على بوابة السلام العادل في اليمن
عبدالرحمن مراد
ربما وضعت الحرب في اليمن أوزارها، لكنها في حقيقة الأمر قد أشعلت حروباً أخرى لم تكن في خُلْدِ من يرى في الحرب مخرجاً من أزمةٍ تعصف به، وملاذاً يمكن من خلال النفاذ إلى مراتب متقدمة فيه تجعله يتجاوز عثراته الآنية ليخلق أزمات أكثر تعقيداً وأكثر تهديداً لأمن واستقرار اليمن.
وإذا كانت اليمن قد شَبَّتْ عن الطوق ولم تعد ورقةً على طاولة المصلحة السياسية لدول الجوار والإقليم يمكن اللعب بها وقتما أرادت الرغبات والمصلحة، فإن التنظيمات الإرهابية قد تصبح تهديداً حقيقياً لأمن واستقرار واستقلال اليمن والإقليم طالما والتحالف العربي الذي يغزو اليمن مستخدما تلك التنظيمات أدوات وقوة بشرية وثقافية في إدارة معركته في اليمن, ففي المستقبل المنظور سوف يفقد قدرته على التفاعل مع المعادلات الحقيقية التي يصنعها الواقع السياسي الجديد , وسيكون الأثر على السعودية وعلى الإمارات أشد من غيرهما .
هناك من يتعامل مع مشكلات الحاضر في اليمن من زاوية مصالحه مع الواقع خوف أن تتضرّر تلك الامتيازات , وتبعاً لذلك فنحن نرى عوامل الانهيار تترى وعبارات التهوين والتقليل والتخويف تتعالى , وقد يظل الأمر كذلك حتى يتمكن (علاقمةُ) هذا الزمن من تسليم رأس الخليفة العباسي إلى (هولاكو) كما فعلوا ويفعلون، وما قصة صدام حسين عنا ببعيد.
إنَّ طول الأمد مفسدة، لأنَّه لا يتجدَّد وإن تجدَّد فبقدر حاجته هو، لا بقدر حاجة الناس ومعطيات الواقع وتموجاته, ذلك لأنه يألف الأشياء ولا يريد لها أن تتغير في حين أن واقع تلك الأشياء يجبرها على التبدّل والتغير، ومن هنا ندرك أن الحياة بكل أبعادها صيرورة دائمة وبحث دائم عن الممكنات وهي غير قادرة على الثبات، وإذا ظل الأمر ثابتاً جاءت إرادة الحياة تحمل مشروع التغيير وقد يبدو صغيراً في بدايته لكنَّة إذا عرف الممكن أصبح كبيراً، وعِبرُ التاريخ في ذلك لا تحصى.
إنَّ وحدة الوطن اليمني يجب أنْ تظل مشكاة منها تنبثق المشاريع الحضارية لهذا الوطن، ولا نريد لهذه الوحدة أنْ تتشتت أو أن تتشظى وهنا جوهر القضية، ذلك أننا نرفض الشتات والتمزق ونرغب في التعدّد الذي ينبثق من مشكاة الوحدة ذلك التعدّد الذي يصدرُ عن بعد رؤيوي يحمل معالم مشروع حضاري لهذا الوطن، أما أولئك الذين يحلمون بمشاريع صغيرة قائمة على الشتات والتمزق فلن يرفضهم الواقع إلا في حالة واحدة، وهي أن يكون هذا الواقع متجدداً ويوازي في طموحه مجد الذاكرة الذي يقوم عليه ذلك المشروع , وفي ذات السياق لا بد أن يكون متجاوزاً عثرات الماضي لا مجتراً لها , ومكرراً لظلالها في حياة الناس، ذلك لأنّ المشاريع التي تقوم على قيم الذاكرة حين لا تجد نفسها في الحاضر والمستقبل تستعيد مجدها في الماضي.
والواقع اليوم يفصح بكل بيان ووضوح أن مشكلة اليمن ذات أبعادٍ ثلاثة، هي :
-البعد الأول: يتجلى فيمن يرى نفسه في تجليات الحاضر ولا يجد له أملاً في المستقبل، فأيقظ ذاكرة مجده القديم.. وهذا البعد يتمثل في مشروع السلطنات والمشروع السلفي.
– البعد الثاني: ويتجلى في أولئك الذين ألفوا الأشياء، وأرادوا أن تكون كما هي من الثبات خوف التضرَّر وفقدان الامتيازات والمصلحة ويتمثل هذا البعد في نظام هادي ومن تشيَّع له.
– والبعد الثالث: يتجلى في أولئك الذين اجتهدوا في تشخيص أزمة اليمن وخرجوا برؤية وطنية قائمة على مبدأ الحوار وحملوا على أكتافهم مشروعاً حضارياً يمثلُ رؤيتهم، قد نتفق معهم فيه وقد نختلف لكنه بذرة مشروع بوادره في صنعاء.
إذن.. في تلك الأبعاد تكمن كل إشكالات هذا الوطن، فالصراع يحمل بعداً زمنياً أدركنا ذلك أو لم ندركه فهو بالضرورة فاعل في مجريا ت الحدث، ولعلنا ندرك أنَّ موضوع الحوار لا بدَّ له أن يأخذ البعد التاريخي كبعد مؤثر وفاعل في صنع الحدث ولا بدَّ أن نتحاور معه ونتصالح إن أردنا سلاماً دائماً، والتصالح لا يكون إلا بإشاعة قيم الحق والعدل والسلام، واحترام القانون وتفعيل العمل المؤسسي، والحد من ظاهرة الشخصنة والاختزال، والاستسلام الكامل والمطلق لمبدأ التداول السلمي للسلطة، كحقيقة ذات قيمة لا وهماً “يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً”.
إن نيران الحرب لا تحمل حلاً لإشكالات هذا الوطن ولكنها ستعمل على تعميق الجرح واتساع الهوّة.. وأظن أن الوطن يصرخ بملء فيه في الفرقاء قائلاً:
اجنحوا إلى السلم وتوافقوا في ما بينكم على كلمة سواء بنيات صادقة وقلوب مخلصة، فالداعم للحرب اليوم هو عدوك بالأمس وسوف يكون عدوك في الغد, وليكن في ما مضى لأنفسكم فيه عبرة، فالغريب لن يكون مخلصا إلا لمصلحته وقد تصنع التجربة مخرجاً لمن ألقى السمع أو كان بصيراً.