامن مع كل وجبة.
ماذا عن صلاة الفجر؟
– كانوا يغلقون الأبواب ولا يفتحون لنا إلا مع شروق الشمس لمدة قصيرة، وكنا نتيمم فترة طويلة لصلاة الفجر، حتى جاؤوا بأسرى ومعتقلين جدد ولم تتسع لهم الزنازين فتُرِكوا في الممرات ، وكانوا يفتحون لنا الأبواب للذهاب إلى دورة المياه.
ما نوعية التعذيب في هذا السجن؟
– كان أبو قعشة ومرافقوه وجلادون آخرون يدخلون مساءً، يأمرنا أحدهم تارة أن نصفّ أيدينا في الجدار ومن ثم نصعد ونهبط حتى تتقرح أناملنا وأكفّنا، وهم من خلفنا بالحديد والكابل الكهربائي يجلدون كل من توقف عن تنفيذ الجزاء، وتارة أخرى يشعل النار في الخنجر ويضعه في أماكن حسّاسة في الجسم لا نستطيع الخوض في الحديث عنها، كان ذلك الرجل ملثّما ببنيته الضخمة، يتفنن في أساليب التعذيب التي لا يفرّق فيها بين شاب أو مسن أو طفل, يبدو أنه ماسوني.. كنا عقب صلاة العشاء نسمع صراخ الأسرى والمعتقلين.. يدخل مجموعة من المسلحين يأمروننا: “انهض. وجهك على الجدار. ارفع يدك”. استمر هذا التعذيب في الفترة الأولى بشكل يومي ثم كل يومين ومن ثم أسبوعياً”.
قتل تحت التعذيب والإهمال
ماذا عن قصص القتل تحت التعذيب؟ هل شاهدت إحداها؟
– في العام 2016م عذّب الجلادون في الأمن السياسي المعتقل حسن الشريف، من أبناء مارب حتى توفي، كان ذلك أمامنا، ظل ثلاثة أيام معلّقاً في زنزانة التعذيب بوضعية صعبة للغاية، تعرض لضرب مبرح حتى حفر القيد في يديه بغية الاعتراف بأنه من خلايا التفجيرات الإرهابية، وأنه حوثي.. حين أدخلوه إلينا كانت ملامح التعب واضحة على جسده، وكان يطلب ماءً فيعطونه ماءً ساخناً، بينما كانت معدته لا تتقبل أي شيء؛ إذ يصاب بالإسهال بعد كل طعام يتناوله.. لقد كثّفوا له الركل على بطنه، وبعد أيام توفي عقب نقله إلى المستشفى إثر إصابته بالإسهال الحاد.
وهناك حالتان أخريان في معهد الصالح، ففي العام 2017م توفي عمار قبايل في زنزانتي، بعد شهر من المرض بالحمى والكلى والإسهال. أخذوه إلى المستشفى قبل وفاته بأيام وأعطوه حقنة ومجموعة من الأقراص الدوائية بعد ساعتين من الانتظار في الطوارئ معصوب العينين.. في المساء شعر باستياء حالته.. حاولنا أن نفعل له شيئاً لكن ليس بأيدينا فعل شيء ونحن لا نملك حتى شربة ماء نقية، نادينا على شاوش السجن لنخبره بأمره فقال: “أخبروه أنني سأدخل لأقتله”. لفظ عمار وصيته الأخيرة ومعها توقفت أنفاسه.
أما خالد قريش، “فقد تعرض للجلد المتواصل والاعتداء الجسدي من قبل الجلادين في الوقت الذي كانت فيه حالته الصحية متدهورة جراء إصابته بالكلى والحمى، حينها جلدوا جسمه كاملا. لم يقدّروا وضعه.. لقد انهالوا عليه بالضرب ذات ليلة حتى فارق الحياة، وأخبرنا من استلم جثته أن آثار التعذيب كانت ظاهرة عليها حين استلامها”.
