#مارب وحزب الإصلاح… الظلام يجرف تاريخ مدينة #سبأ
لقرون من الزمن، ظلت مارب شهيرة بهويتها القبلية الضاربة في جذور التاريخ، متمسكة بكثير من العادات والتقاليد والمبادئ والقيم الإنسانية الفريدة، التي جعلت منها مثالا للحرية والنضال، غير أنها تحولت منذ ست سنوات إلى أكبر سجن بشري في التاريخ، بعد سيطرة مليشيات حزب التجمع اليمني للإصلاح عليها، وما نتج عن ذلك من تلغيم للفكر وتفخيخ للقيم وهي تتحول إلى معسكر يضم أكبر تجمّع للمرتزقة في العالم.
الثورة /عبد القادر عثمان
في العام 2014 سيطر التجمع على المحافظة التاريخية، ليحولها إلى وكر للجماعات المتطرفة بما فيها التنظيم الإرهابي، وحين أعلن من أمريكا تحالف عدواني على اليمن في مارس من العام 2015 أعلنت الجماعة التي تسيطر على مارب موقفاً مؤيداً للعدوان وانخرط مقاتلوها (أي الجماعة) كجنود في صف التحالف.
خلال ست سنوات من العدوان عمل الحزب المحسوب على تنظيم الإخوان المسلمين، على نشر أفكاره المتطرفة والإشاعات المغرضة في كل أرجاء المدينة وبقية المناطق التي يسيطر عليها، ما أسهم في تجريف ذلك التاريخ الموروث من القيم والمبادئ والعادات التي تعرف بها مارب، ليتمكن الحزب من فرض سيطرته الفكرية إلى جانب سيطرة مليشياته بقوة السلاح، حتى وصل به الحال إلى تحويل المدينة إلى أكبر معتقل للساكنين والمسافرين وزوار المدينة.
مختطف صومالي
حسن محمد شيخ، صومالي الجنسية، واحد من موظفي السفارة الصومالية في صنعاء، اعتقل في مارب قبل أربع سنوات بينما كان ذاهباً إلى المهرة للبحث عن العمل بعد أن أغلقت سفارة بلاده في العاصمة نتيجة العدوان المستمر على اليمن منذ مارس 2015. تقول زوجته: “ذهبت أكثر من عشرين مرة إلى مارب لأراه غير أنهم لم يسمحوا لي برؤيته سوى مرة واحدة بعد أشهر قليلة من اعتقاله. بالتحديد في مارس 2017، ولعشر دقائق فقط”، وتضيف لـ “الثورة”: “لم يسمحوا لي حتى بالحديث معه. اكتفيت بالنظر إليه من على بعد أمتار”.
حاولت الزوجة الحصول على فرصة أخرى بشكل مستمر، لكن القائمين على تلك السجون لم يسمحوا لها، “بل أنكروا وجوده لديهم مع أنني قابلته بداية اعتقاله” حد قولها، وتضيف: “طلبت من نيابة مارب رفع قضية وإجراء تحقيق في قضية زوجي. كان هدفي أن أرى هل ارتكب جريمة جنائية أو اشتُبه به، لكن الأوراق التي لدي من النيابة وحتى المختوم عليها من قبل مدير سجن الأمن المركزي الذي شاهدته فيه، لم يتم التعامل بها؛ قالوا لي في السجن أنه ليس لديهم”.
تعيش زوجة الصومالي وضعاً صعباً، في ظل اشتداد الأزمة المعيشية على مستوى البلاد من جراء العدوان والحصار، ومع فقدان رب الأسرة ومعيلها الوحيد، وانعدام مصدر الدخل. تردف قائلة: “ليس لنا علاقة بالحرب، نحن من بلاد أخرى وبعد إغلاق السفارة أصبحنا نازحين بلا مأوى، وليس لدي أي مصدر دخل لأصرف على أبنائي الأربعة”.
قانون وانتهاك
تصف الزوجة ملامح الضحية عند مشاهدتها الأولى له بأن “ملامحه كانت على غير عادتها. لعلهم عذّبوه. كان الخوف يكسو وجهه، سمحوا لنا بالكلام بالعربية وكان أحدهم جالساً أمامنا”، وتضيف عن مصيره: “قالت لي المنظمات بما فيها “الصليب الأحمر” إنهم لم يعثروا على أي معلومة عنه، بينما أنكر الجلادون في مارب وجوده لديهم”.
انتهاك صريح للمادتين 39، 42 من مواد القانون الدولي الإنساني، اللتان تنصان على أن من الواجب على الدولة أن توفر للأشخاص المحميين الذين يكونون قد فقدوا بسبب الحرب عملهم الذي يتكسبون منه، فرصة إيجاد عمل مكسب، ويتمتعون لهذا الغرض بنفس المزايا التي يتمتع بها رعايا الدولة التي يوجدون في أراضيها”، وأنه “لا يجوز الأمر باعتقال الأشخاص المحميين أو فرض الإقامة الجبرية عليهم إلا إذا اقتضى ذلك بصورة مطلقة أمن الدولة التي يوجد الأشخاص المحميون تحت سلطتها”.
نقطة الفلج
حسن شيخ واحد من بين آلاف الضحايا الذين غيبتهم سجون الإصلاح في مارب، بينما كانوا في طريقهم للسفر إلى خارج اليمن بعد إغلاق مطار صنعاء وإجبار المسافرين على المرور بالمحافظات المحتلة خلال السفر، حيث تضم مارب 48 سجناً للمعتقلين والأسرى والمختطفين من أبناء المدينة، كما جاء في تحقيق سابق للثورة بعنوان “غوانتانامو مارب”.
