اليمن 2019 … عمليات نوعية وتصدّع في قوى “التحالف”
أفق نيوز – تقرير / عباس الزين
“درّة التاج” السعودية “آرامكو” في دائرة الاستهداف اليمني
وجّهت القوات المسلحة اليمنية ضرباتٍ نوعية واستراتيجية ضد قوى “التحالف” خلال العام 2019. كانت البداية في 10 كانون الثاني/يناير عندما نفذ سلاح الجو المسير التابع للجيش اليمني واللجان هجوماً على تجمعات قوات الرئيس عبد ربه منصور هادي في قاعدة العند في لحج (جنوب اليمن). العملية التي وصفت بـ “نقطة التحول” نظراً لأهميتها أسفرت عن وقوع عشرات القتلى في صفوف “التحالف” من بينهم اللواء محمد صالح طماح، رئيس الاستخبارات العسكرية التابعة لحكومة هادي.
وفي 14 أيار/مايو نفذ سلاح الجو المسير اليمني عملية واسعة بـ 7 طائرات مسيرة استهدفت محطتي ضخ بترول تابعتين لشركة “أرامكو” السعودية، في خط الأنبوب الرئيس للنفط 7-8، الذي يربط بين رأس التنورة وينبع في السعودية، والذي ينقل 5 ملايين برميل نفط على الأقل يومياً، ما أدى إلى توقفه عدة أيام، إثر إتلاف خط الأنابيب بين المنطقة الشرقية في السعودية وينبع على البحر الأحمر.
واللافت أن تلك العملية جاءت بعد ادعاءات من قبل قوى “التحالف” أنها استطاعت تدمير “ورشات” الطيران المسيّر في العاصمة صنعاء.
وفي 17 آب/أغسطس نفذ سلاح الجو المسيّر عملية بـ 10 طائرات مسيّرة “توازن الردع الأولى”، استهدفت حقل ومصفاة الشيبة التابعة لشركة “أرامكو” شرقي السعودية، والذي يضم أكبر مخزون استراتيجي في المملكة ويتسع لأكثر من مليار برميل، ويبعد حوالي 10 كيلومترات عن الحدود الجنوبية لإمارة أبو ظبي.
“توازن الردع الأولى” كانت إشارة إلى عملية أخرى تحمل رسائل مشابهة، وهذا ما حصل فعلاً في عملية “توازن الردع الثانية”، التي هزّت سوق النفط العالمي وكان لها تأثيرات جيوسياسية متعددة في المنطقة ككل، وشكلت نقطة مفصلية في مسار الحرب على اليمن.
ففي 14 أيلول/سبتمبر أعلنت القوات المسلحة اليمنية أن سلاح الجو المسير نفذ عملية بـ 10 طائرات مسيرة على معملين لأرامكو في بقيق وهجرة خريص، بعد عملية استخبارية دقيقة. السعودية اعترفت بالعملية وأعلنت توقف الإنتاج في المعملين، معترفةً أن العملية أدّت إلى تخفيض إمدادات غاز “الإيثان” وسوائل الغاز الطبيعي بنسبة تصل إلى حوالي 50%، وتوقف كمية من إمدادات الزيت الخام تقدر بنحو 5.7 مليون برميل، أي حوالي 50 % من إنتاج الشركة، في حين أكدت وكالة رويترز “تعطل إنتاج النفط السعودي بعد الهجوم على منشأتي أرامكو”، ما دفع الرياض إلى التعويض من خلال مخزونات الشركة.
وبينما تواصلت الهجمات على مطارات أبها ونجران وجيزان جنوب السعودية خلال فترات العام 2019، فإن العمليات النوعية البرية للقوات المسلحة اليمنية تواصلت أيضاً، وكان أبرزها وأكثرها تأثيراً عملية “نصر من الله” التي اعتبرت الأضخم في تاريخ العمليات الحدودية بين السعودية واليمن، حيث تمكنت القوات اليمنية خلال شهر آب/أغسطس في كمينٍ محكم من أسر حوالى 2300 مقاتل في صفوف القوات الموالية لـ “التحالف” في مديرية كتاف شرقي محافظة صعدة قبالة منطقة نجران السعودية.
وأسفرت العملية أيضاً عن مقتل ما يقارب الـ 400 من أفراد “لواء الفتح” الذي كان قد كُلّف بمهمة التقدم في المديرية، كما استعادت القوات اليمنية حوالي 500 كيلومتر من الأراضي المحاذية للحدود، لتفقد بذلك قوى “التحالف” جميع مكاسبها في تلك الجبهة منذ عام 2016.
وسبق ذلك، عمليةٌ ذات دلالات عديدة لتزامنها مع إعلان الإمارات ما وصفتها بـ”إعادة انتشار” في اليمن، حين تعرضت قوات “الحزام الأمني” التابعة لـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” المدعوم إماراتياً، لعملية مشتركة نفذتها القوات المسلحة اليمنية عبر سلاح الجو المسيّر والقوة الصاروخية باتجاه معسكر الجلاء في عدن خلال عرض عسكري.