جرب وبراغيث وظلام
كم بقيت في السياسي؟
– ظللنا سنة وثمانية أشهر.. وفي أغسطس 2017م نقلت إلى سجن معهد الصالح.
كيف كان وضعكم في معهد الصالح؟
– ساء وضعنا في المعهد بشكل أكبر مما هو عليه في السجنين السابقين؛ لم يكن هناك أثر لضوء الشمس في المعهد.. كانت الإنارة كهربائية، وحال انطفائها لا تتمكن من رؤية من معك في الزنزانة.
في السياسي أصيب كافة الأسرى والمعتقلين بالجرب، كنا ندلك أجسادنا حتى تتفطر، وهم يتفرجون علينا، حتى جاء طبيب السجن وقال: “تنظّفوا!”، أخبرناه: “كيف لنا ذلك ولا ماء لدينا أو صابون؟!”، بعد ذلك كان كل خمسة أسرى يحصلون على كيس صابون 100 جرام لكل نصف شهر.
ماذا عن وضعكم مع المأكل والمشرب؟
– كان الوضع المعيشي في المعهد أكثر صعوبة من سابقيه، ظللنا طوال فترة أسرنا نشرب من دورة المياه، حتى أصيب معظم المعتقلين والأسرى بالكلى.. وانتشرت البراغيث والقمل بشكل مقرف.. حين خرج درعان السقاف ومعه مجموعة من رفقاء السجن أرسلوا لنا مليوني ريال وأدوية، لكن لم يصل لنا من ذلك شيء سوى علبة دواء واحدة للجرب.. قالوا إنها من السجن وليست رسالة”.
لا نرفق بأسير ولا نعرف أحداً
ماذا عن وضع الجرحى؟
– في معهد الصالح زنزانتان للجرحى، لم يكونوا يحصلون فيهما على واحد % من الرعاية الصحية أو الغذائية؛ أكلهم شبيه بأكلنا، وأدويتهم كلها مضادات حيوية ومهدّئات.. كان أحدهم جريحا في رأسه، قال له الجلاد: “في رأسك وما مت! أين عاد نزيد نرميك من أجل نقتلك!”.
ألم تطلبوا منهم أن يعاملوكم معاملة الأسرى؟
– ذات يوم في العام 2018م، كان هناك جلاد يحمل بيده سلسلة حديدية.. أخبره أسير قائلاً: “نحن أسرى يا فندم، ورسول الله اعتنى بالأسرى وما عذبهم”، فرد عليه: “كان يرفق بالأسرى الكفّار، لكنّك حوثي. منتاش كافر. ما في لك رحمة”.
وقال ضابط آخر: “أتظن أننا بندخل صنعاء بالورد؟ نعلم بيت كل واحد ولن نرحم أحداً”.
– هم لا يفرقون بين رجل أو امرأة ولا يعرفون جريحاً أو مريضاً، يرضون شهوتهم الانتقامية بتعذيب كل من في السجن؛ لم يستطيعوا حتى أن يتعاملوا معنا تعاملاً أخلاقياً لشهر واحد، نفسياتهم لم تكن مؤهلة لذلك؛ كانت تفضحهم في كثير من المواقف. بداخلهم انحراف نفسي على مستوى التعامل الإنساني، حتى فيما بينهم؛ إذ أنهم يعذّبون بعض زملائهم المرتزقة لمجرد الشك فيهم، إلى جانب ذلك كانوا يعتقلون أناساً من النقاط والمدينة: “سلفيون وسنيون، وطلاب، ومرضى، ومجانين” ويدخلونهم معنا.
فول بطعم المداعة
كيف كان وضعكم المعيشي في المعهد؟
– على مستوى الأكل كان الفول يطفح برائحة ماء “المداعة”، بينما رائحة الرز شبيهة بالدخان.. طلبنا من أحد الضباط أن يخبرهم بتحسين الطباخة فرد علينا قائل: “اخلطوا الرز مع لب الكدم لتخفيف رائحته.. عندي معلومات عن فائدة هذه الخلطة”. قالها باستخفاف، رغم أنه وغيره كلما دخلوا علينا الزنزانة يسألونا: “أيش تشتوا؟”. لم نكن نريد سوى السماح لنا بالاتصال بأهالينا وتحسين وضعنا الغذائي، لكن وعقب كل زيارة لهؤلاء يسوء الأكل أكثر ويستمر منعنا من الاتصال بأهالينا”.
