ملف #11_سبتمبر .. المتهم الرئيسي لا يزال صديقاً سخيا
من " بيرل هاربر" إلى "مانهاتن".. أمريكا وسياسة البحث عن الذرائع
كتب / عباس السيد
يصادف اليوم الذكرى الـ 19 لهجمات 11 سبتمبر ، لم تصدر حتى الآن إتهامات رسمية للنظام السعودي في تلك العملية التي راح ضحيتها أكثر من ثلاثة آلاف شخص ، لكن الكثير من الدلائل والمؤشرات تؤكد أن القضية لا يمكن أن تسجل ضد مجهول، وأن استثمار القضية لخدمة الأهداف السياسية والاقتصادية الأمريكية خلال العقدين الماضيين لم يشف غليل السياسيين الأمريكيين.
عام 2016، وخلال حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية ، كاد ملف 11 سبتمبر أن يصبح جزءاً من برامج المتنافسين في السباق إلى البيت الأبيض، وخلال رئاسة ترامب ، تم تهدئة الملف ، وترشيد إبتزاز السعودية ، طالما أنها مستمرة في ضخ المليارات إلى الخزينة الأمريكية .
السياسة الغربية تجاه الشرق ودول العالم الثالث بوجه عام تعتمد إستراتيجية الثأر أو الانتقام لتحقيق مصالحها، وهي باستمرار تبحث عن ذرائع وحجج للقيام بذلك، وفي هذا المجال، يتفوق السياسيون الغربيون في وحشيتهم وإسرافهم في الرد، على أكثر القبائل البدائية المتخلفة في الصحاري والأدغال، وخصوصاً إذا كان الطرف الآخر، أو المتهم، من النصف الشرقي للكرة الأرضية، أو من غير البيض.
الموجة الجديدة من الاتهامات الموجهة ضد السعودية لا تعني الحصول على أدلة جديدة، فالأمريكيون كانوا ـولا يزالون يبحثون عن التوقيت المناسب لتوجيه الاتهام للسعودية بشكل رسمي، أكثر من بحثهم عن الأدلة.
بين بيرل هاربر وهيروشيما
في ديسمبر 1941م سقط نحو 3300 عسكري أمريكي إثر هجوم ياباني على القاعدة العسكرية الأمريكية في ميناء بيرل هاربر، واعتبرت تلك أقسى هزيمة تتلقاها الولايات المتحدة عبر تاريخها.
ومثلما وجدت الإدارة الأمريكية –لاحقاً- في “غزوة مانهاتن” ذريعة لغزو أفغانستان ثم العراق، وجدت في “المغامرة اليابانية” ذريعة لدخول الحرب العالمية الثانية بعد انقلاب الرأي العام في الشارع الأمريكي الذي كان يعارض دخول بلاده الحرب قبل ذلك.
شن الأمريكيون هجمات انتقامية ضد القوات اليابانية على مدى أربع سنوات، وفي السادس من أغسطس 1945م توج الأمريكيون انتقامهم بإسقاط قنبلة نووية فوق هيروشيما اليابانية لتحصد أرواح 140 ألف ياباني، وفي اليوم التالي ظهر الرئيس الأمريكي هاري ترومان عاريا من أي قيم أو مشاعر ليقول: لقد أخذ الأمريكيون بالثأر الذي طال انتظاره .
وبعد ثلاثة أيام من مجزرة هيروشيما، وبينما كانت أفواه اليابانيين والعالم لا تزال فاغرة من وقع الصدمة وهول الكارثة، ألقى الأمريكيون قنبلة ثانية على مدينة نجازاكي سقط على إثرها 74 ألف ياباني.
214 ألف ياباني قتلوا بفعل القنبلتين، مقابل 3300 أمريكي قتلوا في الهجوم الياباني على بيرل هاربر ، بمعدل 650 يابانياً مقابل أمريكي واحد.
لوكربي والنظام الليبي
يستخدم السياسيون الغربيون أساليب مختلفة للثأر والانتقام وفقا للحاجة وطبيعة الطرف المتهم أو المدان ، فإما الاقتصاص على طريقة هيروشيما ونجازاكي، أو من خلال فرض التعويضات المالية الخيالية كما في حالة سقوط طائرة “بان أمريكان” فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية في 21 ديسمبر 1988م ، والتي قتل فيها273 شخصاً، واتهمت الولايات المتحدة وبريطانيا النظام الليبي برئاسة العقيد معمر القذافي بالوقوف وراء الحادث.
وبعد حوالي عقدين من الملاحقات القضائية والضغوط والحصار الخانق أجبر النظام الليبي على دفع 2.7 مليار دولار كتعويض لعائلات الضحايا ، بمعدل 10 ملايين دولار عن كل ضحية.
