بعد ٢٠٠٠ يوم من العدوان على اليمن عبدالملك الحوثي والذين معه 27
إبراهيم سنجاب
في الثانية صباحاً من يوم الخميس 5 جمادى الثانية 1436 ه – 26 مارس 2015 م بتوقيت السعودية , وقبل 2000 يوم بدأت العمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية تحت مسمى عاصفة الحزم , ثم تحولت في 21 إبريل في نفس العام إلى مسمى آخر هو عاصفة الأمل. أعرف فجر صنعاء الحالم الهادئ , وأعرف شيوخها رواد المساجد , رأيتها ومآذنها تصدح بالتسبيح لتواشيح من بعد منتصف الليل وحتى ساعات الضحى الأولى ، أعرف اليمن بلدا آمنا مطمئنا يتقبل أهل المقتول فيه عزاء قاتله إن رفع الراية البيضاء معتذرا .
بلاد لا صخب فيها إلا في أسواق القات , ساعات قليلة وسط النهار وتنفض موالدها , إنه اليمن , حيث الجميع ما زالوا يتقبلون نظاما اجتماعيا من التاريخ القديم ولكنه معاصر , ويرضون بما قسم الله حتى لو لم يقسم لهم زعماؤهم شيئا من ثروات بلادهم . من واشنطن أعلنت السعودية الحرب على اليمن , لإعادة الشرعية وإيقاف النفوذ الإيراني المتزايد في اليمن, بطلبات تقدم به الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لملك السعودية ولمجلس التعاون الخليجي ثم جامعة الدول العربية . على أعتاب الألفية الثالثة لابد من وقفة مع النفس كل من شارك فى صناعة مأساة هذا البلد الطيب , تقابلها وقفة أخرى أمام التاريخ لكل من ساهم فى الدفاع عن كرامة شعبه .
بعيدا عن وسائل الإعلام التي خلطت الغث بالسمين , والحابل بالنابل , وبعيدا عن إحدى أكبر الحروب النفسية التي مورست على شعب عربي ,وبعيدا عن مخططات واشنطن وتل أبيب لتلوين الخارطة العربية بالأزرق والأحمر , وبعيدا عن قوى عربية صغيرة ومحدودة التاريخ والتأثير الطبيعي في محيطها يجرى تخليقها وتصنيعها وتعليبها بهدف فرضها على المحيط الهائل للعروبة في الجزيرة العربية , وبعيدا عن قوى أخرى كبالونة كبيرة ضخمة , هائلة التأثير بالدين والمال يجرى تفريغ مضمونها وتحليل تراثها وهدم ما نشأت عليه ومن أجله لإعادة توظيفها لأهداف أخرى بعد أن تميزت في تحقيق ما أنشئت من أجله من تعجيز وتدمير للقوى الطبيعية في المحيط العربي .
وبعيدا عن تحكم قوات إماراتية في باب المندب وميناء عدن التاريخي , وتواجدها برفقة عسكريين إسرائيليين إلى جزيرة سقطرة اليمنية التي لم يتواجد فيها حوثة من الأصل , وبعيدا أيضا عن إصرار السعودية على التواجد العسكري في محافظات الجزء الشرقي من اليمن على الحدود العمانية , وإصرارها أيضاً على تطبيق حصار اقتصادي خانق , واستمرار الطلعات الجوية على المحافظات التي حررها الأنصار من القاعدة وداعش.