إلى جانب ذلك يمنعون عنا وصول أي مواد غذائية كالبسكويت والعصير نرسل في طلبها بفلوسنا من السوبر ماركت؛ لأن الأسرى يجب أن يحصلوا على ما يبقيهم على قيد الحياة فقط ولا يجب السماح لهم بنيل الكماليات، لأنهم حسب قول أحد الضباط “ما هم في موفنبيك!”، أما حين نرسل في طلب ملح أو ثوم فلا يصل إلينا إلا بعد مرور نصف شهر من يوم طلبه.
ألم تزركم المنظمات؟
– زارنا ذات يوم شابان، قالا إنهما من حقوق الإنسان، وسألانا عن مطالبنا وكل ما نحتاجه.. كانت مطالبنا هي هي لم تتغير: تحسين الغذاء والتواصل بالأهل، غير أنهما لم يبلغا الزنزانة الخامسة حتى خرجا وهما يغلقان الباب بقوة ويصيح أحدهما: خلّوا السيد يتصل لكم!.
أربع سنوات في العزلة
كم مرة اتصلت بأهلك؟
– خلال أربع سنوات وثمانية أشهر في سجون مارب لم أتصل بأسرتي سوى مرة واحدة قبل أربع سنوات.. كان ذلك قبل وفاة والدي ووالدتي أثناء التحقيق معي، وحين انتهى المحقق من توجيه الأسئلة قال: “أقدر أستأذن لك، فأيش تحتاج؟”، فطلبت الاتصال بوالدي، لكني لست ككل الأسرى؛ إذ أن الكثيرين لم يسمح لهم بالاتصال بتاتاً.
ما الأسئلة التي وجهها إليك أثناء الحقيق؟
– وجه إلي مجموعة من الأسئلة عن سبب انتمائي للمسيرة القرآنية، قال: “أيش يعطيكم الحوثي؟”، فرددت عليه سائلاً: “أيش تعطيك أنت السعودية مقابل القتال معها ضد أبناء وطنك؟”.
حرمان أخير
هل زارك أحد من أسرتك في السجن؟
– حاول والدي زيارتي في مارب.. شهران وهو يعامل عند قياديين من أرحب نعرفهم ، رغم حالته الصحية السيئة، فهو شخص مسن ومقعد على كرسي متحرك، لكنهم لم يسمحوا له بمن فيهم الشيخ الحنق الذي قال – وقتما سأله والدي بحق القبيلة – “القبيلة تركناها، وما عاد فيها فائدة”، في الحقيقة لم يكن الأمر بيدهم، بل بيد السعودية والإمارات.
تمكن عمي من الوصول إليّ في زيارة بقي شهراً منتظراً لها، وقد أخبرني عن نزول والدي لكنه لم يخبرن بوفاته رغم أنه توفي مع والدتي.
ألم ينقلوك إلى سجن آخر؟
– بعد ستة أشهر من دخولي المعهد نقلوني إلى الأمن السياسي مع أحد الأسرى وأدخلونا زنزانة انفرادية قيّدوا فيها رجلي إلى رجله لمدة عشرين يوماً، حتى حينما كان يسمح لنا بالذهاب إلى دورة المياه مرتين في اليوم، كان يجب أن نذهب معاً ونعود.. أخرجونا السياسي وأخبرونا أننا سنبقى فيه حتى يرسلوا لهم البديل من صنعاء ومن ثم يفرجوا عنا، بعد ذلك أعادونا إلى المعهد.
