فتنة عفاش وسوء الخاتمة: شهادة من ميدان المعركة!
أفق نيوز – بقلم – اللواء الركن/ يحيى عبدالله الرزامي
في ظل اتساع دائرة الهزائم التي لحقت بدول العدوان في الجبهات الداخلية –السياسية والإعلامية – وفي الميدان، لجأ الأعداء إلى أوراق الخيانة التي كانوا متبنين لها داخل البلد العظيم، وظلوا مراهنين عليها. كان عفاش آخر ورقة يراهن عليه العدو لأنه العميل الوحيد الذي كانت قد استخدمته أمريكا وإسرائيل منذ حرب 2004، على السيد حسين بدر الدين الحوثي، والمسيرة القرآنية. لقد أرادوا تكرار تلك الحروب الداخلية على غرار الحروب الست السابقة، غير أن الكثير من أبناء الشعب اليمني والمجاهدين من أنصار الله والجيش واللجان الشعبية على مستوى كبير من الوعي، وشكّل تواجدهم في صنعاء واستعدادهم التام لمواجهة العدو – سواء في الداخل أو في الخارج – سداً منيعاً أمام فتنة عفاش وميليشياته، فقد كنا على استعداد كبير وجهوزية تامة بكل ما أوتينا من قوة، وكانت عزائمنا عالية، كما قيل في المثل «حبيب جاء على فاقة لا فلح من ندمِ»، لأننا تغاضينا عن علي صالح لأكثر من إحدى عشرة سنة.
وعلى الرغم من أننا كنا نقول لعلَّ وعسى أن يهتدي عفاش، إلا أننا كنا نتوقع منه كل الاحتمالات السيئة، بل كنا متأكدين من ذلك من قبل اندلاع العدوان؛ لأنه ومن معه من رؤوس الفتنة والخيانة قد خانوا الله وخانوا عهدهم وإيمانهم والله لا يهدي كيد الخائنين، ولا يهدي القوم الظالمين.
لم تكن فتنة ديسمبر وليدة اللحظة، بل سبقها إعداد كبير وقوي وحاسم في رؤى الأعداء، وجرى اختيار التوقيت من قبل دول العدوان بما فيها أمريكا وإسرائيل، حيث أرادوا لها أن تكون القاضية لهذه المسيرة القرآنية العظيمة، لكن الله يأبى لنا ذلك. لقد سمع الشعب بأكمله خطابات عفاش التي تناول فيها المجاهدين بالإساءة، وأمر الشعب أن ينتفض، رغم أن السيد القائد بحكمته وحنكته وتوفيق الله له وصبره وحبه للشعب، لا يريد أن يكون هناك سفك للدماء فكانت خطاباته واضحة، وقد تكلم آنذاك وناشد عفاش «يا زعيم شعبك»، ووصفه بما ليس أهلا له ومده من المعنويات التي لا يستحقها علي عبدالله صالح، وهنا يتجسد البيت الشعري: «إن أنت أكرمت الكريم ملكته… وإن أنت أكرمت اللّئيم تمردَ»، فتحقق الردى واللؤم في نفس علي صالح، وفي كل شخص وقف في صفه – سواء من قيادات أو أفراد أو همج الرعاة التابعين كل ناعق – أنهم كانوا أهل ردى وأهل لؤم.
تعامل المجاهدون في البداية تعامل الحريص على لملمة الوضع وتوحيد الصف وعدم إثارة المشاكل والفتن داخل البلد في ظل عدو متربص بالجميع وفي ظل عدوان همجي وغاشم، وكان السيد القائد حفظه الله قد أبدى في خطاباته التي تكلم فيها بعد أن نفد الصبر – والخونة لا زالوا في سعيهم الحفيف لإشعال الفتنة – عن التعامل معهم بكل حزم وعزيمة وبكل قوة في تلك المرحلة، وهو ما جرى حتى تم إخمادها وإنهاؤها في غضون 24 إلى 48 ساعة، فراح كيدهم هباءً منثوراً وكما قال الله « إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا»، فالحمد لله أنها تمت بقتله وانتهت هذه الفتنة بالخير وصالح المؤمنين كما قال الله في كتابه « لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا».
