حملة النظافة وما قل منها
أفق نيوز – بقلم – عبدالرحمن الأهنومي
استجابة لتوجيهات قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بإطلاق حملة نظافة لاستقبال الشهر الكريم شهر الصيام والقيام والإيمان ، انطلقت أمس السبت حملات تنظيف واسعة رسميا وشعبيا في العاصمة صنعاء وفي المحافظات ، ومن خلال التفاعل ظهر أنه كان كبيراً من الشعب عامة ومن المسؤولين أيضا ، فمنذ الصباح الباكر حتى وقت متأخر من ليلة أمس تواصلت أعمال التنظيف ورفع المخلفات والأتربة والقمائم من الشوارع وهذه هي المرة الأولى التي نشهد فيها حملة تنظيف بهذا الحجم الكبير والزخم الواسع والأثر الملحوظ في يومها الأول ، فقد جاءت استجابة لتوجيهات القائد السيد حفظه الله ، كتجسيد للحالة الإيمانية الواعية والحضارية وانطلقت بمساهمة وتعاون الجميع وبجهودهم.
النظافة من الإيمان وهي ركيزة من ركائزه ، ونحن شعب الإيمان والحكمة المفترض بنا أن نجسد الإيمان في سلوكنا وفي مظاهرنا كما هو في اعتقادنا وفي قيمنا ومبادئنا التي نلتزمها ، ولهذا قدمها السيد القائد حفظه الله ضمن كلمته الإيمانية التي ألقاها تهيئة لشهر رمضان الكريم، وأوردها ضمن الموضوعات الإيمانية التي تتعلق بها حالة التزود بالتقوى واستغلال فرصة شهر رمضان الكريم بما فيه من فضل عظيم ميزه الله على سائر الشهور ، لما للنظافة من أثر في نقاء النفوس وطهارة الأرواح فمن المهم أن نستقبل رمضان بشوارع ومنازل ومقرات ومكاتب ومدن نظيفة.
السيد القائد حفظه حين اعتبر النظافة أمراً إيمانياً هاماً ينبغي أن نستقبل بها شهر الله الكريم ، وضعها ضمن كلمته في استقبال شهر رمضان الكريم التي أشار فيها إلى أبواب التزود بالتقوى خلال الشهر الكريم بالإحسان والعبادة والقيام والصيام والتلاوة وغيرها ، إدراكا منه لما تمثله النظافة من قيمة إيمانية لها أثرها في الحياة ، وبالقدر الذي عرفنا من خلال كلمة السيد أن النظافة أمر تالٍ للورع والتقوى ، فإنها سلوك يرتبط بشكل وثيق بالإيمان الذي يحمله الفرد ، وتعيشه الأمة ، الإسلام اعتبر النظافة من الإيمان واعتبر إماطة الأذى من الطريق شعبة من شعب الإيمان ، وحتى في الأديان الأخرى التي تعبدت بها أقوام ظل الحفاظ على النظافة أمراً ضرورياً لديها ولنا في اليابان نموذج ماثل ، واليابانيون أمة لا تدين لله لكنهم يقدسون النظافة إلى مستوى اعتبارها جزءاً أساسياً من تدينهم لبوذا.
يُفاجأ غالبية من يزورون اليابان للمرة الأولى بمدى النظافة التي تسود اليابان ويزيد من دهشتهم عدم وجود صناديق للقمامة أو كناسين في الشوارع، وهو ما يثير تساؤلا مفاده: كيف يمكن أن تبقى اليابان إذاً على هذه الحالة من النظافة الشديدة ، والإجابة البسيطة تتمثل في أن ذلك يعزا إلى المواطنين الذين يُبقون وطنهم نظيفا بهذا القدر ، لقد وصلوا إلى درجة عالية من الوعي والإدراك بأهمية النظافة وقيمتها ، حتى باتت الحياة اليومية لليابانيين مقرونة كلها بالنظافة التي تعد جزءاً من حصص التلميذ في المدرسة ، وجزءاً من طقوس الكهنة في المعابد ، وجزءاً من عمل الموظف في مقر عمله ، على سبيل المثال، ينهمك موظفو المكاتب وعمال المتاجر في الثامنة تقريبا من صباح كل يوم، في تنظيف الشوارع المحيطة بأماكن عملهم ، كما يتطوع الأطفال للمشاركة في عملية تنظيف شهرية، تشمل الطرق القريبة من مدارسهم ، تنظم السلطات المسؤولة عن إدارة شؤون الأحياء، فعاليات دورية لتنظيف الشوارع.
