أفق نيوز
الخبر بلا حدود

ثورة 21 سبتمبر: بداية المفاجآت اليمنية

188

عبد الحسين شبيب

لم تنل ثورة 21 سبتمبر 2014 التي قادتها “أنصار الله” في اليمن حقها من الاستعراض والنقاش والتحليل بوصفها متحولًا استراتيجيًا في منطقة فائقة الحساسية، ذلك أن الحرب التي شنها تحالف إقليمي بدعم دولي بقيادة السعودية بعد 6 أشهر من انتصار تلك الثورة هدفت بالدرجة الأولى الى احتواء مضاعفاتها والانقضاض عليها قبل أن يقوى عودها ويتزايد تأثيرها. والأسباب التي دفعت الى شن تلك الحرب المستمرة منذ 7 سنوات ونيف تتركز على التالي:

1 – احباط النموذج اليمني الناجح في إطلاق وإدارة ثورة شعبية في جوار خليجي يتسم بالحكم الوراثي المطلق – إلا ما ندر – ويعتمد في صناعة السلطة وتداولها على سلالات عائلية وعلاقات قبلية ودعم خارجي أميركي بريطاني بالتحديد ولا يوجد فيها للشعب أي مشاركة فاعلة في انتاج تلك السلطات وتداولها.

2 – الحؤول دون إقامة نظام سياسي في صنعاء يأخذ بيد اليمنيين نحو إقامة دولة مستقلة بالفعل وليس بالشعار، وذات سيادة حقيقية بالممارسة وليس بالنصوص، ويكون لتلك الدولة اليمنية الجديدة – الحديثة الصلاحية المطلقة في تحديد سياستها الخارجية واختيار الصديق من العدو بعد ان تتخلص من الارتباط الكلي بالإدارتين الأميركية والسعودية اللتين أدارتا منفردتين أو بالتشارك السياسة اليمنية لعقود خلت قبل تاريخ 2014.

3 – المشروع الثقافي القرآني الجهادي لحركة “أنصار الله” كان العنصر الذي فاقم القلق لدى كل من الرياض وواشنطن وعواصم أخرى في العالم والاقليم من هذا المتغير الاستراتيجي الذي سيطلق لاحقاً مساراً متصاعدا من المفاجآت اليمنية انطلاقاً من بعد ايماني في إدارة الشأن العام، والذي تميز بجرأة استثنائية في خوض غمار تلك التجربة الثورية متكئا على ارث من حروب ست واجه فيها البطش الداخلي لنظام علي عبد الله صالح بإيعاز أميركي واعانة سعودية، ومن ثم مشاركة فعالة في ثورة فبراير 2011 اليمنية قبل ان يتم اكتشاف حقيقة من يتلاعب بأحلام اليمنيين بالتغيير وكيف اخذوا الى وصاية دولية بموجب ما سمي المبادرة الخليجية المشفوعة بقرارات من مجلس الامن الدولي بوضع اليمن تحت الفصل السابع مع ما يعنيه ذلك من تشريع اممي للتدخل الدولي الأميركي والمتعدد الجنسيات في شؤون هذا البلد.

من هذه النقطة بالذات كانت المفاجأة الأولى التي حققتها ثورة 21 سبتمبر بالإطاحة بتلك الوصاية الدولية التي عاثت فسادا في اليمن على مدى 3 سنوات عبر منظومة عبد ربه منصور هادي وعلي محسن الأحمر ومن بينهما من تركيبة متعددة الاضلاع من شركاء النظام السابق ممثلين سياسيا بحزبي التجمع اليمني للإصلاح والمؤتمر الشعبي العام واطر قبلية ومناطقية وشخصية تشاركت في إدارة تلك المرحلة بإشراف أميركي سعودي أيضا.

المفارقة التي أحدثتها ثورة 21 سبتمبر انها كسرت تلك القاعدة التي اتكأت عليها ما عرفت بثورات الربيع العربي التي قامت على دعم خارجي محض اتخذ أشكالا مختلفة من التعبير عنه كانت ذروته في تحول ما سمي بالثورة السورية الى حرب دولية إقليمية على سوريا. وبالتالي كان حراك اليمنيين بقيادة “أنصار الله” ينطلق من دون أي رعاية خارجية ورفضا لأي استدعاء خارجي ثم وصاية خارجية ونجحت في ذلك رغم الطوق المحكم الأميركي الخليجي عبر تلك المبادرة الوصاية – المشؤومة.

كان ذلك تحديا كبيرا يحتاج الى شجاعة الاقدام والاستمرار وحماية الإنجاز وهو ما حصل بالفعل بحيث ان من اولى نتائج تلك الثورة اقفال سفارات دول الوصاية القديمة والجديدة وعلى راسها سفارة الاميركيين الذي تفاجأوا من السرعة في الحسم والسيطرة والامساك بالأرض بتقنيات مزجت بين الشعبي والعسكري والإعلامي، وغادروا (الاميركيين) بوساطة عمانية تاركين وراءهم مشروعا عملوا على بنائه لعقود عدة في هذا البلد ذي الموقع الاستراتيجي في زاوية بحرية خطيرة جدا وفي جوار قريب من نزاعات مقلقة، وهذه هي المفاجأة الأخرى التي صدمت الاميركيين بسرعة سقوط هذا البلد من يدهم ودخولهم في مرحلة من التيه والتخبط في التعامل مع المستجدات فاخرجوا من واشنطن “عاصفة الحزم” كمحاولة لإسقاط تلك الثورة واحتواء مفاعليها.