وبفضل الله وتأييده كان لنا دور كبير في إنهاء هذه الفتنة وإخمادها منذ اندلاع أول شرارة لها، حيث قمنا بحشد المئات من الرجال المؤمنين الصادقين من كل أنحاء الجمهورية، خاصة من كانوا حينها في صنعاء، وبفضل الله كان لهم دور كبير وبارز في فتح الخط من صعدة إلى عمران بعد أن كان قد تم قطعه من ميليشيات الخيانة والعمالة، كما كان لهم دور كبير في إسقاط أوكارها ومؤسساتها التي تمركز أفرادها فيها باسم شركات. لقد تمت مراقبتهم مراقبة شديدة منذ أكثر من خمسة إلى ستة أشهر،حيث رصدت كل شركة ومنظمة ومؤسسة ضالعة، حتى أنهم كانوا يجعلون حراسات في المؤسسات لإثارة الفتن في الأساس بينما في الظاهر تبدو أنها لحراسة المؤسسات.
وبتوجيهات من السيد القائد- سلام الله عليه، رُسِمَتْ الخطة، حيث كانت المعلومات لديه دقيقة وصحيحة، لم تختلف كلمة عما قال لنا. كنا نحن ورئيس الأركان جميعاً وبعض الإخوة من القيادات وكانت هناك غرفة مشتركة، للسيطرة على الوضع، على تواصل مع الأخ الرئيس الصماد رحمة الله عليه. كنا وسط المعركة فكان النصر بفضل الله وجهود كافة الرجال الأوفياء والأحرار من هذا الشعب الذين كانوا يحملون الوعي بنسبة 99 في المائة، وهم جادون ومندفعون لأن يكونوا مشاركين في وأد هذه الفتنة لأنهم لا يحبون علي عبدالله صالح، وهو ما جعل البعض يتضايق لأننا لم نتح له الفرصة ليتحرك لمواجهة الفتنة. كان الوضع يستدعي منا الإبقاء على عدد كبير من المجاهدين في الحدود وكل الجبهات التي تكالب علينا فيها الأعداء من كل أنحاء العالم (أمريكا وإسرائيل والسعودية وبلاك ووتر والجنجويد والسودان) وغيرها من البلدان المغضوب عليهم والضالين الذين شاركوا في عدوانهم على اليمن دون أي ذريعة، إلا أنهم أرادوا عودتنا تحت وصايتهم.
لقد مهّد علي عبدالله صالح منذ سنوات مضت ولم يراع الإحسان الذي قدمه السيد القائد سلام الله عليه والمجاهدون والشعب. لم ننس ما قام به في خولان صعدة على السيد حسين بدرالدين وعلى سيدي بدر الدين وسيدي عبدالملك والوالد عبدالله الرزامي في نشور همدان ولا في سفيان التي كان يسمي بعض الحروب بـ «الأرض المحروقة»، كان يطلع في شاشات التلفاز دون حياء حتى في خطاباته، كان يقول «إذا انتصروا فهم على الحق وإذا انتصرنا نحن على حق»، وعلى الرغم من أنه كان يهزم إلا أن تلك العبارات يأخذها الهواء، فلم يكن كما يقول، بل رأس فتنة ولم يراع ما قدم له السيد القائد والمجاهدون من تكريم وتناسوا الماضي، لكن « إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ». فقد كان عفّاش عميلا وخائنا منذ زمن بعيد، وليس فقط منذ أغسطس الأخير في حياته، وهذا ما يعلمه الشعب اليمني ونعلمه وتجلت ملامحه في الأشهر الأخيرة، ولا ينكر ذلك إلا من كان من أئمة الكفر ممن يقف في صفه ويحمل نفس صفاته، من الخونة والعملاء الذين تكشّفت سوءاتهم. وفي هذا يقول الإمام علي عليه السلام: «والله ما أضمر من امرئ في نفسه شيء إلا ظهر على بسمات وجهه أو فلتات لسانه»، كما يقول السيد حسين بدر الدين سلام الله عليه: «هذا زمن كشف الحقائق»، ويقول السيد عبدالملك بدر الدين سلام الله عليه: «ماذا تتوقع من شخص حارب الله ورسوله إلا أن ينخرط مع الظالمين ويقف في صفوفهم»، وهنا أتذكر ما كان يردده الوالد عبدالله الرزامي، عن أن علي عبدالله سيكون له دور كبير مع العدوان، كما قال السيد حسين بدر الدين وأقسم «لو أشوف علي عبدالله صالح متجه بدبابته على أن يحرر الأقصى ما صدقته»، وهذا ما تجلى في هذه الفتنة التي قام بها، وتوجه بأعين حمراء وأوجان منتفخة ولهجات لم نسمعها على العدوان، ليلقى حتفه، وننتصر.