لا يوجد الكثير مما يمكن تنظيفه بالمناسبة، لأن الناس يأخذون نفاياتهم معهم لإلقائها في سلال القمامة بمنازلهم ، يتعلم الطفل الياباني في المدرسة أن النظافة مسؤولية ووعي ، يشكل الوقت المخصص للتنظيف بالنسبة للتلميذ جزءاً من جدوله اليومي ، في المنزل يتولى الوالدان تعليم الأولاد أن الحياة غير ممكنة إلا بالنظافة ، قامت اليابان بتضمين المناهج الدراسية هذا العنصر المرتبط بالوعي المجتمعي، وعملت على تطوير وعي التلاميذ بما يحيط بهم من أشياء، وفخرهم بها كذلك .
حين يصل التلاميذ اليابانيين إلى المدرسة يخلعون أحذيتهم ويتركونها في أدراج مغلقة ، يتعلم الياباني النظافة في المنزل ثم نظافة المدرسة ، يتسع نطاق مفهومه لطبيعة ما يشكل مساحته الخاصة التي يتوجب عليه الاهتمام بنظافتها من المنزل ثم إلى الفصل ثم الحي السكني فالمدينة ومن ثم الوطن ، وهكذا باتت اليابان نظيفة وبات اليابانيون يسخرون من الأوروبيين وغيرهم حين ينظرون إليهم وهم يرمون المخلفات في الشوارع ولا يقومون بأخذها معهم إلى أماكنها المخصصة.
ليس اليابانيون من فصيل بشري مختلف حتى صارت بلادهم بهذا النحو من الجمال والنظافة ، لكنهم جعلوا من النظافة قيمة محورية لحياتهم ، أدركوا أهميتها وفهموا واستوعبوا قيمتها وعلموها أجيالهم كذلك بالمنهج والتربية والسلوك ، ونحن لابد أن نصل إلى هذا المستوى وأن نبدأ الآن.
أحسن الجميع في تفاعلهم الكبير والواسع مع الحملة التي دعا لها قائد الثورة المباركة ، أحسنوا بخروجهم من الصباح الباكر وحتى وقت متأخر من المساء ، أحسنوا باستجابتهم لتوجيهات القائد حفظه الله ، أحسن المسؤولون في الاهتمام والتحرك في السياق نفسه ، وأحسن المحافظون وأمين العاصمة أيضا بتفاعلهم وخروجهم وأحسن الوزراء وقيادات الدولة ورؤساء المؤسسات والدوائر الحكومية بالتفاعل الإيجابي ، وأحسن الموظفون أيضا ، وأحسن المواطنون في الاستجابة العملية لتوجيهات القائد السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي ، والأمل سيظل قائما في أن نجسد حالة الإيمان الذي أراده الله لنا كمسلمين وكشعب الإيمان والحكمة ، وفي أقل حال أن تصيبنا عدوى النظافة اليابانية ، ونغرس هذه الثقافة في وعي أطفالنا بدءاً من المنزل ، ثم المدرسة ثم الجامعة ثم الوظيفة ثم الوطن كله.
كما لا أفوت في هذا المقال تسجيل بعض النقاط التي أراها مهمة وهي على النحو التالي:
كان التفاعل كبيراً وواسعاً والمواطنون في الشوارع يقومون بالتنظيف وجمع القمامات ، لكن كثيراً من الشوارع غابت عنها معدات النقل للقمامة ، وهذه النقطة يجب التنبه لها من المعنيين.
تنظيف صنعاء والمدن والمحافظات يعني ألاّ نترك مناطق بكاملها تعيش تحت وطأة القمائم وخصوصا في الأحياء النائية داخل العاصمة صنعاء وفي مناطق بمحافظة صنعاء وفي عواصم المحافظات الأخرى كذلك ، وأذكر على وجه أخص المناطق التي لم يتم سفلتة كل شوارعها في الأمانة وفي المحافظة لا بد أن نجسد التوجيه بالاهتمام في كل مكان.
صناديق النظافة والتحسين مقصرة في مهمتها وما زالت تصر على مستوى محدد من الأداء في هذا الإطار ، وهذه المناسبة فرصة للتطوير والاهتمام أكثر.
المواطنون.. يتصرف البعض منهم وكأن الشارع والرصيف وباب المنزل مقلب قمامة يرمي بما شاء وأنى يشاء فيها ، يأتي المواطن إلى المحل يشتري غرضاً معيناً وأول عمل يقوم به هو رمي الكيس البلاستيكي في باب المحل ، يأتي صاحب المحل نهاية اليوم ويقوم بكنس كل تلك المخلفات إلى الشارع العام ، وهكذا تبدأ دورة الطيران صعودا وهبوطا للأكياس الفارغة في الشوارع التي تزدحم فيها محلات بيع الملابس على وجه أخص ، أما أسواق القات وأصحاب البسطات فحدث ولا حرج ، يجب أن توضع تعليمات واضحة وملزمة للجميع من المواطن وكيف يتصرف مع القمامة ، إلى صاحب المحل والبسطة والمقوت وصاحب المطعم…إلخ، ومن يخالف التعليمات يتم فرض العقوبات اللازمة عليه وتغريمه ومحاسبته.