آثار العدوان المدمرة تتجاوز البنى التحتية إلى وجدان اليمنيين
بفعل إمعانه في الإرهاب والإجرام لكسر إرادة الشعب
تم رصد ارتفاع معدلات الأمراض النفسية في المجتمع اليمني جراء حرب العدوان وحصاره
د. الأشول: الدراسات تتوقع معاناة 40% من اليمنيين جراء أمراض نفسية كالاكتئاب وكُربْ ما بعد الصدمة
الحاج: إذا لم يتم الإسراع في إيقاف هذه الحرب الظالمة سنكون أمام آثار نفسية وخيمة
العبري: العدوان دمَّر كل الممتلكات وأضرَّ نفسيا واجتماعيا واقتصاديا بملايين اليمنيين الأبرياء وخاصة الأطفال
مع استمرار العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي على اليمن وحصاره منذ خمس سنوات وما خلفه من أضرار كبيرة تجاوزت تدمير البنى التحتية وقتل وجرح الإنسان وتشريده وتجويعه إلى الإمعان في محاولة تدمير وعي الإنسان اليمني ووجدانه ما يبرز تداعيات وآثار فادحة للعدوان على نفسيات اليمنيين وصحتهم وخاصة الأطفال، تضاف إلى ذلك التداعيات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من آثار العدوان وانتهاكاته لحقوق الإنسان وخرقه لقواعد الحرب والقوانين الدولية على مرآى وسمع العالم..
«الثورة» تتقصى آثار العدوان على وجدان اليمنيين ونفسياتهم مع متخصصين في علم النفس وعلم الاجتماع في ما يلي:
أفق نيوز | الثورة | تحقيق / نبيهة محضور
الدكتور محمد الأشول طبيب نفسي، أكد ان «للحرب والعدوان آثاراً مدمرة على الجوانب النفسية سواء للفرد أو الأسرة والمجتمع فالتغيرات والضغوط الاجتماعية والنفسية والتعرض للقصف وتدمير البنية التحتية وفقد الأحبة والأصدقاء ومشاهد العنف والقتل والجثث كلها تترك آثاراً في أذهان ووجدان أفراد المجتمع خاصة الفئات الأكثر عرضة مثل الأطفال والنساء».
وقال: تم رصد ارتفاع في معدلات الأمراض النفسية كالقلق والخوف والاكتئاب والإدمان وأيضا انتكاس الحالات المرضية السابقة بفعل العدوان خاصة الأطفال الذين لوحظ تأثير أصوات القصف والصواريخ عليهم وإحساسهم بالرعب مما أدى الى ارتفاع حالات القلق في أعمار صغيرة مع التبول الليلي وتدهور المستوى الوظيفي وانعزال الطفل وعدم قدرته على النوم في الليل».
أخطار مستقبلية
الدكتور الأشول نوه بأن هناك أخطاراً وتبعات مستقبلية لحرب العدوان، وقال: هذه الآثار النفسية للأسف سوف تكون لها آثار مستقبلية على الأطفال وحتى البالغين وستمتد لعدة سنوات حتى بعد توقف الحرب وبعضهم سيظل يعاني طوال حياته خاصة مع استمرار الحرب والتوقع بارتفاع عدد الحالات نتيجة ذلك وتتوقع بعض الدراسات المتفرقة أن ٤٠% من السكان سوف يعانون من المشاكل النفسية مثل الاكتئاب بنسبة ٢٠% وكرب ما بعد الصدمة بنسبة ٣٠%».
في المقابل، رأى الدكتور محمد الأشول أن هذه التبعات تفرض تحديات مستقبلية يجب الشروع في الاستعداد لمواجهتها وقال: الحلول يجب الإعداد لها من الآن من خلال وضع استراتيجية وطنية للصحة النفسية تضع أهدافاً وخططاً ومصفوفة عمل حسب الاحتياج الراهن والمستقبلي ويتم تبنيها من كل العاملين في المجال النفسي سواء المنظمات أو الجمعيات وحتى الوزارة».
إمعان إجرامي
الأستاذ مشير الحاج مدير إدارة الدفاع الاجتماعي وإدارة الحالة في مكتب وزارة الشؤون الاجتماعية بذمار، أكد إمعان العدوان في الإجرام بحق اليمنيين بما في ذلك وعيهم ووجدانهم ونفسياتهم، وقال : العدوان غير المبرر على بلادنا من قبل دول التحالف وما قامت به من مظاهر إجرامية بشعة تتنافى مع كل القيم والمبادئ الإنسانية كان ذلك سبب إصابة وتأثر جميع أفراد المجتمع نفسيا من تلك الحرب الظالمة.