من بين أولئك التاجر محمد سلبة الذي لم يفرج عنه إلا بصفقة تبادل للأسرى، بعد نهب الدينّة التي كان يقودها قادما من شبوة باتجاه صنعاء، وابن عمه إبراهيم سلبة الذي ذهب بطلب من زملاء له في مارب، وكذا الدكتور مصطفى المتوكل الذي لا يعرف مصيره حتى اللحظة والدكتور أمير الدين جحاف، صاحب كتاب “رحلة خلف القضبان” الذي يروي معاناة معتقلات مارب وجحيم العذاب في زنازينها، وإلى جانبهم مئات الضحايا الذين اتخذ منهم حزب الإصلاح وسيلة يستفيد منها في عمليات تبادل الأسرى مع القوات المسلحة، رغم أنهم مدنيون ومنهم من يعيشون في مدينة مارب.
وبحسب ما يرويه معتقلون سابقون فإن نقطة الفلج على مدخل مارب تمثل محطة لاصطياد المسافرين والزج بهم في سجون غير صالحة للاستخدام الآدمي من كافة الجوانب، ومن ثم ممارسة التعذيب بحقهم بشكل متواصل، ما قد يؤدي إلى الوفاة في بعض الأحيان.
اختطاف النساء
لم يكتف حزب الإصلاح باعتقال الرجال، بل تجاوز ذلك إلى اختطاف النساء واقتحام المنازل وقتل أسر بكاملها، ففي يناير من العام 2018 اعتقلت سميرة مارش، أم لفتاتين وولد، من حزم الجوف، تقول والدتها: “هجم علينا مجموعة من الملثمين في الثانية فجراً، أخذوا سميرة من بين أطفالها، إلى الاستخبارات في مارب، رغم أنها لم ترتكب أي جريمة”.
وتضيف في حديث إلى “الثورة”: “بقيت ستة أشهر أحاول الوصول إليها لأطمئن على صحتها لكنهم أنكروا وجودها، وبعد ثمانية أشهر اتصلت بي وكان صوتها متعباً، سألتها إن كانت قد اقترفت ذنباً استحقت عليه السجن لكنها أخبرتني أنها بريئة مما قد ينسبونه إليها وأنها لا تعرف لم اختطفوها”.
تردف ودمعها ينهمر من عينيها، ليس لي علم ما الذي أفعله، تعبت من وجع قلبي على ابنتي، وأطفالها مسؤوليتي وإني غير قادرة على الاعتناء بهم”. وتزيد وهي تشير إلى يديها المصابتين بالحروق: “لست قادرة حتى على طباخة الأكل لهم”.
تناشد والدة سميرة كل ذي ضمير حي أن يعيد لها ابنتها، “ليس لهم عندها شيء. ابنتي مسكينة لم تؤذ أحداً ولم تسرق مال أحد ولم تعتد على أحد، ما الذي يدفعهم لسجن امرأة بريئة!”، كما تدعو “أهلي وقبيلتي وسندي في أرحب وقبائل مارب بالوقوف الجاد معي لإخراجها بأي وسيلة لأنها ليست مدانة”، على حد قولها.
أسرة كاملة
وفي يوليو من العام الماضي أقدمت مليشيات الإصلاح على اقتحام منزل الشيخ محسن سبيعيان ونفذت بحق أسرته جريمة تصفية جماعية، ليلقى بالتهمة على قبيلة عبيدة ومن ثم يتم احتسابها كعملية أمنية ناجحة تستهدف خلية تتبع أنصار الله، ليعقبها عمليات انتهاك بحق السكان في المدينة ومخيمات النازحين بالذريعة ذاتها.
من بين أولئك الشابة صفاء الأمير التي توفيت في يناير الماضي تحت التعذيب في سجن الاستخبارات التابع للجماعة في مدينة مارب، بتهمة انتماء والدها لأنصار الله، حيث تشير مصادر حقوقية إلى أن الشابة صفاء توفيت تحت التعذيب في سجن تديره الاستخبارات بمارب، بعد نحو شهر من اعتقالها بتهم منسوبة لوالدها العميد خالد الأمير.
وفي يناير أيضا، أقدم المرتزقة على بيع ثمان فتيات من المدينة لقيادة العدوان، الأمر الذي تحول إلى قضية رأي عام، لتظهر بعد ذلك وثيقة يطالب فيها المرتزقة من ضباط سعوديين إعادتهن لتخفيف الضغط المجتمعي.
مدينة مظلمة
خلال ست سنوات خلقت جماعة الإصلاح صورة قاتمة عن مدينة مارب، فإلى جانب تحويلها المدينة إلى سجن مظلم يعكس التاريخ الأسود للجماعة، أحالتها أيضا إلى معقل رئيسي للتنظيم الإرهابي، الذي يقاتل إلى جانب المرتزقة وقوات الاحتلال ضد الجيش واللجان الشعبية، كما يؤكد ذلك تحقيق سابق للثورة، وبحسب تصريحات التنظيم نفسه.
تضم مارب اليوم مرتزقة من كافة المحافظات إلى جانب العناصر الإرهابية والاحتلالية ما جعل أبناء مارب نفسها فاقدين قرار إدارة محافظاتهم وتحديد مصيرها، ومع اقتراب الجيش واللجان الشعبية من تحريرها تصاعدت انتهاكات قوى الاحتلال بحق المحافظة ما جعل أبناء مارب يضيقون ذرعا بمن يحكمهم، وهو ما يؤكده الإقبال الكبير من أبناء مديريات وقبائل المحافظة على الانضمام إلى الصف الوطني.