المرأة اليمينة في معركة الدفاع المقدس
يقال أن المرأة نصف المجتمع، ومع ذلك فهي تنجب النصف الآخر، وبذلك يمكن القول إن المرأة هي كل المجتمع، هي الوطن المعطاء، وهي المدرسة الأولى، والقدوة المثلى، ليس فقط لبنات جنسها، وإنما هي قدوة في مقام أمومتها، وتربيتها وصبرها ورعايتها لأولادها، وصدق الشاعر حين قال:-
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت جيلا طيب الأعراق
بصلاحها تصلح الأجيال، وترتقي الأمم، وبفسادها تضيع الأجيال، وتنحرف الأمة عن مسارها.
ونظراً لأهمية وخطورة دور المرأة المسلمة في بناء المجتمعات، عمدت القوى الاستعمارية إلى تعطيل دورها، واستهدافها استهدافا ممنهجا، بهدف الانحراف بها عن حقيقة مسارها، وطبيعة دورها الريادي والقيادي، ولم تكن المرأة اليمنية بمنأى عن ذلك الاستهداف، وما أكثر الطرق والوسائل التي اتخذها الأعداء للنيل من المرأة اليمنية، فمرة باسم حقوق المرأة، وثانية تحت شعار المساواة بين الجنسين، وثالثة بمزاعم تثقيفها وتحريرها من هيمنة الرجل، ورابعة تستهدفها في أخلاقها وعفتها، من خلال مسميات الموضة، ومواكبة الحضارة الغربية، وكانت الأنظمة السابقة تسهل للمنظمات الغربية، القيام بتلك الجرائم الأخلاقية والإنسانية، لكي يرضى اليهود والنصارى، عن أولئك الحكام وأنظمتهم العميلة القذرة.
جاء العدوان على اليمن ليزيد الطين بلة، وكانت المرأة إحدى رهاناته، التي بنى عليها أحلام انتصاره، واستعباده للشعب اليمني، لأن المرأة حينها، كانت قد وصلت إلى مستويات مهولة من الضياع والاستلاب، والتغييب الفكري والديني، ورغم كل ذلك، استطاعت المسيرة القرآنية المباركة، من انتشال المرأة اليمنية من ذلك الوضع المزري، وإعادتها إلى مكانتها الطبيعية، وتمكينها من القيام بدورها الحقيقي، ومشاركتها الإيجابية الفعلية في مسيرة الاستخلاف، جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل.
يسرنا في هذا اللقاء أن نستضيف الأخت الأستاذة/ أروى حميدالدين، نائب المدير التنفيذي لشؤون المرأة، في مؤسسة بنيان التنموية، لتطلعنا على واقع المرأة اليمنية، في ظل المسيرة القرآنية المباركة…. فإلى الحوار.
حاورها:- إبراهيم الهمداني
*- انطلاقًا من مقولة: المرأة نصف المجتمع”، ما الدور الذي تلعبه المرأة في حياة المجتمع بشكل عام؟
– وضّح ديننا الإسلامي الحنيف دور المرأة، كما هو دور أخيها الرجل، في قوله تعالى:- {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. ولكن خصّها بأدوار خاصة، كونها أكثر صبرًا وتحملاً للمسؤولية، فنراها تتحمل مشقة الحمل لمدة تسعة أشهر، وتعاني من ألم الولادة، ثم دور الرضاعة، وتربية الأولاد. كما ساوى الإسلام بين المرأة والرجل من حيث التكريم، وأولى كل منهما مسؤولية تتناسب مع حاجاته، ووزع الحقوق بينهما حسب واجباتهما. ولمّا كانت المرأة هي من تربي الأجيال وتبني المجتمع، جاءت هذه المقولة “المرأة نصف المجتمع”.
