خطاب المرحلة والقائد المسدد الصمود المثمر ( 1 )
خطاب السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في اليوم الوطني للصمود (الذكرى الخامسة للعدوان ) مهم ومفصلي وتاريخي بما للكلمة من معنى، وبالإضافة إلى مضامينه فقد اكتسب الخطاب أهمية استثنائية من اللحظة التاريخية التي انطلق منها وعبر عنها .
ان يقف السيد عبد الملك يوم 26 /9 للمرة الخامسة على التوالي فهو انتصار بحد ذاته ، يشهد على ذلك الواقع البائس الذي تعيشه المملكة السعودية بعد سنوات الحرب الماضية ، فضلا عن واقع المرتزقة الممزق والمتشظي في كل اتجاه وفي مختلف المناطق الخاضعة للاحتلال .
سأقف مع قضايا مثلت مفاصل رئيسية في كلمة قائد الثورة وقبل ذلك لا بد من إلقاء نظرة عامة .
بعد أن أثنى على الله سبحانه وتعالى وأرجع له الفضل في الصمود والثبات ومن ثم تحقيق الانتصارات ، انتقل السيد عبدالملك للإشارة إلى الدور الرئيسي لأبطال الجيش واللجان الشعبية ، «فهم أصحاب الإسهام الأكبر والعطاء الأعظم في مواجهة العداون» منهم من نال الشهادة فجسد ذروة العطاء ومنتهاه ، ومنهم من أصيب بالجراح والإعاقة ولا زال صابراً فكان عطاؤه في المستوى التالي لعطاء الشهداء ، ومنهم من يعانون في الأسر وإسهامهم كبير ، قدموا أروع الأمثلة على الثبات في الموقف « وحيا من خلف المجاهدين أسرهم الصابرة والمضحية المحتسبة ».
وللمرابطين في الجبهات وجه السيد عبدالملك التحية وبارك لأولئك المجاهدين التوفيق بالجهاد وبارك لهم تجليات تأييد الله وآياته التي برزت على أيديهم ومن خلال صمودهم وعظيم ثباتهم ، ثم حيا بقية أبناء الشعب بمختلف فئاتهم ومكوناتهم المتحملة للمسؤولية في مختلف المسارات المتعلقة بمواجهة العدوان .
وفي إشارة إلى عظيم ما مثَّله صمود اليمنيين خلال الخمس سنوات : قال يجب أن نقيس درجة الصمود بحجم العدوان ، واستعرض مظاهر الاستهداف وطبيعة الحرب التي اتسمت بالوحشية والإجرام فلم تستثن أحداً، وكانت الوحشية دليل على خبث الأهداف وقذارتها
وتمثلت أهداف العدو في السعي لفرض السيطرة التامة على اليمن، وسلب اليمنيين حريتهم واستقلالهم والتحكم في شؤون بلدهم .
انتقل بعد ذلك للوقوف مع الحالة المزرية لمن راهنوا على العدوان وقال : صرنا نسمع صراخ الخونة من أبناء بلدنا في مختلف المحافظات وهم يعترفون بوقوعهم تحت الاحتلال والامتهان والأذلال.
ومن واقع المرتزقة انتقل لتوضيح دوافع الشرفاء والأصرار للتحرك ومواجهة العدوان، فدوافع هؤلاء كما قال «إيماني أخلاقي فهم لا يقبلون الإذعان لغير الله سبحانه وتعالى ».
في بداية العدوان راهن التحالف على الجرائم الوحشية والهجوم الكبير متسلحا بالإمكانات الهائلة وما يحظى به من دعم دولي ، ما جعله يؤمل على حسم سريع للمعركة ، وبعد سقوط حساباته السابقة راهن على الزمن وعمل في ذات الوقت على حياكة المؤامرات لاستهداف الجبهة الداخلية بغية تحطيم الروح المعنوية لليمنيين، كما حدث في فتنة ديسمبر وفتن متنقلة أخرى ، إلا أن الفشل كان حليف العدوان الذي لجأ إلى مسارات أخرى فعمد إلى تشديد الحصار والعزف على وتر المعاناة الإنسانية فكثف في ذات الوقت من هجومه الإعلامي والثقافي والفكري ، وعمد إلى تحريك الطابور الخامس للتخذيل والإرجاف مستهدفا الروح المعنوية لليمنيين والتشويش على الرؤية الواضحة للناس تجاه العدوان وممارساته ، فباءت أساليبه هذه بالفشل أيضا، وكانت النتيجة راهنا أن وصل الأعداء إلى حالة الفشل وباتوا يعيشون مأزقا حقيقيا باجماع كافة المراقبين في العالم، بل وباعترافهم هم، فصار من الواضح أن المعادلة تبدلت كما تشهد بذلك الخسائر الباهظة والكبيرة التي تكبدها تحالف العدوان في المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية والإعلامية.
