الشهداء من تنحني لأرواحهم الجباه
وديع العبسي
“قُل للشَهيد.. سَلاماً وحدكَ الحَيُ وجميعُنا يا سَيدي أموات”
وحدها المآثر العظيمة من تستثير الكلمات للبوح، ينظم الشاعر قصيدَهُ، ويصيغ الأديب والمثقف ما اعتمرت به قريحته من تعبير الشكر والامتنان لمن يقف خلف هذه الأعمال.
وكذلك هم الشهداء، الملهِمون والقدوة، عظماء اللحظات التاريخية، رموز الإيثار، سمَوا فوق الغرائز وارتقوا بفعل صنيعهم المقدس، المكانة الرفيعة ومراتب الخلود عند المليك الأوحد.
بفعل صنيعهم المقدس لكلمة الله وللوطن، صاروا نجوما يستظل بها أبناء هذا الوطن ويسترشد بها التائهون.
فأوّاه، يا وقود العزة والكرامة، والشموخ والإباء ألف سلام على أرواحكم الطاهرة.
ليست مناسبة روتينية، وإنما هي محطة يتأكد فيها الاعتراف بفعل من وهبوا حياتهم غيرة على دين الله وغيرة على الأرض.
نحتفي اليوم، بيوم الشهيد بطريقتنا بينما هم هناك يحتفلون بطريقتهم بيوم ميلادهم في الحياة السرمدية، حيث المثالية والكمال، وحيث هم في العلياء أحياءٌ يرزقون.
ولأنهم الشهداء ولأن ذكرهم يقف بنا على فعل تشهد البشرية جمعاء بقدسيته (الشهادة) الطريق إلى عظمة المحيا في الآخرة، وشموخ الذكر الدنيا، ولا إنشاء في حقيقة تتفق عليها النزعة الإنسانية والوجدان الإنساني على اختلافات الثقافات وحتى الديانات.
وكذا قال السيد عبدالملك بن بدرالدين الحوثي في وقت قريب .. “وللشهداء منزلة رفيعة وعالية، ومقام عظيم وسامٍ لدى البشر بمختلف مشاربهم، ولهذا نلحظ مثلا أن مختلف التيارات والقوى، مختلف الأقوام، مختلف الملل، أغلبهم يسمون قتلاهم بالشهداء، قتلاهم في مواقفهم، في قضاياهم، في اتجاهاتهم.. إلى آخره، يطلقون عليهم لقب الشهداء، وحتى الأقوام أحيانا أو التيارات التي لا تعترف بالدين ولا تركز على مسألة الإيمان بالجنة والنار، أو لا تربط مواقفها بالمبادئ والقيم الدينية والأخلاقية، بل تعتبر اتجاهها في هذه الحياة، فيما هي فيه من مواقف وتوجهات مجرداً مما يسمى قيم، أخلاق، مبادئ، يطلقون عليه مثلاً موقفاً سياسياً مجرداً، منفصلاً عن كل هذه الاعتبارات، أو أي عنوان من العناوين، حتى هم في الغالب يسمون القتيل منهم بالشهيد، يطلقون عليه عبارة الشهيد، ومسمى الشهيد، وهذا لأن الوجدان الإنساني يقدر ويعز الشهداء، ويعترف بعظمة وسمو الشهادة، ولذلك حرص الكل أن يسمُّوا قتلاهم بالشهداء بغض النظر عن أي توجه”.
إنها القناعة النابعة من إدراك مكانة الشهيد الحق، يحل ضيفاً في رعاية الله، في كرامة الله، محفوفا بالعناية الإلهية.
السيد عبدالملك بن بدرالدين الحوثي “ما بعد الشهادة- مع فارق لحظة السقوط في حالة الشهادة- يرى نفسه بعد ذلك في ذلك العالم، الله أعلم أين، وقد صار في ظل تلك الحياة في كل أجوائها في ظل تلك الضيافة والرعاية الإلهية الكبيرة والعظيمة، هذه الشهادة ليست مجرد توجه من الإنسان برغبة مادية بحتة، يعني إنسان لم يكن يهمه من الشهادة إلا معانقة الحور العين، وإلا الوصول إلى تلك الماديات، لا، العنوان الواضح في الآيات القرآنية سواء في قوله تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللَّهِ} أو في قوله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} هذا العنوان العظيم المهم الكبير المقدس وهو في (سبيل الله)”.
وفي المناسبة نستلهم “معاني العزة، ولكل ما يساعد الإنسان على الصمود والثبات في مواجهة التحديات، في مواجهة الأعداء الظالمين، الطغاة المستكبرين، ودروس كثيرة ومهمة مثل لفت النظر كذلك إلى أسر الشهداء ومسؤولية الأمة تجاههم وغير ذلك من الفوائد الكثيرة لإحياء هذه الذكرى.”