وعلى الرغم من ذلك، لم يفتح الغرب صفحة جديدة مع ليبيا، كما كان يتوقع العقيد القذافي، ولم تكن تلك التعويضات السخية سوى جزءاً من الثأر الذي اكتمل بتصفية القذافي وتدمير ليبيا التي لا تزال تدفع نحو المجهول.
وقد لعبت فرنسا عام 2011م دوراً محورياً في اكتمال الثأر من ليبيا بعد أن فشلت في إدراج قضية سقوط طائرة للخطوط الفرنسية ضمن ملف التعويضات إلى جانب لوكربي.
وكانت محكمة أمريكية قد أصدرت حكما قضى بدفع ليبيا مبلغ 6 مليارات دولار كتعويض لعائلات 170 راكباً قضوا في حادث سقوط الطائرة الفرنسية فوق النيجر في 19 سبتمبر 1989م.
إيران.. تعويضات أخرى
الأمر ذاته تحاول الولايات المتحدة تكراره مع إيران، وهي تبحث عن ذرائع للاستحواذ على الأموال الإيرانية المجمدة في واشنطن، وقد وجدت في حادث تفجير ثكنة للمارينز، وأخرى للقوات الفرنسية في بيروت عام 1983م ذريعة مناسبة.
وفي عام 2012م قضت محكمة أمريكية بدفع إيران 2.16 مليار دولار كتعويض لعائلات 299 من جنود المارينز الأمريكيين والفرنسيين سقطوا في التفجيرين الإنتحاريين اللذين نفذهما عناصر في المقاومة اللبنانية، تقول أمريكا: إنهم تلقوا تدريبات من قبل الحرس الثوري الإيراني، وقد وصف وزير الخارجية الإيراني قرار المحكمة الأمريكية بأنه سرقة.
فيتنام العراق والصومال
في فيتنام قتل نحو أربعة ملايين مقابل عشرين ألفاً من الجنود الأمريكيين، و كان الأمريكيون يصفون الفيتناميين بـ “النمل الأبيض، وتارة بالقُراد الذي يعيش في جلد الكلاب ” ولذلك كانت المجازر الوحشية بحق الفيتناميين ـ في نظر الأمريكيين- مجرد عمليات تنظيف من القمل.
وفي العراق تجلت الوحشية الأمريكية بشكل سافر عندما اقتحمت القوات الأمريكية مدينة الفلوجة في مارس 2004م انتقاماً لمقتل أربعة من عناصر “بلاك ووتر” والتمثيل بجثثهم من قبل المقاومة العراقية.
تعرضت المدينة لحصار خانق وقصف هستيري قبل أن يتم اقتحامها والتنكيل بأهلها وملاحقة الضحايا إلى الجوامع، قتل الأمريكيون في تلك العملية الثأرية نحو خمسة آلاف عراقي.
الصومال أيضاً لا يزال يدفع ثمن الصفعة التي وجهتها عناصر من الميليشيا لأمريكا عام 1993م، حيث قتل عدد من المارينز الأمريكيين وسحلهم في شوارع مقديشو بعد سقوط طائرتهم.
عودة إلى “غزوة مانهاتن”
الآن يمكن لنا فهم موقف عمدة نيويورك ، عندما رفض بازدراء العشرة ملايين دولار التي قدمها الأمير السعودي الوليد بن طلال بعد أيام من حادثة تفجير برجي مركز التجارة العالمي.
ووفقاً “لبورصة لوكربي” كان عرض الأمير السعودي بخساً، فالعشرة ملايين دولار لا تساوي سوى تعويض عن ضحية واحدة من الثلاثة آلاف شخص الذين قضوا في الحادث -هذا إذا لم تكن أسهم البورصة قد ارتفعت-، وإن لم تضف إلى التعويضات غرامة ” نخيط ” الملك سلمان وتعمده إهانة رئيس الدولة العظمى، بعدم خروجه لاستقبال أوباما في مطار الرياض الشهر الماضي.
وفي أقل تقدير ، لن يقبل الأمريكيون بأقل من 300 مليار دورلار كتعويض لعائلات ثلاثة آلاف ضحية، أي ما يعادل 40 % من الأموال والأصول التي هدد النظام السعودي بسحبها من أمريكا، هذا لا يعني أن النظام السعودي قد تورط فعلاً في الحادث، لكنه -بالنسبة للأمريكيين ـ المتهم الأفضل والمثالي في هذه القضية، ولا يمكن تبرئته بأي حال من الأحوال.