وتابع: المجازر الإجرامية والمناظر الدموية كان لها تأثيرها في نفس المجتمع اليمني كما أن وقوع الآلاف من الضحايا وفقدان أحد أفراد الأسرة أو عدد منهم أصاب الكثير بالصدمات النفسية وأحيانا فقدان الوعي والذاكرة واختلال توازن الاستقرار النفسي الأمر الذي أثر على سلوكهم الاجتماعي وستكون له آثار مستقبلية كبيرة خاصة الأطفال الذين تعرضوا بشكل مباشر أو غير مباشر، سيؤثر تأثيراً كبيراً على نموهم النفسي والانفعالي وعلى تكوين شخصياتهم مستقبلا.
الحاج مضى يؤكد إمعان العدوان في الإجرام بمختلف صنوف الجريمة وقال: هناك أعراض نفسية تظهر ما بعد الصدمة نظرا لعدم تلقي المصابين والأطفال خاصة للعلاج النفسي وتدني مستوى وجود الخدمات النفسية والصحية بشكل عام بسبب ضرب العدو للبنية التحتية والحصار الجائر المفروض على الوطن أدى ذلك لظهور الكثير من الأمراض والأوبئة وعدم قدرة المراكز الصحية والمستشفيات على استيعابهم وتأمين اللازم لهم إضافة إلى تعطيل أغلب تلك المصالح عن تقديم الخدمات للمحتاجين نتيجة الحصار الجائر والظالم على البلاد الأمر الذي فاقم الأزمة وأثَّر على المجتمع اليمني.
دعم نفسي
في المقابل لفت الحاج إلى دور مكتب وزارة الشؤون الاجتماعية بمحافظة ذمار في مساعدة الأطفال عبر إدارة الحالة للأطفال المستضعفين لمواجهة تلك الآثار.
وقال: يبذل المكتب كل الجهود بالتنسيق مع مكتب الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) مكتب صنعاء إلى الوقوف لمساندة ومساعدة الأطفال في حل مشاكلهم النفسية أولاً حيث تم تأسيس عدد من المراكز المجتمعية لحماية الطفل والإرشاد الأسري وصل عددها إلى (22) مركزاً في جميع مديريات المحافظة يتم من خلالها تقديم أنشطة الدعم النفسي الاجتماعي للأطفال بجميع فئاتهم من خلال (110) عمال من المتطوعين من أعضاء منظمات المجتمع المدني بالإضافة إلى تقديم أنشطة ترفيهية وتعليمية وتنمية الذات والمهارات الحياتية للأطفال.
وأضاف: كما تم اشراك ما يزيد عن (58) شخصا (ذكورا وإناثاً) من الأخصائيين الاجتماعيين المتخصصين والمؤهلين والمدربين للعمل في الميدان وفي تلك المراكز المجتمعية في جميع مديريات المحافظة والمكتب وتشكيل (22) لجنة حماية مجتمعية في كل المديريات من الشخصيات الاجتماعية والمهتمين، كل هؤلاء تم تدريبهم وتأهيلهم وتسخيرهم لخدمة جميع الأطفال في التخفيف من معاناتهم من الضغوطات النفسية نتيجة الحرب وكذا توصيلهم إلى الخدمات المطلوبة .
تمكين اقتصادي
وعن ظاهرة تسرب الأطفال من التعليم وانخراط الكثير منهم في سوق العمل وتفشي مظاهر الاستغلال و العنف على الأطفال قال الحاج: توجهنا بدعم من منظمة اليونيسف إلى التخفيف من ذلك عبر تقديم المساعدات المباشرة للأطفال المحتاجين والدعم بمشاريع التمكين الاقتصادي حيث تم استهداف ما يزيد عن (500) طفل من المساعدات المباشرة و(650) أسرة من مشاريع التمكين الاقتصادي لتجاوز كل تلك المشاكل للأطفال وأسرهم كل ذلك بفضل وتوفيق من الله سبحانه وتعالى ودعم منظمة اليونيسف وتفاني وجهود كل العاملين في هذا العمل الإنساني النبيل الذين أصروا ومازالوا مصرين على تجاوز كل الصعوبات والتحديات التي واجهتهم وتواجههم أثناء العمل رغم ضعف الإمكانيات والدعم المقدم لهم.
وأضاف: كانت النتائج بشكل عام تسر جميع العاملين فقد تحسنت ظروف غالبية الأطفال وأسرهم الذين تم استهدافهم بمشاريع التمكين الاقتصادي وحققوا نجاحا كبيرا وبإمكانيات بسيطة وهذا ما شجعنا وأعطانا الحماس لنواصل العمل في هذا المجال والتوسع فيه لتشجيع الإنتاج والعمل والاعتماد على الذات والتخلص من الاعتماد على الغير والبقاء عالة على الغير معتمدين على أنفسهم في تجاوز صعوبة وضيق العيش لتوفير سبل العيش الكريم لجميع أفراد الأسرة.
ودعا الحاج في نهاية حديثه المجتمع الدولي إلى النظر بجدية لمعاناة المجتمع اليمني وخاصة الأطفال والإسراع بإيقاف الحرب مالم سيتعرض الكثير والكثير من أبناء الشعب اليمني للكثير من الأمراض وخاصة النفسية وستمتد آثارها للمستقبل».
