رمضان وجبهات الجهاد المقدس
بقلم/ عبدالفتاح علي البنوس
شهر رمضان علاوة على كونه محطة جهادية للنفس، يجاهد من خلالها الصائمون أنفسهم، فيتجردون من الملذات والشهوات طيلة نهاره، بهدف استشعار معاناة الفقراء والمحتاجين، ويتذكرون مشهد الوقوف بين يدي الله، وجوع وعطش ذلكم اليوم العصيب الذي يعادل خمسين ألف سنة من حياتنا الدنيوية، وهو أيضا شهر الجهاد والقتال ومقارعة قوى الظلم والتسلط والإجرام والتوحش، قوى الباطل والطاغوت، قوى الغزو والاحتلال والعدوان.
لقد خاض الرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم الغزوات والمعارك في هذا الشهر الفضيل، فجمع بين الصيام والجهاد، ليؤكد للمسلمين أهمية الجهاد، وارتباطه الوثيق بالصيام، فغزوة بدر الكبرى التي عرفت بالفرقان، كونها علامة فارقة فرقت بين الحق والباطل خاضها الرسول وأصحابه في 17من رمضان السنة الثانية للهجرة، والتي مثلت البداية العملية لتأسيس كيان الدولة الإسلامية، والانتقال من مرحلة الاستضعاف إلى مرحلة التمكين، وهناك الكثير من الغزوات والمعارك التي شهدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان، في تأكيد على أنه شهر الجهاد والتضحية والفداء.
ونحن اليوم في بلد الإيمان يهل علينا شهر رمضان المبارك في العام السادس للعدوان السعودي الإماراتي الأمريكي الصهيوني، في الوقت الذي يتواجد آلاف المجاهدين المقاتلين من أبطال الجيش واللجان الشعبية في مختلف جبهات العزة والكرامة، يذودون عن الحمى ويسطرون أروع الملاحم البطولية، في سياق معركة النفس الطويل التي يخوضها أبطالنا المغاوير، بكل شجاعة وبسالة وإقدام، رغم حرارة الشمس، والأجواء الماطرة، وعطش وجوع الصيام، ويوميات الحرب وطبيعة المواجهات وتضاريس الجبهات، وقصف الطيران، وخصوصية رمضان، إلا أنهم فضلوا البقاء في جبهات العزة والكرامة، والمرابطة في ثغورهم، وترك أولادهم وأسرهم، بنفوس راضية مرضية مطمئنة، واثقون بربهم ومتوكلون عليه، ومقتدون برسولهم الصادق الأمين في جهاده ومقارعته لقوى الظلم والإجرام والبغي والطاغوت.
في الوقت الذي يقضي الكثير منا هذا الشهر الفضيل بين أسرهم وأولادهم وداخل منازلهم، يفطرون على أشهى المأكولات ومختلف أصناف الأطعمة والمشروبات، ويسهرون الليل أمام شاشات التلفزة، وفي إشباع رغباتهم وملذاتهم، دونما أدنى استشعار للمعاناة التي يكابدها رجال الرجال من مجاهدينا في ثغور وجبهات الشرف والكرامة المقدسة، التي يذودون من خلالها عن الحمى، ويحرسون الديار، ويحمون الأعراض، ويقاتلون في سبيل الله دفاعا عن سيادة واستقلال هذا الوطن المعطاء.
بالمختصر المفيد، أمام عظمة بطولات وتضحيات هؤلاء الأبطال الغيارى، وأمام ما يضربونه من أمثلة نادرة في الجود والبذل والعطاء فإن من حقهم علينا في هذا الشهر الفضيل أن نبادر إلى تسيير قوافل العطاء والمدد دعما لصمودهم وثباتهم واستبسالهم، والعناية بأولادهم وأسرهم وتفقدهم خلال هذا الشهر الفضيل، كأقل واجب يمكن أن نقدمه لهم، فهم بعد الله عز وجل السبب في حالة الأمن والأمان والاستقرار التي نحن عليها، وننعم بها اليوم، هم من هجروا منازلهم، وتركوا أولادهم، من أجل أن نعيش أعزاء، كرماء، نتلذذ بطيب العيش بلا عناء ولاشقاء، فسلام الله عليهم فردا فردا، وثبَّت الله أقدامهم، وسدد رمياتهم، وأعانهم على صيام هذا الشهر الفضيل، ومواجهة الأعداء وتطهير البلاد من دنسهم، حتى يكتب الله النصر والتمكين على أيديهم.