رغم سني العدوان: صمود التعليم في اليمن
أفق نيوز- سراء جمال الشهاري
في بداية عام دراسيٍّ يمني جديد تنشط العملية التعليمية في كافة المحافظات الحرة بزخم وحضورٍ كبير، وباهتمام رسمي وشعبي يتجاوز عراقيل وصعوبات سبعة أعوامٍ من القتل والحصار، والتدمير للتعليم.
أكثر من 3700 مدرسة ومنشأة تربوية طالتها نيران العدوان الأمريكي السعودي، منها ما صار ركامًا، ومنها ما شُلَّ عن العمل بسبب الأضرار الكبيرة التي لحقت بها، كما أن مرتزقة العدوان قد صيّروا الكثير من المدارس ثكنات عسكرية خاصة بهم.
لقد كابد طلاب ومدرسو اليمن تحت وطأة العدوان الأمريكي السعودي آلامًا كبرى، وواجهوا مباشرةً نيرانه في مدارسهم، في انتهاك صارخٍ لكل القوانين والأعراف الدولية. ولحقتهم معاناة اقتصادية ومعيشية مضنية جراء الحصار، وعلى إثر نقل البنك المركزي إلى عدن المحتلة.
حرمت قوى تحالف العدوان المعلمين اليمنيين من مستحقاتهم وأجورهم، وما يزال معلمو اليمن في كفاحٍ وبقية شرائح المجتمع، ومواجهة لظى الحرمان وتفاقم الأوضاع المعيشية، ولكن دونما استسلام.
يصرّح نائب وزير التربية والتعليم بحكومة الانقاذ الوطني الأستاذ قاسم الحمران في حديثٍ خاصٍ بموقع “العهد” الإخباري أن “العدوان قطع مرتبات أكثر من 150 ألف معلم ومعلمة جراء نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، فحرموهم من حقهم المالي والذي يمثل عاملاً مساندًا لتأدية مهامهم التربوية والتدريسية. وتسبب العدوان بصورة مباشرة بحرمان أكثر من ستة ملايين طالبٍ وطالبة من الكتاب المدرسي، بسبب عدم توفر السيولة المالية التي تمكن مؤسسة المطابع من طباعة المنهج الدراسي، وهذا بحد ذاته يعتبر أمرًا مؤسفًا جدًا، أن يحرم الجيل من حقه في التعليم تحقيقًا لرغبات قوى العدوان الخبيثة ونزواته الشيطانية”.
يشير الحمران إلى أن “العملية التعليمية في اليمن تعرضت لعدة فصولٍ من الاستهداف، وما العدوان الأمريكي السعودي إلا الفصل الأخير من فصولها للقضاء على آخر بصيص أملٍ يمكن أن يشع، خاصةً بعد نجاح الثورة الشعبية المباركة، ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، التي أعادت لليمن استقلاليته وحريته، وجعلت الأمريكي يفر من صنعاء هاربًا”.
ويوضح نائب وزير التربية والتعليم أساليب استهداف العدو للتعليم في السابق في حديثه لـ”العهد” الإخباري: “تلك الفصول المظلمة تمثلت في استهداف المناهج الدراسية بالفكر الوهابي والداعشي عبر السعودية والسفارة الأمريكية، فأصبحت مناهج تعزز الاختلاف والفرقة، وترسخ ثقافة الذبح للمسلم، والعداء بين أبناء الأمة العربية والإسلامية، بينما تدعو للسلام والتعايش مع أعداء هذه الأمة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تحركت أمريكا عبر سفارتها في صنعاء، وكرّست جهودها للاستعمار الفكري والنفسي لأبناء الإيمان وتولت إدارة شؤون وزارة التربية والتعليم، وسَعت لإعادة تأليف المناهج الدراسية، وتغيير ثقافة المعلم في الميدان، من خلال التدريب على المنهجية الأمريكية الجديدة ببرامج تدريبية كانت تسمى اتفاقاتٍ ثقافية. وهم باستهدافهم للمنهج والمعلم استهدفوا كل طلاب اليمن”.