وبعيدا عن العجز العربي الذى نال اليمن منه النصيب الأوفر , والتشتت الإسلامي الذى أضاع القدس في سبيله لتضييع بقية العواصم الإسلامية , وبعيدا عما تعرفه وما لا تعرفه من أسرار الحرب على اليمن التي نال شرف الدفاع عن حدودها يمنيون بسطاء أراد إعلام العربية وسكاي نيوز التقليل من شأنهم فوصفهم بالحوثيين , وإذا بهذا اللقب يزيدهم شرفا , شرف الدفاع عن حرائرهم وشيوخهم وأطفالهم وحدود بلادهم وتاريخها . قد تكون قد سمعت وتابعت عن كل ما سبق , قد تصدقه وقد تكذبه , قد تتعاطف مع ضحايا القصف السعودي –الإماراتي من المدنيين وقد لا , قد تفزع لصورة امرأة تلملم حجابها بعد هدم منزلها وتستر جسدها بما تبقى من ملابسها قبل أن تفارق الحياة فتموت مستورة وقد لا تهتم , قد تتعاطف مع طفل جرح أو قتل بينما حقيبته قد تمزقت وتناثرت كتبه وكراساته مخضبة بدمائه وقد لا , قد تصدق أو تكذب أنه تم قصف صالات عزاء وقاعات أفراح ومزارع دواجن ومواشٍ , وقد تصدق أو تصدق أنه تم إنشاء بركة مياه ليتوضأ منها مرتادوا مسجد صنعاء الكبير فقد تدمرت محطات المياه في العاصمة , وقد تصدق أو لا أنه لا كهرباء وأن الناس ابتكروا كل الوسائل التي تعرفها أو لا تعرفها لإضاءة مصابيحهم , ولكنى أريدك أن تصدق أن بعض الناس قد جاعوا لدرجة أنهم طبخوا ورق الأشجار البرية , وأن ملايين تركوا منازلهم وباتوا ينامون في العراء أو على رؤوس الجبال ومع ذلك تعرضوا للقصف . أريدك أن تصدق ما لم أصدقه أنا وقد رأيته بأمّ عيني , هناك شعب عربي يقتل ويذبح لا لشيء إلا لأنه ثار على الفساد وطمع في سيادة بلاده .
عند هذه النقطة لا تكلمني عن الشيعة والسنة , ولا تقل لي إيران وأقول لك إسرائيل , ولا تحدثني عن اليمن الجنوبي وأحدثك عن اليمن الموحد , لا نريد فتح مجالس للجدال .
في مثل هذه الحالات يذهب كتاب المقالات إلى التدليل على صحة آرائهم إلى الإحصائيات الموثقة عن أعداد الضحايا وتكلفة الحرب وحجم الخسائر في كل المجالات , وقد يذهبون إلى نتائجها هل حققت أهدافها أم لا ؟
كل هذا صحيح ومتفق عليه , ولكن ما هي
أهداف التحالف العربي على اليمن ؟ هل فعلا هناك أهداف من وراء قتل وحصار اليمنيين ؟ لصالح من ؟
وهل تحققت بعد 2000 ليلة من القصف تساوي تماما 2000 ليلة من الصمود ؟
هل تعرف كيف مرت هذه الليالي على ملايين من البشر أطفال ونساء ورجال يريدون أن يعيشوا كما يعيش بقية البشر ؟
هل تصورت ولو للحظة حالة طفل جائع أو سيدة قتل زوجها أو طفلة ستحرم من مدرستها ؟ لا أريد تعاطفك ولكن ماذا تعرف عن الشباب على الجبهات ؟ وما هي أسلحتهم التي أذلوا بها فخر الصناعات الأمريكية والإنجليزية والفرنسية ؟ وما هي مؤنهم التي تعينهم على القتال ؟ هل تعرف أنهم يقاتلون كل مرتزقة العالم من السودان وأوروبا وحتى أمريكا الجنوبية ؟
هل تعرف كيف يفر أعداؤهم أمامهم تاركين أسلحة تقدر أثمانها بالمليارات ؟ قد تعرف وقد تريد أن تعرف وقد لا تريد , ولكن عقيدة هؤلاء المقاتلين وإيمانهم مما يجب أن تعرفه , لأنهم فقط صمدوا 2000 ليلة , بل وحققوا انتصارات وخاضوا معارك كبيرة وصغيرة تتخطى حدود المنطق والحسابات العسكرية .
قبل الولوج إلى الألفية الثالثة من العدوان على اليمن الحبيب سأسأل وعليك أن تجيب ولو لنفسك , هل تصدق فعلاً أن التحالف العربي ذهب للقتال في اليمن من أجل مصلحة اليمنيين ؟ !