منذ نحو 48عاماً وتحديداً في الثلاثيين من نوفمبر من كل عام يحتفل الشعب اليمني بعيد الاستقلال الوطني وجلاء آخر جندي بريطاني من عدن الحبيبة, غير أن الاحتفال بهذه المناسبة الوطنية العظيمة هذا العام يتميز باستثنائية مؤلمة فالاحتلال الذي حمل عصاه ورحل من الباب يعود راهناً من الشباك وبصور أكثر فضاضة تحت أجندات مختلفة وذلك في محاولة لإعادة إنتاج ماضي الاستعمار الذي يبدو أنه وسع شهيته إذ لم يعد يكتف ــ فقط- بالاستحواذ على الميناء الحيوي في عدن وإنما يطمح للسيطرة على مضيق باب المندب الذي يمثل هو الآخر أهمية استراتيجية وحيوية بالنسبة للتجارة العالمية.
ومن المؤكد أن أدوات الاستعمار الجديدة التي تعبث بأمن اليمن وتقتل أبناءه وتدمر إمكاناته وموارده وتحتل أجزاء من أراضيه وتحاصره في المأكل والدواء وكافة احتياجاته الإنسانية هذه الأدوات التي تمثلها مملكة آل سعود ومشيخات الخليج لا تدرك ــ كما يبدو ــ الفخ الذي نصبه لها الاستعمار الجديد بهدف ابتزازها وإقحامها في أتون حرب مدمرة تستنزف مواردها على المديين القريب والمتوسط, فضلا عن أنها لن تقوى في نهاية المطاف على كسر إرادة الإنسان اليمني مهما كانت طبيعة المؤامرة وخلفيتها وأبعادها التي تأتي في سياق حلقات التآمر على الأمة العربية بأكملها.
وما من شك أن الاستعمار وأدواته الضالعة في حربها على اليمن ومحاولة إعادة تجزئته وتقسيمه وضرب نسيجه الوطني قد غاب عنها كليا أو جزئيا حقائق التاريخ والجغرافيا في قدرة اليمنيين على استنهاض روح البطولة والفداء في الذود عن حياض الوطن ومجابهة التحديات القائمة والمفروضة والاستبسال في مقاومة صلف العدوان وجبروته، متسلحاً بإيمان لا يتزعزع بالانتصار ودحر هذا العدوان ورفع الظلم والحفاظ على دولته الوطنية المستقلة وفوق كامل ترابه الوطني مهما كانت التضحيات.ولأن التاريخ يعيد نفسه فإن بعض اليمنيين ــ مع الأسف الشديدــ لم يتعلموا من أخطاء ودروس سابقيهم الذين استنجدوا بالخارج لاحتلال بلدهم، إذ كانوا أول من دفع ثمن هذه الخيانة التي لم تورث لهم في الماضي والحاضر غير الخزي والعار، فضلاً عن الأضرار التي تلحق بوطنهم..
وهو ما ينطبق اليوم على الساسة الذين هرولوا إلى الخارج لاستقدام الغازي المحتل عوضاً عن تغليب مصلحة الوطن واللجوء إلى الحوار في الداخل وخلق أرضية مشتركة بين كافة الأطراف المعنية ومحاصرة الأزمة منذ بداياتها، الأمر الذي سيندمون عليه ولكن بعد فوات الأوان باعتبار أن التاريخ سيكتب ذات يوم أنهم عجزوا عن التوافق في ما بينهم.. وبالتالي قدموا وطنهم هدية مجانية للغازي والمستعمر، سواءً جاء ذلك تحت سيف المملكة أو دشداشة الإماراتي.!