هنا أيضا وقع الجميع من جديد في فخ التقدير الخاطئ لما ستؤول اليه الحرب ليظهرَ مرة أخرى وفي ساحة هامة جداً فشلٌ استخباري بحثي لدى صانع القرار الأميركي في ان تلك الموجة العنيفة من العاصفة ستطيح بالثورة سريعا، قبل ان تمر سنين قصيرة جدا في عمر التحولات الكبرى ليعترف هؤلاء ويلمسوا بالدليل الحسي كيف قادت “أنصار الله” اليمن الى مرتبة اللاعب الإقليمي الهام جدا بعد ان اتمت بنجاح ترتيب البيت الداخلي وإنتاج سلطة تدير بلداً يتعرض لعدوان شرس ويخضع لحصار وحشي وتحبط مؤامرات داخلية خطيرة كالتي قادها علي عبد الله صالح والتي أدت الى مصرعه.

لذا ثورة 21 سبتمبر لا تقرأ بوقائعها فقط انما بنتائجها ما قبل الحرب وما بعدها بحيث أعادت انتاج فريق يمني سياسي اداري عسكري أمنى ثقافي اعلامي يدير السلطة الجديدة بكفاءة تختلف كليا عن كفاءة الفريق الذي يدير المناطق الخاضعة للاحتلال السعودي الاماراتي والتي تحولت الى مناطق صراع دموي وفوضى امنية واجتماعية عارمة. وهي بذلك تعيدنا الى نقطة الابهار الأولى في ذلك الحدث الاستثنائي الذي كان سيجذب الشباب العربي في الجوار وغيره الى خوض تجربة مماثلة بالاعتماد على منطلقات ايمانية مختلفة عن تلك التي استثمر فيها البعض في الإسلام السياسي بطريقة انتهازية انتهت بهم من اخفاق الى آخر.

فليس صدفة انه بعد عشر سنوات وعشرة أيام بالتمام والكمال على استشهاد مؤسس أنصار الله السيد حسين بدر الدين الحوثي في العاشر من سبتمبر عام 2004 في ما بات يعرف يمنيا بالحرب الأولى التي شنها نظام علي عبد الله صالح على محافظة صعدة التي انطلق منها الشهيد الحوثي، ليس صدفة انه بعد هذه المدة القصيرة انتصرت ثورة 21 سبتمبر بقيادة أنصار الله وأصبحت قطب الرحى في الحياة السياسية اليمنية وباتت طرفا مؤثرا في النشاط الإقليمي ومكوناً آخر من مكونات محور المقاومة في الانخراط بقضايا الامة، وهذا العمر القصير جداً زمنياً في التحول من صعدة الى صنعاء الى المجال الخارجي يعتبر ملفتا جدا في رصد وتحليل وفهم نمو الظواهر السياسية التي تحتاج فترات أطول بكثير من عقد. وهذه نقطة مركزية في فكرة المفاجآت اليمنية التي بدأت تظهر تباعاً الى ان بات اليمن -على سبيل المثال لا الحصر – عنواناً إضافيا في هذه الأيام لمعادلات الصواريخ الباليستية والطيران المسير وفوقهما مكان جديد لانتصار إضافي ذي قيمة استثنائية في مواجهة النظام العالمي الذي تديره الولايات المتحدة ولا يخرج عنها الا القليل من الدول والقوى التي يدأب السيد عبد الملك الحوثي على توجيه الشكر لها في كل مناسبة لوقوفهام الى جانب الشعب اليمني ومظلوميته.

على أن المفاجأة الأبرز التي تكرست بشكل لافت أيضًا هي تمكن هذه القيادة الشابة من الأخذ بيد شعبها من الثورة الى الدولة الى الانتصار في الحرب مع فارق المؤهلات والخبرات والامكانيات في مراكز صنع القرار في تلك الدول التي تناصب اليمنيين العداء ورغم ذلك كان سقوطهم وفشلهم مدويا مقابل سطوع قيادة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي لتصطف ثورة 21 سبتمبر الى جانب الثورة الإسلامية في إيران التي كانت عنوان التحول الاستراتيجي الأكبر والمفاجأة الأبرز في العقود الأخيرة من القرن الماضي وتكون الثورة اليمنية متحولاً استراتيجياً أبرز في العقد الثاني من القرن الحالي ستتمظهر نتائجه وتجلياته تباعا، اما ما لا يفاجئ اليمنيين واصدقاءهم فهو ان كل ذلك هو من يقينيات الحقيقة القرآنية الإلهية التي تعد المؤمنين بالنصر دائماً وبالمزيد منه.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com