وفي استعراضه لحالة الصمود التي سطرها اليمنيون أشار قائد الثورة: أنها كانت ضمن مسار تصاعدي، وحققت نتائج عظيمة ومهمة أبرزها التماسك الاجتماعي وتماسك مؤسسات الدولة ، وبفضل ذلك السابق استمر الدعم المادي للجبهات وكذلك الإسناد بالرجال والمقاتلين على مدى خمس سنوات ، وبإزاء ذلك استمر في مسار مُواز: العمل الحثيث لبناء وتطوير القدرات العسكرية بوتيرة وصفها السيد بالمعجزة إذا ما قورنت بالظروف التي يعيشها البلد مذكراً بعون الله وتوفيقه والعزم والإصرار والجد والاجتهاد لرجال هذا الميدان.
وتطرق السيد عبدالملك بعد ذلك إلى ما بات يمتلكه اليمنيون من قدرات عسكرية قائلا : أن الصناعات العسكرية باتت تشمل أنواع الأسلحة من الكلاشنكوف حتى الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة فضلا عن أنواع الأسلحة والذخائر المتوسطة كقذائف المدفعية والرشاشات والقناصات والأر بي جي والصواريخ القصيرة والمتوسطة .
وهكذا تبدلت المعادلات وصار عامل الزمن يعمل لغير صالح الأعداء الذين راهنوا على الاستنزاف والحصار لإضعاف اليمنيين وكسر إرادتهم .
وفي شرحه لطبيعة الإنجازات العسكرية ميدانياً وتصنيعياً أشار السيد عبدالملك إلى مسارات تصاعدية أوصلت اليمن إلى امتلاك قدرات أقوى وأفضل وأبعد مدى وأكثر دقةً وفتكاً وتدميراً، وفي الجبهات شهد العام الماضي 2019 ومطلع العام الحالي 2020 انتصارات كبيرة واستثنائية كما هو الحال في عمليات نصر من الله والبنيان المرصوص وأمكن منهم..
لم ينس قائد الثورة الإشارة إلى جهود وزارة الداخلية وأثنى على المجاهدين في المجال الأمني مؤكداً على دورهم الهام في حفظ الاستقرار والمشاركة أيضا في جبهات القتال.
وبرغم أن مسارات التطوير العسكري بدأت من اللا شيء «الصفر»، وبفعل العوامل السابقة وصل اليمن إلى موقع الانتصار ، ومثلت الصواريخ البالستية والطيران المسير أداة التوازن وتثبيت معادلات الردع ، وهو التطور الذي كان خارج توقعات الجميع، بما في ذلك قادة العدو ممن لم يدر بخلدهم أن النتائج ستصل إلى هذا المستوى وينتقل اليمن إلى موقع متقدم رغم الظروف القاهرة .
فإذن الصمود كما ذكر السيد عبدالملك «مثمر» فقد أجبر بعض الدول التي كانت مساندة للنظام السعودي لمراجعة موقفها وباتت تعمل للاحتفاظ ببعض خيوط التواصل تمهيداً لتقديم نفسها بصورة إيجابية في حال فشل العدوان .
وقال السيد عبدالملك: هناك دروس مهمة جدا لفترة سنوات العدوان الفائتة ، فبمقابل حجم الهجمة وفداحة الجرائم وضخامة الإمكانات والقدرات العسكرية والاقتصادية للأعداء، وبرغم عظيم ما حاكوه من مؤامرات وخطط ، ثم نرى الاخفاق والفشل حليفهم ، ثم نرى أيضا بمقابل ذلك التماسك والثبات وتصاعد الإنجازات وتحقيق الانتصارات الكبيرة ، فهذا يدل أن هناك دروس مهمة يفترض أن يكون تحالف العدوان أول الأطراف المستفيدة منها في ظل الفشل والاخفاق والخسائر الكبيرة التي يتكبدها.