لقد أفشل نصرنا ما كان خطط له صالح والعدوان من تفكيك الجبهة الداخلية، وقد أخطأت حساباتهم في تقدير قوة الجيش واللجان الشعبية في ذلك الوقت، فبدأ بحشد مليشياته في شهر أغسطس تمهيداً للانقلاب وتفجير الوضع الداخلي، في الوقت الذي يتم فيه مساندتهم من قبل العدوان بالزحوفات والطيران جوياً وبرياً وبحرياً وبالضغط على الحدود بشكل مركز، فلما رأوا استجابة الشعب اليمني للقيادة الحكيمة المتمثلة في مولانا السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله وسلام الله عليه، اضطر صالح ومليشياته للتراجع مفضلين انتهاج فرصة أخرى، فكانت عاقبتهم الفشل. تحركنا بكل حزم وبكل جدية واستبسال لم نتراجع أو نضعف أو نوهن، رغم أنهم كانوا يطوقون العاصمة صنعاء، لكن كنا بقوة الله أقوى ولو كانوا بأعدادهم آلاف المرات.
ولطالما اتكأنا بالسيد القائد سلام الله عليه، كما قال الإمام علي عليه السلام: «كلما اشتدت الأمور اتكأنا برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم»، فنحن نتكئ بالسيد ونعود لخطاباته وتوجيهاته بالحرف الواحد لأننا نلمس النجاح، وعلى المستوى الشخصي أتلقى كلمات وتوجيهات جميلة من الوالد أن لا أتعدى في أي توجيهات يتكلمها السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي؛ لأنه يراه الحكمة والإنصاف ويرى فيه التوفيق والسداد والنجاح، وأن لو التزم الشعب اليمني بما يقوله السيد عبدالملك لقال كما قال الإمام علي عليه السلام: «لو اتبعتم الداعي لسلك بكم منهاج الرسول ولكفيتم مؤنة الاقتتال»، فهنا قال ولنكفئ ونسلم الحروب ونكفئها وننتصر بمجرد خطاب، فرب قول أصوب من صول أقوى من حرب.
وبالعودة إلى أصحاب الفتنة، فقد كنا نعلم أننا على الحق وأنهم على الباطل وأن كيد الشيطان كان ضعيفا. فعلي عبدالله صالح ورؤوس الفتنة ممن لديه لم يعتبروا من قصف العدوان الصالة الكبرى وكان أغلب من فيها مِن القيادات المنسوبين والمحسوبين على صالح، وقد تشدق بأنه يقوم لنصرة الشعب اليمني، وهو حتى لم يأخذ بثأر هؤلاء القيادات من كبار رجال الدولة لديه، بل باع دماءهم بثمن بخس. لم يخجل عفاش من النظر إلى ماضيه السيئ، فالجميع لم ينس قاتل الرئيس الحمدي ولم ننس من قام بالحروب وأشعلها في صعدة وفي كل اليمن، وقد نصحه سيدنا وقائدنا حسين بدر الدين الحوثي قبل الحرب الأولى، وقال له: «إذا أردت أن يبق لك منصبك وكرسيك فارفع هذا الشعار»، لكنه أصبح ضعيفاً وخانعاً أمام بوش.
على الشعب اليمني أن يتعبّر من قصة عفاش، فقد ظل لثلاث سنوات لم يستطع العدوان وأمريكا وإسرائيل أن يصيبوه بشيء وعندما أظهر وكشر عن أنيابه وتجلت خيانته وعمالته وأظهر ما في قلبه لم يحمه العدوان، وحسمت المعركة في ثلاثة أيام، لتكون ثلاث سنوات مقابل ثلاثة، وهذه رسالة واضحة تفي بإيصال الفكرة، رغم أن الطيران شن غاراته بكثافة على كافة محاور الهجوم التي كان يتمركز فيها المجاهدون لكي يخف الضغط على عفاش وعلى اللجنة الدائمة والكميم والأماكن الأساسية التي كان يتمركز فيها عفاش.