تكتيم إعلامي وفضيحة نفسية
هل كانت تصلكم أخبار الانتصارات؟
– عشنا في تكتيم إعلامي، لم نكن نعرف ما الذي يجري إلا حينما يأتونا بأسير جديد، يرفع لنا معنوياتنا، يخبرنا عن انتصارات الجيش اللجان وعن التطور الحاصل في القوة الصاروخية والدفاعات الجوية، والانتصارات السياسية.
هل علمتم بالطائرات المسيّرة والصواريخ؟
– نعم.. ذات يوم أرادوا أن يسخروا من الطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية، فجاؤوا بشاشة وفيها برنامج تهريجي يعرض الطائرات على أنها لعبة ويستهزئ بالصواريخ التي تصل إلى السعودية وظهر فيها السيد القائد -حفظه الله- يتحدث عن “بركان 2” الذي قال عنه إنه “وصل إلى الرياض وإن شاء الله في ما بعد إلى ما بعد بعد الرياض”، حينها رد الله كيدهم في نحورهم وارتفعت معنويات الأسرى جميعاً على عكس ما كانوا يخططون له.
أسرتم بداية العدوان وخرجتم وقد وقعت أحداث كثيرة تحتاجون إلى أرشيف لمعرفتها.. ولكن كيف كان وقع الانتصارات وانعكاسها على المرتزقة؟
– مع مرور الوقت استطاع الأسرى تحديد مجريات الأمور على الساحة في الجبهات من خلال ملامح الضباط القائمين على السجن.. كانوا في بعض الأيام يرمون بالأكل رمياً، ويهددوننا بضرب العنبر كاملاُ لو تفوّه أحدنا بكلمة، أو يدخلون بشكل مفاجئ يجلدونا، كانت ملامحهم توحي بالغضب، حينها ندرك أن أمراً مؤلماً قد أصابهم، وبعد جلب أسير جديد نكتشف أنه في ذلك اليوم حدث تقدم للجيش واللجان في إحدى الجبهات أو عملية ناجحة لسلاح الجو أو القوة الصاروخية، كما استطعنا أيضاً إدراك أن عملية تبادل ستجري من خلال تحسن المعاملة قليلاً.
دين يخنقهم وقرآن يزعجهم
بالنسبة للصلاة والذكر.. هل ضايقكم الجلادون؟
– لم ننل حقنا في أداء فرائضنا وشعائرنا الدينية، كانت “حي على خير العمل” كافية لتنفيذ حملة تعذيب بحق الزنزانة كاملة، وآية الكرسي بالنسبة لهم مزعجة؛ يهرعون بعد سماعها يسألونا: “من هو الذي يزومل؟” من أجل معاقبته.
يوم الخروج
حدثنا عن خروجك من السجن؟
– كان ذلك يوم الأربعاء 20 نوفمبر الماضي، أخذوني مساءً بشكل سري وربطوا على عيني، وأنا بملابس مليئة بالقمل والأوساخ ورائحة العرق.. قالوا إن لي 40 ألف ريال في الأمانات، حين سألت عمي عنها قال إنهم أرسلوا مئات الآلاف وليس هذا المبلغ فحسب, مع ذلك لم يصلن فلس واحد طيلة سنوات أسري، سوى ما أعطانيه عمي حين زارني”.
إلى أين نقلوكم؟
– نقلت مقيداً إلى بيت شخص البديل محمد الردة مساء الأربعاء 20 نوفمبر الماضي، نزعوا عني ربطة العين ورأيت شباباً غير ملثمين للمرة الأولى.. طلبت منهم مرآة لأرى نفسي؛ بدا على ملامحي تغيّر كبير.. بعدها أحضروا لنا عشاءً، تأملت الشاي وتذكرت قرابة الخمس سنوات التي لم نذق فيها طعمه أو نشم رائحته.. ابتسمت قليلاً وأنا أخبر أولاد الردة عن ذلك.. استغربوا مما سمعوا، وأخبروني أن عرقلة عمليات التبادل تأتي من طرف أصحابهم.