ويعلق الحمران على ممارسات الماضي التي أضرّت بالمؤسسة التعليمية لعقودٍ طوالٍ بالقول “نحن نعتبر كل ما قاموا به إفسادًا ثقافيًا وفكريًا واجتماعيًا، وإفسادًا للعلم والتربية”.
ويتصدى اليمنون اليوم بثباتٍ لمحاولات العدوان لافشال العملية التعليمية أو حرفها عن مسارها، ولكن تبقى أمام المؤسسة التربوية جملة من التحديات التي صنعها العدوان الأمريكي السعودي، يذكر نائب وزير التربية والتعليم بعضًا منها لـ”العهد” الإخباري: “على سبيل المثال لا الحصر، توفير المرتبات للكادر التربوي، وتوفير الكتاب المدرسي، وإعادة توزيع النازحين من مناطق المواجهة مع مرتزقة العدوان (معلمين وطلابًا)، وإعادة ترميم وبناء المباني المدرسية المقصوفة، وتوفير التجهيزات المدرسية من وسائل تعليمية ومعامل وغيرها، وإزالة مخلفات العدوان من ألغامٍ ومتفجرات في المدارس والأحياء التي يحررها الجيش اليمني واللجان الشعبية من قبضة العدوان ومرتزقته، كلها اشكاليات وتحديات قائمة”.
وقد نجحت وزارة التربية والتعليم في إيجاد بعض الحلول والمعالجات للوضع الراهن، واتخذت تدابير متعددة تأتي ضمن الخطة الطارئة في إطار الرؤية الوطنية لحكومة الإنقاذ الوطني. ومن تلك التدابير إقامة دورات تدريبية وتوعوية ومهارية للمعلمين والتربويين، وتوفير مصادر التعلم المساندة لدور المدرسة والمعلم كالبرامج التدريسية عبر القناة التعليمية، وإنزال المناهج الدراسية عبر موقع الوزارة في مواقع التواصل الاجتماعي. واستطاعت الوزارة توفير مبلغ مالي شهري للمعلم من صندوق دعم العملية التعليمية، وتتابع الحكومة صرف نصف مرتب للمدرسين من فترةٍ لأخرى.
تعتبر الجبهة التربوية منذ بدء العدوان وإلى اليوم جبهةً مشتعلةً. معلمو اليمن رغم كل المعاناة والألم مستمرون في بناء أجيال الغد، فقد سارع كل من لديه المؤهلات اللازمة للالتحاق بالمدارس الحكومية، والتدريس فيها بشكلٍ طوعيّ منذ قطع رواتب مدرّسي الحكومة، استشعارًا منهم بمسؤوليتهم تجاه أبنائهم، وأن التعليم لا بد أن يستمر رغم أنف العدوان.
يتحدث الحمران عن مسارات النصر في جبهة التعليم لـ”العهد” الإخباري: “مع كل تلك الاعتداءات، إلا أننا نلحظ في سابع أعوام العدوان مؤشرات التعافي والصمود وبداية العودة الصحيحة، ليصبح التعليم نهضويًا، ويبني أمة متماسكة وقوية. وتجلت هذه المؤشرات في جانبين: الأول هو استمرار العملية التعليمية والتدريسية دون انقطاع، وهذا يعطينا مؤشراً إيجابياً أن هذه الجبهة لم يتمكن العدوان من اسقاطها والسيطرة عليها،
والجانب الثاني يتمثل في حجم المعرفة التي يحصدها الطالب، وجودتها في البناء العلمي والمعرفي، وتراكم الخبرات ونمو المهارات. ففي هذه المرحلة الاستثنائية، نعتبر نتائج الشهادة الأساسية والثانوية مؤشرًا لقياس المعرفة التي يحصّلها الطلاب، وقد حقق طلاب الشهادة الأساسية والثانوية نسبة نجاحٍ عالية وبعلاماتٍ مرتفعة. كما يتجلى ذلك في تحقيق النجاحات المبهرة في اختبارات القبول في الجامعات اليمنية، وأيضًا قبول الشهادة التي تصدرها صنعاء في جامعات الدول العربية والإسلامية”.
في التعليم أو غيره يسطر اليمنيون ملحمة نصرٍ للأمة والتاريخ، هي سبعة أعوام من أكبر عدوانٍ يشهده العصر.
المصدر / موقع العهد