عندما تكون الأمم المتحدة طرفًا في العدوان على اليمن
كتب / شارل ابي نادر
ليست المرة الأولى التي تتصرف الأمم المتحدة فيها من موقع المعادي أو على الأقل غير المحايد، في مسار العدوان على اليمن والذي ينهي قريبًا عامه الخامس، فدائمًا كانت مؤسسات المجتمع الدولي تُظهِر، ومن خلال إدارة العدوان تحت غطاء خفي عنوانه إنساني وسياسي، عن عدائية واضحة تجاه الجيش واللجان الشعبية بشكل خاص، والشعب اليمني بشكل عام.
من خلال متابعة وقائع تلك الحرب، لم تكن تتدخل مؤسسات المجتمع الدولي في أغلب الوقائع والحوادث، والتي كانت تفترض تدخلها تبعًا لدورها ولمهمتها استنادًا للقانون الدولي، مثل المجازر الإنسانية واستهداف المؤسسات العامة والخاصة والأطفال والبنى التحتية، بالإضافة لموقفها المتواطئ دائما مع الحصار على اليمن، تحت عنوان ضبط السلاح والعتاد من الخارج، فما الذي جرى اليوم لكي تأخذ منطقة مارب ومحيطها من المبعوث الأممي في اليمن مارتن غريفيث هذا الاهتمام المفاجئ الذي استدعى انتقاله على وجه السرعة إليها؟ وهل وجد في حركة الجيش واللجان الشعبية مؤخرا نحو مارب – والتي يُحضَّر لها ميدانيًا عبر التخطيط لعملية تحرير واسعة، أو سياسيًا عبر التواصل مع القبائل أبنائها والعمل للدخول سلميًا ولتسوية داخلية محلية في مارب – حركة حساسة وخطيرة على مشروع العدوان تستدعي التصرف سريعًا وعرقلة هذه الحركة؟
لا يمكن أن يكون السبب الحقيقي وراء هذا التحرك لغريفيث بعيدًا عن الميدان وعن حركة تقدم الجيش واللجان الشعبية، وخاصة لناحية ما استجدَّ مؤخرًا في تلك المناطق الاستراتيجية شمال شرق اليمن، ما بين نجران ومارب والجوف، وتحرك المبعوث الأممي المشبوه، واضح انه يتواكب مع الانهيارات المتسارعة لمرتزقة العدوان في تلك المحافظات، والاّ لماذا هذا التحرك الآن، في الوقت الذي غاب (تحرك غريفيث) في السابق، عندما كانت مدينة الحزم غير محررة وتشكل ثغرة ضاغطة على الجيش واللجان الشعبية بين نجران والجوف؟
لماذا أيضا لم نشهد هذا التحرك سابقًا عندما كانت نهم غير محررة بالكامل وكانت تشكل نقطة ضغط قريبة وفاعلة على العاصمة صنعاء؟ وما كان يمكن أن ينتج عن معركة التقدم إليها من مجازر بين المدنيين وتدمير في المؤسسات العامة والخاصة، الأمر الذي كان يفترض حتما تدخلا أمميا، ولم يحصل حينها تلافيا للخطر الذي كان قريبا وواردا.
من جهة أخرى، لماذا تغيب عن اهتمامات المبعوث الأممي الحرب المفتوحة من قبل العدوان في الساحل الغربي، ما بين الحديدة والتحيتا والدريهمي والجبلية وغيرها، في الوقت الذي كان عليه التأكد ومتابعة تنفيذ اتفاق السويد الذي تم برعايته؟
في الواقع، يبقى السبب الرئيس لهذا التحرك الأممي نحو مارب، مرتبطًا بالأساس بأهمية معركة تحريرها، عسكريًا أو سياسيًا، لما لذلك من نقاط قوة سوف يمتلكها الجيش واللجان الشعبية، والتي يمكن تحديدها بالتالي:
جغرافيًا: تشكل المحافظة الشرقية الوسطى اليمنية (مارب) نقطة ارتكاز حيوية بين محافظات نجران والجوف شمالًا وصنعاء غربًا وشبوة وحضرموت شرقا والبيضاء جنوبًا، وهي بالإضافة لغناها في الثروة النفطية والمعادن، تحضن عقد الطرق الرئيسة التي تربط وسط اليمن بأطرافه.
ميدانيًا: بعد تحرير مدينة الحزم والقسم الأكبر من الجوف بالإضافة لمنطقة نهم والتقدم نحو مشارف مدينة مارب عبر صرواح، من الضروري ميدانيًا، ولاستكمال تماسك الجبهة الشرقية الوسطى وربط المحافظات المذكورة أعلاه ببعضها بعضًا، تحرير مدينة مارب وما تحويه من مواقع وثكنات عسكرية استراتيجية، الأمر الذي كما يبدو وضعته وحدات الجيش واللجان الشعبية على سكة التنفيذ.
سياسيًا وداخليًا: تُعتبر القبائل اليمنية المنتشرة في محافظة مارب، نقطة قوة لا يمكن تجاوزها لناحية تمتين التماسك الوطني الداخلي، وهؤلاء برهنوا وفي أكثر من مناسبة، ومنها عند عمليات التحرير الأخيرة بين نهم وصرواح ومفرق الحزم وجبل هيلان المشرف على مدينتهم، من خلال تجاوبهم ومساعدتهم لوحدات الجيش واللجان الشعبية، برهنوا أنهم غير بعيدين عن فكرة التقارب والتسوية مع الجيش واللجان الشعبية، توصلًا لحل سياسي سلمي ينهي العدوان الخارجي.
من هنا تأتي زيارة المبعوث الأممي إلى مارب في محاولة لإبعاد مسار الحل الميداني أو السياسي. وحيث كانت دعوة المبعوث الأممي المشبوهة في جولته تلك واجتماعه «الحميم» مع قادة مرتزقة العدوان هناك، طلب من الجميع وبالأخص طبعا من الجيش واللجان الشعبية، وقف الأعمال العسكرية والعمل نحو التهدئة، مُدَّعيا أن مأرب اليوم تشكل ملاذا للاجئين من كافة جبهات المواجهة، ويجب تحييدها. على هذا الأساس، جاء الرد واضحا وحاسما من قبل رئيس الوفد الوطني اليمني المفاوض محمد عبد السلام، والذي وضع النقاط على الحروف، محددًا مسار الحل الإجباري والوحيد بنقاط ثلاث أساسية لا يمكن تجاوزها قبل أي دعوة مشبوهة أخرى وهي: وقف العدوان ورفع الحصار والتفاوض السياسي الجدي دون افخاخ، وإلَّا، متابعة عمليات التحرير ميدانيا وعسكريا، والتي يبدو أن محطة مارب سوف تكون حاسمة في مسارها وستشكل نقطة تحول نهائية في إنهاء أي أمل للعدوان في تحقيق أي من أهدافه.