متى سيكون للأمة العربية مشروع؟
أفق نيوز – حسن سعيد الدبعي
أسئلة كثيرة ومعقدة تتدفق عندما يتأمل المراقب أي شأن من شؤون الواقع العربي لأنه واقع “سائل” يتشكل بحسب الظروف ولا قوام له من ذاته، وهذا لا يعني غلبة إرادة خارجية أو انعدام إرادة عربية بقدر ما يعني أن التضارب بين الإرادات العربية بلغ حداً مريعاً في إلغاء العربي لأخيه العربي حتى صار مجموع “محصلة” الإرادات المتضاربة صفراً أو تدنى إلى ما تحت الصفر ما يستدعي إعادة النظر في الوضع كله وإعادة الاعتبار لمسألة تحرير المشروع الحضاري العربي وإعادة صياغته ليواكب تطلعات الأمة ويحفظ وجودها.
المشكلة أن الفكر العربي شبه معطل لوقوعه بين إرهاب الدولة وإرهاب المتطرفين لذلك يستمر الاعتماد على نماذج فكرية جاهزة، نموذج الماضي الإسلامي نموذج الفكر العربي بتياريه الكبيرين الليبرالي والاشتراكي، وقد تم نسخ التجارب واعتماد الأفكار الجاهزة دون مساءلة عن مدى ملاءمة النموذج المجلوب للواقع الراهن.
وفي سبيل التواصل إلى تلاؤم نظري وعملي بين المشروع الحضاري والأيديولوجيا الموفقة له لا بد من تفكيك هذه المفاهيم المهيمنة على عالم الفكر والاعتقاد بغاية فحص أسسها الأيديولوجية والمعرفية لكشف مفارقاتها وتناقضاتها وغربتها عن الواقع العربي خاصة وأن المتغيرات القومية الجارية تكشف مما لا يدع أي مجال للشك ضرورة بناء الأطروحات والمفاهيم القادرة على استيعاب الواقع الراهن وتطويره وباستشراق آفاق توحيد العرب ومؤسساتهم بناء على فكر مطابق لقضايا الوحدة والتجزئة ومتعلقاتهما، إذ أن الأمة العربية لن تدخل بوابات العصور الحديثة ما لم تتوصل نخبها السياسية إلى صيغة شاملة تنظم الكيانات العربية في دولة وأحدة.
ولا ننكر أن دول أوروبا قد خطت خطوات منسجمة على طريق الوحدة الأوروبية على كافة المستويات، في حين أن العرب الذين تجمعهم أواصر التاريخ واللغة والدين والمصالح المشتركة يتوجهون اليوم إلى التصالح مع العدو أكثر مما يتوجهون نحو المصالحة فيما بينهم، ولنا في ما قامت به دولة الإمارات والسعودية والبحرين والسودان والمغرب أسوة سيئة في هذا المجال.
ولن أطيل في هذا الموضوع فقد بحت أصواتنا المطالبة بتوحيد اللحمة العربية في مواجهة العدو الصهيوني لكنني أذكر فقط أن حزب الليكود يعتقد أن بإمكان إسرائيل أن تحتفظ بالأرض وتفرض السلام بقوتها وضعف العرب وتفرقهم ولا تمانع الولايات المتحدة في ذلك طالما أن السلام الأمريكي يحكم المنطقة غير أن أوروبا المتحدة تخاف على حصتها من خيرات وثروات العرب فتتخذ موقفاً ممالئاً للعرب غير أن أزمة أوروبا هي أنها تبحث عن العرب فلا تجدهم، فمع أي عرب تتحدث؟
إن التحديث ليس كلاماً على ورق بل إعادة تشكيل المجتمع العربي ومؤسساته ولا بد من عناق أبدي بين المشروع النهضوي والتحديث لأن الدولة القومية للأمة العربية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تهتم بشؤون الإنسان العربي ولهذا فإن المشروع الحضاري العربي يمثل ضرورة وجودية لهذه الأمة المتخبطة على كل المستويات.