كثّف الطيران غاراته في محاور الهجوم المتقدمة على مليشيات الخيانة حتى أدركت دول العدوان فشل صالح عفاش وأزلامه، فتركوه وحيدا يواجه مصيره المخزي والمهين، حيث وقع ولم يكن يتوقع أن يصل إلى ما وصل إليه. حاول عفاش إنقاذ نفسه عبر وساطات وقد تواصلت بي الوساطات شخصياً بما فيهم معوضة، الذي قال إن «الفندم يشتي يسلم»، ولم يكن لدينا أي مانع من تسليمهم بالطريقة الرسمية لجهة مختصة للدولة، لكنهم أصروا على طغيانهم يعمهون، ظلوا يراوغون في الوساطات التي دخلت من ضمنهم أياد لعفاش، أرادوا أن يوهمونا أن عفاش ما يزال مستمراً، بينما الحقيقة أن عفاش كان في طريقه إلى منطقة الجحشي في المكان الذي قتل فيه لأنه كان قد غادر في الآونة الأخيرة ، ولم يتمكن من المواصلة، حينها اشتد الخناق عليه وسلّم أغلب الذين كانوا في اللجنة الدائمة من أسرى إلينا، وألقي القبض على مدير مكتبه الصوفي، وسقط بيت له في الحصبة يسمى بيت الدجاج.
وقتها لاحظنا ملامح الفرج والنصر وكان السيد القائد سلام الله عليه على اتصال هاتفي مباشر معنا، يدفعنا بقوة ونحن نقول له أنها لا زالت في المحويت وحجة قائمة، بينما هو مصر على قطع رأس الفتنة، لأنه كما قال «هذا سينهي كل شيء»، والحمد الله أنهيناها في المحويت وحجة بعزيمة وكنا بالله واثقين وبثبات المؤمنين المجاهدين من الجيش واللجان الشعبية ومن الشعب اليمني كافة.
انتهى عفاش وفتنته ولا يمكن أن نسمح بأي فتنة تقوم، ونحن على أتم الاستعداد لقمع أي فتنة ستقوم في وجه هذه المسيرة القرآنية أو تمس بسيادة الوطن، كما لن نسمح لكبير أو صغير، قريب أو بعيد بذلك، وسنحشد أكثر مما حشدنا لفتنة عفاش ولا يحلم أي عميل أو عدو أو متربص باليمن أو بسيادتنا أو بشخصية السيد عبدالملك، والله أننا جاهزون ومستعدون أن نضحي كما قالها السيد القائد سلام الله عليه في خطاب إلى حكماء اليمن وعقلائهم – ونحن من ضمن من دعاهم – «حتى لو أختم برأس عبدالملك بدر الدين الحوثي»، ونحن نقول رؤوسنا قبل رأسك يا سيدي، ونحن نقول: «والله لن يصلوا اليك بجمعهم.. حتى نوسد في التراب دفينا»، وهذه رسالة أقدمها وأنا صادق على قولي.
لقد كان تسامح أنصار الله وقيادته الحكيمة تسامحاً عظيماً قدم لهم كل الرسائل، والشعب اليمني يعرف تسامح السيد القائد وسماحته مع علي صالح الذي لم يعتدوا عليه عندما دخلوا صنعاء رغم مقدرتهم على ذلك، لكن الشر بداخل عفاش في ماضيه وفي حاضره وحتى بعد مقتله، فلم ينل شرف القتل بطائرات العدوان بل ظل عميلا لأعداء الله ورسوله ليقتل بأيدي المجاهدين، بعد أن كان المتشدقون يسابقون لنسب الصواريخ التي نطلقها على العدو إليه. وهنا نتذكر، ألم يمد عفاش يده للعمالة والخيانة ويقول ثوروا ثورة رجل واحد وهبوا هبة رجل واحد، ليس على أمريكا وإسرائيل وعملائهم، بل على السيد القائد والشعب اليمني.
ألم يكن هروبه باتجاه الجحشي لجوءاً نحو مارب التي يركعها العدوان؟ يجب أن نكون واعين وأن نتدبر في الأحداث، كما قال السيد حسين بدرالدين الحوثي: «التدبر في الأحداث يعطيك اليقين والتدبر في النفسيات يعطيك اليقين والتدبر في القرآن يعطيك اليقين».
لقد كان علي عفاش تاريخاً سيئاً ومن قاموا معه كانوا أسوأ منه، رغم أن في الإخوة المؤتمريين عقلاء وحكماء كما في الشعب اليمني عقلاء وحكماء ،عندما سمعوا خطاباته، قالوا لا نريد أن نكون مع القوم الظالمين.