تدمير شامل
من جهته أكد رئيس نقابة الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين في محافظة ذمار الأستاذ مهدي العبري أن «العدوان الهمجي الذي شنته دول التحالف على بلادنا والحصار الجائر على اليمن استهدف كل مقدرات البلد ودمر كل الممتلكات وراح ضحيته مئات عشرات الآلاف من المواطنين الأبرياء أطفالاً ونساء وكبار سن».
وقال: الشعب اليمني تضرر بشكل كبير فالغالبية فقدوا مصادر دخلهم وفقدوا ممتلكاتهم ومؤسساتهم وأحد أقاربهم ما بين شهيد أو جريح كل هذا أوجد جملة من الآثار النفسية والاجتماعية لدى أفراد المجتمع وسبَّب حالة من البؤس والإحباط ونتجت عن ذلك آثار اجتماعية كبيرة».
من هذه الآثار ذكر العبري: التشرد لمئات الآلاف من الأسر الذين نزحوا بحثاً عن الأمن بعد أن أصابتهم صواريخ العدوان ودمرت منازلهم وفقدوا ممتلكاتهم وهذا بدوره سبب حالة من الحزن والأسى، إضافة إلى الخوف الذي تملّك الكثير من الأطفال والنساء وأصبحوا يخشون أصوات الطائرات والانفجارات لاسيما الأطفال ثم النساء.
كما نوه إلى تبعات مجتمعية اقتصادية وقال: عمالة الأطفال بدورها تفشت خلال سنوات العدوان وتسرب الكثير من الأطفال من التعليم بحثا عن لقمة العيش ولإعالة أسرهم ممن انقطعت بهم السبل للحصول على العمل فأصبح الطفل هذا يعمل في أعمال تفوق قدراته ليل نهار ويتعرض لمخاطر الإساءة والاستغلال والعنف وعرضة للانحراف وهو ما يلحق دماراً بشخصيته وحرماناً من حقوقه وسيصبح مصير هؤلاء الأطفال من أكبر الجرائم التي ستلحق وصمة عار بالعدوان لما اقترفه من جرائم في حق الإنسانية لاسيما فئة الأطفال.
وفي السياق، تطرق مهدي العبري إلى الآثار والتداعيات النفسية للعدوان وقال: لقد ارتفعت نسبة الإصابة بالقلق والاكتتاب في أوساط اليمنيين جراء إصابتهم بالفقر وفقدان الكثيرين لمصادر دخلهم وتغير مستواهم الاقتصادي مما أدى إلى إصابة الكثير منهم باضطرابات نفسية أعاقت الكثير منهم عن التفاعل الاجتماعي السوي.
وأضاف: أصيب الكثير من أفراد المجتمع ولا سيما الأطفال بالخوف والمتمثل في (الفوبيا ) من أصوات الطائرات واصيبوا بنوبات من الهلع الشديد أثر على سلوكهم وظهر كاضطرابات سلوكية تؤثر على حياتهم مستقبلا، منها مشكلات النوم والإحباط والبؤس وفقدان الثقة وانعدام الأمن النفسي بسبب الحرب وما نتج عنها من تداعيات واهمها تدهور الوضع الاقتصادي وانتشار البطالة».
تداعيات نفسية
وتابع: كما برزت أعراض جسدية جراء العدوان، أهمها الصداع ألم الظهر المفاصل قرحه المعدة، القولون والربو وغيرها من الأعراض الجسدية والتي يواجهها قرابة 70 % من المترددين على المستشفيات بهذه الشكاوى التي سببها القلق والضغوط النفسية.
تدابير لازمة
في مقابل هذه الآثار والتداعيات النفسية والمجتمعية للعدوان، أكد مهدي العبري على «وجوب اتخاذ تدابير لازمة للحد من هذه الآثار.
وقال: يجب الحد من آثار العدوان احياء مبدأ التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع وتوسيع دائرة النشاط الإنساني لتوفير المساعدات الغذائية والإنسانية والطبية الطارئة عبر قاعدة بيانات دقيقة مع التخلص من الازدواجية في الحصول على المساعدات، والعمل على توفير مرتبات الموظفين شهريا للحد من تفاقم المعيشة، والحد من الغلاء وارتفاع الأسعار والسعي الجاد إلى ضبط المواد والسلع الأساسية بما يجعلها متاحة وممكنة للمواطن البسيط.
وأضاف : كذلك يجب الاهتمام بالجانب النفسي وتوفير مراكز وعيادات نفسية واجتماعية في مختلف المحافظات وتوسيع نشاطات الدعم النفسي ودعمها بمشاريع داعمة ومساندة، وان تتجه المنظمات الدولية إلى البناء والتنمية وعمل مشاريع كثيفة العمالة تحد من الفقر والبطالة، وأخيرا وهو الأهم الوقف الفوري والعاجل للعدوان ومعالجة آثاره وتداعياته».