أفق نيوز
الخبر بلا حدود

اليمن … لعبة الدم والموت إلى أين ؟!.. «14»

217
أفق نيوز – بقلم – صلاح المقداد

ومن انجازات الرسوليين خلال فترة حكمهم الزاهية لليمن وعهدهم الذي وصفه الكثير من المؤرخين بالعهد الميمون والذهبي بناء قلعة القاهرة في تعز ، وغيرها من الحصون والقلاع الشاهقة ذات الإبداع الهندسي الفريد والجميل، إلى جانب قيامهم ببناء جامع ومدرسة المظفر الرسولي بتعز عاصمة دولتهم، والمدرسة الأسدية والجبرتية والمعتبية والياقوتية، والأشرفية، وغيرها من المدارس ودور العلم ، وإن كان الهدف من ذلك يكمن في تعزيز المذهب الشافعي الذي كان ولا يزال المذهب الغالب في اليمن ، حيث كان ملوك بنو رسول رجالا متعلمين أنفسهم ، فلم يكتفوا بإثراء المكتبات بالكتب ، بل لعدد من ملوكهم مؤلفات في الطب والفلك والزراعة .

وقد تحولت تعز وزبيد في عهد الرسوليين إلى مراكز علمية مهمة لدراسة المذهب الشافعي إلى جانب علوم الدين الأخرى وذلك على مستوى العالم العربي والإسلامي وليس على مستوى اليمن فقط .

وقد عمل ملوك بني رسول خلال فترة حكمهم على تعزيز علاقات اليمن التجارية مع الهند والشرق الأقصى ، واستفادوا كثيرا حينها من التجارة العابرة للبحر الأحمر من عدن وزبيد.

وشهدت عدن الواقعة جنوبي اليمن تحديدا أحد أفضل عصورها خلال فترة حكم الرسوليين لليمن.

ومما يحمده الحامدون للرسوليين قيامهم بتبني العديد من البرامج الزراعية لترويج وتشجيع زراعة النخيل في اليمن ، والذي أصبح في عهدهم من أهم السلع الزراعية الربحية التي تدر دخلا اقتصاديا كبيرا للبلاد.

ويعتبر المؤرخون دولة بني رسول من أعظم الدول اليمانية التي قامت في هذا البلد العربي شديد الاضطراب منذ سقوط مملكة حمير الشهيرة ، وذلك لأن الرسوليين عكس الأيوبيين أو العثمانيين الذين حكموا اليمن ، فلم يكن وجودهم عسكريا لتأمين مصالح خارجية لا علاقة لها بمصالح اليمن واليمنيين آنذاك، بل إن الرسوليين كما قيل: اندمجوا بشكل لافت في المجتمع اليمني كجزء لا يتجزأ من نسيجه الكلي ، وإن كان البعض يتهم الرسوليين بأنهم أدعوا أصلا عربيا لتبرير ملكهم وتوحيد سكان اليمن خلفهم إلا أن ذلك لا ينتقص من قدرهم وشأنهم العظيم شيئا وحتى إذا تأكد أن هؤلاء الرسوليين ينتمون إلى الأوغوز فهذا شيء لا يعيبهم ولا يشينهم في شيئ .

ويشير الكثير من المؤرخين إلى أن علاقة الرسوليين الذين حكموا اليمن مع مماليك مصر ، كانت علاقة معقدة ، إذ احتدم التنافس بينهم على الحجاز ، وأحقية كسوة الكغبة المشرفة ، بالإضافة لإصرار المماليك في مصر في تلك الفترة على اعتبار بني رسول في اليمن تابعين لهم.

وقد استمرت دولة بني رسول التي تعتبر من أفضل الدول الإسلامية التي حكمت اليمن لأكثر من ٢٠٠ سنة إلى أن دب فيها الضعف عام ١٤٢٤ م ، فأصبحت المملكة مهددة من قبل أفراد الأسرة الحاكمة بسبب خلافاتهم حول مسألة الخلافة بالإضافة إلى التمردات المتكررة من قبل الأئمة الزيدية وأنصارهم خاصة في مناطق المرتفعات الجبلية الشمالية من اليمن.

وكان الرسوليون إبان فترة حكمهم الطويلة لليمن يحظون بدعم سكان تهامة وجنوب اليمن ، واضطر الرسوليون لشراء ولاء قبائل المرتفعات الشمالية بالأموال ، وعندما ضعفت الدولة وجد الرسوليون أنفسهم عالقين في حرب استنزاف ، فلم يكن الزيدية يوما ما ، سياسيين بارعين أو حكاما أقوياء ولكنهم يعرفون جيدا كيف يستنزفون طاقات وامكانيات خصومهم وأعدائهم ويتبعون أو ينتهجون سياسة النفس الطويل .

ويقال أنه على الرغم من الجهود التي بذلها ملوك بني رسول لتثبيت المذهب الشافعي في اليمن لمجابهة خصومهم الزيدية والإسماعيلية ، إلا أن من أسقط دولتهم لم يكونوا أعداءهم التقليديين كما قد يتصور البعض ، بل سلالة شافعية محلية اسمها ” بنو طاهر ” ، حيث استغل الطاهريون الخلافات بين أفراد الأسرة الرسولية الحاكمة على السلطة ليسيطروا على عدن ولحج ، وبحلول عام ١٤٥٤ م أعلن الطاهريون أنفسهم الحكام الجدد لليمن .

ولا يفوتنا الإشارة ضمن السياق إلى أن العصر الرسولي الذي يعتبر واحدا من أزهى الفترات في بلاد اليمن ولو حاول البعض التشكيك في حقيقة دامغة كهذه لأسباب مذهبية وسياسية ، فقد أقر الرسوليون خلال فترة حكمهم لليمن الحرية المذهبية والدينية للسكان ولم يفرضوا عليهم مذهبهم الشافعي بالقوة ..

في حين أشاد الكثير من الرحالة الذين زاروا اليمن آنذاك ومنهم ” ماركو بولو ” بالعصر الرسولي وما شهدته اليمن خلاله من نشاط تجاري وعمراني تدل عليه كثرة القلاع والحصون التي شيدت في عموم البلاد في تلك الفترة حتى قيل أن عهد دولة الرسوليين تعد من أفضل العصور التي مرت على اليمن بعد الإسلام ، وهي من أطول الدول اليمنية عمراً طيلة تاريخ البلاد بعد الإسلام.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com