*- ما هي أبرز ملامح صورة المرأة التي رسمتها لها الثقافة القرآنية؟
– هي تلك المرأة التي تثقفت بثقافة القرآن، لتكون كما يريد لها الله، ولتعلم يقينًا أن “النساء شقائق الرجال” .. فالثقافة القرآنية وضحت حقوق النساء في الميراث والمهور، كي لا يحصل عليها أي ظلم، كما حثّت على التعامل معها بالمعروف والعشرة الحسنة وإكرامهن. كما أثارت موضوعًا هاماً كثيرًا ما تثار حوله الخلافات، وهو موضوع قوامة الرجل، إذ وضحت لنا الشريعة السمحاء – كما وضحها الشهيد القائد في ملزمة سورة النساء/ الدرس السابع عشر، أن القوامة تعني أن يقوم الرجل بشؤون المرأة، من التزامات مالية وأخلاقية، ووضح الهجمة الشّرسة الّتي يقودها اليهود ضدّ الرّجل والمرأة على السّواء لتفريقهم، وتشتيت شملهم، وتمزيق وحدتهم وكلمتهم باسم الحقوق، وأوضح المسؤوليات الملقاة عل كل منهما، وكيف أنهما يكملان بعضهما البعض، ومن آمن وعمل صالحًا فسوف يحيا حياة طيبة لا فرق بينهما.
*- ما الدور الذي لعبته وتلعبه المرأة اليمينة في الوقت الراهن، وخاصة في ظل ما نتج عن العدوان من أحداث ومتغيرات؟
– للمرأة اليمنية مني تحية إجلال وتقدير، نظير وقوفها أمام ظلم هذا العدوان الغاشم، بكل وعي ونفاذ بصيرة، ما جعل العدوان مرعوبًا من صمودها وشموخها إلى جانب شقيقها الرجل، وقد أثبتت قوة إيمانها – رغم مستواها الثقافي البسيط – وهي تدفع بإبنها وأخيها وزوجها وأبيها، لساحات الجهاد والكرامة، وتستقبلهم شهداء مرفوعة الرأس، محتسبة الأجر من الله المفضل المنعم القوي العزيز، وتصبر على فراق المرابطين في ميادين الجبهات. وأوصيها بمزيد من التجلّد والصبر، فإنما النصر صبر ساعة، وإن غدًا لناظره قريب.
*- من خلال موقعكم في مؤسسة بنيان التنموية، هل يمكنكم القول إن المرأة قد حظيت بالشراكة المنصفة في قيادة العملية التنموية؟
– إن من أسمى أهداف مؤسسة بنيان التنموية، تحقيق مبدأ التنمية المستدامة، لتحسين نوعية الحياة، مع الأخذ في الاعتبار حقوق الأجيال الجديدة في حياة مزدهرة، لذا تتوجه في سبيل تحقيق أهدافها نحو ثلاثة محاور رئيسية: الاقتصادية، والاجتماعية والبيئية.
كما أن من أهداف مؤسسة بنيان التنموية – قطاع شؤون المرأة – تأهيل وبناء قدرات المرأة اليمنية، ومن ثم تمكينها من تخطي العوائق وتذليل الصعوبات، التي تحول دون انطلاقها، للمشاركة في كافة الأنشطة والبرامج، لتغدو نواة مثمرة، بل ورائدة في مجال التنمية المستدامة، على المستوى المحلي عند الانطلاقة، ثم على المستوى الإقليمي والدولي بعون الله مستقبلا.
ولا يمكن تحقيق التمكين الاقتصادي، أو التنمية الاجتماعية والاستدامة البيئية، دون دور فاعل للنساء، وتأتي الجهود المبذولة من قبل مؤسسة بنيان، في إطار تحمّلها المسؤولية الاجتماعية، وتحسين نوعية الحياة للمواطنين في ظل العدوان الغاشم.
*- ما هي طبيعة المشاريع التنموية التي تتبناها وتنفذها المرأة، ضمن مسار العملية التنموية التي تقودها المؤسسة؟
– تسعى مؤسسة بنيان إلى الارتقاء بالمرأة اليمينة، لكي تصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، وتستغني عن إغاثة المنظمات، التي تعلّم الناس الكسل والركون، دون السعي الذي أوصى به الدين الحنيف.