بقيت طوال الليلة التي قضيتها في بيت الردة أنتظر بزوغ الشمس التي لم أرها منذ وقعت أسيراً، كان الجو غائماً فلم أرها.. أخرجوني صباحا.. ترجلّنا حتى وصلنا مكان تواجد لجنة الوساطة التي قادها الشيخ ناجي مريط، بعدها انتقلنا إلى منطقة التبادل في الجوف، سلمت فيها على البديل وأنا بعد غير مصدّق أنني سأغادر مناطقهم حتى وصلت أول نقاط المجاهدين وشاهدت الشعارات فآمنت بتحريري.
أبي وأمي وابن أخي
كيف عرفت بوفاة والدك ووالدتك؟
– كنت في الطريق إلى صنعاء حينما اتصل بي خالد المداني يعزيني في وفاة والدي ووالدتي.. ظننته يتحدث عن والديه، لكنه كان يقصد والديّ.. اتصلت بأخي خالد لأسأله عن أبي وأطلب منه أن أتحدث إليه، فرد: “أوصل صنعاء أول؛ كما وصلت عتجابرنا كلنا”، وكانوا قد أجمعوا في البيت على أن يخبروني وقت وصولي أن والديّ ذهبا لأداء العمرة، لكن أحد المرافقين لي أخبرني بوفاتهما؛ لذا استغربت أسرتي عندما وصلت البيت أسلم عليهم ولم أسأل عنهما.. صباح اليوم التالي أخبروني عنهما وعن ابن أخي الذي استشهد في المخا”.
مدرسة الأسر
كيف كانت سنوات الأسر بالنسبة لك؟ وما الذي تركته في نفسك؟
– سجونهم بالنسبة لي ورفاقي كانت مدرسة؛ تعلمنا فيها الصبر والعزيمة والقوة والثبات، وتعلمنا عادات وأسلاف المناطق اليمنية المختلفة وميّزنا طبائع الرجال واختبرنا نفسيات العدو، وكان العدو بكل ما مارسه ضدنا يخدمنا من حيث لا يعلم.. نحن اليوم في قوة لا تقهر وعزيمة لا تلين وأجساد لا يخيفها التعذيب وأرواح لا تهاب الموت.
رسائل أسير
من خلال ما شاهدته وعشته عند المرتزقة.. ما رسالتك للشعب اليمني وأبطال الجيش واللجان في الجبهات؟
– أقول لهم استمروا؛ لأن الله بإذنه لن يذهب تعب الشعب وتضحيته سدى.. هؤلاء المرتزقة لو تمكّنوا لن يرحموا أحداً ولن يفرَقوا بين أحد.. إن كان كل ما فعلوه بنا جرى ونحن بين أيديهم ولم يتمكنوا بعد فكيف بنا لو تمكنوا! سيذلون كرامة من يجدونه في أي مكان تطأه أقدامهم؛ لذا فقتال هؤلاء المجرمين من أعظم الجهاد في سبيل الله؛ لأننا نطهّر الأرض من رجسهم وخبثهم ولؤمهم, وليس هناك أغلى من الكرامة التي يحاولون النيل منها.
أما المجاهدون فأقول لهم: إن نصركم نصر للأمة وليس للشعب اليمني وحده، وثباتكم سيحقق بإذن الله الانتصار للأمة جمعاء.
رسالة أخيرة.. لمن توجّهها؟
– أوجهها إلى قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، أقول له: المبادئ والقيم التي خرجنا من أجلها إعلاء لكلمة الله ونصرة المستضعفين لن نتخلى عنها مهما دفعنا من تضحيات ومهما سجنوا وقتلوا وعذبوا.. لن يزيدونا إلا ثباتا، ونحن على استعداد لأي توجيهات منك في أي لحظة، فنحن رهن إشارتك وسيفك في يمناك فاضرب بنا حيث شئت، وتحد بنا طواغيت العالم، وكما قلت إن نفسك لنا الفداء فنحن وأموالنا وأهلنا لك وللوطن الفداء.