أوقعت العملية أكثر من 40 قتيلاً من قوات “الحزام” من بينهم قائد ما يسمى بـ “قوات الدعم والإسناد” اللواء منير اليافعي، المكنى بأبي اليمامة، والذي يعد أحد أبرز الرجالات المقرّبة من أبو ظبي.
وفي اليوم ذاته، استهدفت القوة الصاروخية التابعة للقوات اليمنية هدفاً عسكرياً في منطقة الدمام شرق السعودية بصاروخٍ باليستي بعيد المدى من نوع “بركان 3″، وهذه كانت المرة الأولى التي تضرب فيها القوات اليمنية أهدافاً في أقصى المنطقة الشرقية للسعودية تبعد أكثر من 1200 كم عن الحدود.
الإمارات تنسحب.. وقتال محتدم بين “الانتقالي” وحكومة هادي جنوباً
تميّز العام 2019 بكونه عام تفكك قوى “التحالف” من خلال إعلان الإمارات انسحابها، والمعارك التي اشتعلت في محافظات جنوب اليمن بين “المجلس الانتقالي الجنوبي” المدعومة إماراتياً وقوات حكومة الرئيس هادي، وهما الطرفان المتقاتلان والمقاتلان تحت راية “التحالف” الذي تقوده السعودية.
في أوائل شهر تموز/يوليو نقلت معظم وكالات الأنباء العالمية عن مسؤولين إماراتيين قولهم إن أبو ظبي قررت تخفيض عدد قواتها في اليمن في إطار انتقالها من الاستراتيجية العسكرية إلى “السلام أولاً”. وفي تلك الفترة بدأت الإمارات بسحب معظم قواتها المتمركزة في اليمن لا سيما في منطقة الساحل الغربي.
وتواصلت عملية الانسحاب خلال الأشهر اللاحقة لتعلن القيادة العامة للقوات المسلحة في الإمارات في تشرين الأول/أكتوبر سحب عناصرها من مدينة عدن اليمنية وتسليمها للقوات السعودية.
ما بين إعلان الانسحاب واستكماله، وصولاً إلى سحب القوات الإماراتية من مدينة عدن، شهد جنوب اليمن معارك ضارية بين ذراعي “التحالف” الرئيسيين. فـ “المجلس الانتقالي” المدعوم من أبو ظبي شنّ في آب/أغسطس هجوماً واسعاً على مدينة عدن التي تتخذها حكومة هادي عاصمة مؤقتة لها، وذلك بعد استهداف معسكر “الجلاء” بذريعة أن حكومة هادي قدمت مساعدات لوجستية لحكومة صنعاء مكّنتها من استهداف المعسكر.
وتمكنت قوات “الانتقالي” خلال الأيام وبدعمٍ إماراتي مباشر ومعلن من السيطرة على المدينة وطرد حكومة هادي منها، لتعود بعد ذلك وتتوسع جنوباً وتسيطر على أجزاء واسعة من محافظتي شبوة وأبين بالإضافة إلى محافظتي لحج والضالع.
ورغم محاولات القوات الموالية لهادي استعادة ما خسرته إلا أن الدعم الإماراتي والصمت السعودي الذي وضع في خانة “الصمت الداعم” لخطوة الإمارات حال دون ذلك، لتستمر المعارك على جبهات مختلفة في الجنوب اليمني خلال شهري آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر، حيث استطاعت القوات الموالية للإمارات فرض نفوذها وسطوتها على مساحات واسعة في المحافظات الجنوبية.
وفي ظلّ تمسك “الانتقالي” بمكتسباته فإن السعودية ذهبت باتجاه فرض اتفاق ينهي القتال، وهو ما حصل في الرياض بتاريخ 5 تشرين الثاني/نوفمبر بعد جولات عديدة من المفاوضات رعتها السعودية في شهر تشرين الأول/أكتوبر.
ونصت “اتفاقية الرياض” على إيقاف القتال وتشكيل حكومة “وحدة” يتشارك فيها “الانتقالي” في مهلة 30 يوماً من توقيعها بعد انسحاب الأخير من المناطق التي سيطر عليها ودمج قواته ضمن إطار ما يسمى بـ “الشرعية”.
لكن رغم مرور أكثر من شهر على توقيع الاتفاقية فإن معظم بنودها لم ينفذ، حيث لا تزال الجبهات في الجنوب اليمني تشهد مناوشات متقطعة بين قوات “الانتقالي” وقوات حكومة هادي، ممكن أن تتحول في أي وقتٍ إلى معارك أشد حدة كما حصل في فترات سابقة.
وفيما قدمت الرياض نفسها كضامنة لتنفيذ الاتفاق، فإن بنداً واحداً تم تنفيذه حتى الآن والمتعلق بعودة حكومة هادي إلى “العاصمة المؤقتة” عدن، بعد مرور أكثر من أسبوع ونصف عن المدة الزمنية التي حددها الاتفاق، في حين تعترف السعودية بوجود “صعوبات كبيرة في تنفيذ الاتفاق على الأرض”.
الميادين نت