ولأنها تؤمن بفكرة، علمني كيف أصطاد ولا تعطني كل يوم سمكة، اتجهت المؤسسة إلى توفير دورات تدريبية مجانية، في مركز خيرات بالجراف، لتعليم النساء في عدة مجالات، وأقامت سوق الخميس للأسر المنتجة لعرض منتجاتهن. كما صبت اهتمامها بالمرأة في الإصلاحية المركزية بأمانة العاصمة، وقدمت لها تدريبات متنوعة، وباعت منتجاتهن في سوق الخميس، وفتحت باب القرض الحسن، لكل امرأة تنوي البدء بمشروع أو تطوير مشروعها.
وكان هذا التوجه لأن بنيان تؤمن أنه لا يمكنُ تحقيقَ التمكينِ الاقتصادي للكافةِ بدون النساء، ولا تنميةٌ اجتماعيةٌ دونَ عدالةٍ بين الرجال والنساء، والقضاء على التمييز، ولا استدامةٌ بيئيةٌ دونَ دورٍ فاعلٍ للنساء كرائداتٍ أساسياتٍ في التغيير.
كما أسهمت في إقامة دورات توعوية وتثقيفية لنساء أحفاد بلال، وستعيد تجربة مشروع النزيلات في صعدة، كون التجربة في العاصمة كانت قصة نجاح مذهلة بفضل من الله.
*- هل هناك رؤية خاصة تحملونها للعام الجديد 2020م؟
– لمؤسسة بنيان التنموية مساعٍ حثيثة في هذا العام على وجه الخصوص للارتقاء بجودة منتجات الأسر، لذا توجهت لفتح دورات في الجودة، وخاصة في المنظفات والتصنيع الغذائي، تحت إشراف هيئة المواصفات، ساعية للاكتفاء بالمنتج المحلي، والاستغناء عن المنتجات المستوردة، وكسب ثقة المستهلك اليمني في منتجه الوطني، الذي سيسهم في تحسين الاقتصاد الوطني بإذن الله، وتشجيع الأسر المنتجة، التي ترغب بتطوير مشروعها، لتكون رائدة أعمال.
*- كلمة أخيرة:
– أختتم بما قاله سيدي القائد حفظه الله:
“مسؤوليتنا جميعاً رجالاً ونساءً، مسؤولية يتحرك فيها الجميع، والكل يؤدي فيها دوراً مهماً، يحظى من خلاله برضى الله سبحانه وتعالى، وبتوفيق الله، وبالأجر من الله سبحانه وتعالى، طريقهم واحد، وقضيتهم واحدة، ودورهم مهم في الحياة.. واحد وإن تنوعت المهام وطبيعة الأدوار…
فالواقع بالنسبة للنساء، الواقع واحد مع الرجال، واقع الحياة، بكل ما فيه من معاناة وبالمسؤولية أيضًا، بالدور في هذه الحياة، المرأة لها أهميتها، فضلها، مكانتها، عندما تسير في طريق الحق، في مقام العمل والأجر والفضل”.
فلننطلق جميعنا لبناء الوطن، فاليمن بحاجة إلينا، وخاصة ونحن في ظل قيادة مؤمنة حكيمة، تحث على حياة الإنسان، في ظل القرآن وعلى عمران الوطن…
عاشت اليمن حرة أبيّة بفضل سواعد أبنائها الفتيّة.
*- نعم عاشت اليمن حرة أبية، بفضل وعي وتضحيات نسائها، وسواعد وجهود أبنائها، وسلام الله على روح الشهيد القائد، الذي بصرنا بما يتهددنا من أخطار، ومخططات ومشاريع استعمارية على كافة المستويات، وسلام الله على السيد القائد، الذي قاد مسيرة الشعب نحو العزة والكرامة والحرية والسيادة والاستقلال، وحفظ بنيان المجتمع من الانهيار، ووصل بهذا الشعب إلى مشارف النصر، بفضل الله وتمكينه.
في ختام هذا اللقاء لا يسعنا إلا تقديم جزيل الشكر والتقدير والامتنان لكم أستاذة أروى حميدالدين، نظير ما تقومون به في قيادة قطاع المرأة، في مؤسسة بنيان التنموية، وما تبذلونه من جهود جبارة، لإحياء دور المرأة اليمنية، وإعادتها إلى صدارة المشهد، إقليميا وعالميا، والشكر موصول من خلالكم، لهذه المؤسسة التنموية الرائدة، وجميع العاملين فيها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.