إعدامُ الأسرى في الساحل.. جرمٌ أسودُ لن يُنسى
أفق نيوز – تقرير – منصور البكالي
يصعُبُ تصديقُ ما حدث من تنكيلٍ وتمثيلٍ بجثث الأسرى في جبهة الساحل الغربي، لكنها تجارِبُ تكرّرت على مدى 7 سنوات مضت، وفي أكثرَ من جبهة، فمرتزِقةُ العدوان بمختلف توجّـهاتهم يتشابهون في صفاتٍ كثيرة، ومن بينها تعذيبُ الأسرى والتنكيل بهم.
وتعمد مرتزِقةُ الإمارات تعذيبَ 10 من أسرى أبطال الجيش واللجان الشعبيّة في الساحل الغربي لليمن، وقتلهم بطريقة وحشية، وتصوير ذلك عبر مقاطع فيديو، ونشرها مع الصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لإيصال رسالة تهدف لكل المناهضين للعدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن، بأنه سيحصل لهم كما حدث لهؤلاء الأسرى.
وجاءت هذه الجريمة البشعةُ بعد يوم واحد من لقاء متلفز لزعيم ما يسمى “تنظيم القاعدة” في جزيرة العرب، أكّـد فيه أن عناصر التنظيم التكفيري الإجرامي تقاتل في 11 جبهة ضد ما سماه “الحوثيين”، وهو ما يؤكّـد العلاقة الوطيدة بين هذه الجماعات وعناصر المرتزِقة في جميع جبهات القتال، والتي تتبنى الإجرام ذاته، والفكر ذاته، والتوحش ذاته.
وبالطبع، فَـإنَّ هذه الجريمة ليست الأولى التي تحدث لأسرى أبطال الجيش واللجان الشعبيّة، فالكثير من القصص حدثت في أكثرَ من جبهة، وبأيادي مرتزِقةٍ يتبعون النظامَ السعوديّ والإماراتي، لكنها لم توهن عزمَ المقاتل اليمني، بل ساعدت في الكثير من الأحيان على تحريرِ مديريات ومناطقَ كان سكانُها يعانون الأمرَّين من تعامل هذه الجماعات، كما حدث في مديرية الصومعة بالبيضاء مؤخّراً.
وتثبت هذه الجرائم بما لا يدع مجالاً للشك فساد مشروعية العدوان الأمريكي السعوديّ على بلادنا، وعدم مشروعية أهداف المرتزِقة الذين يقاتلون طيلة سبع سنوات مضت بلا أهداف أَو رؤية، كما أنها تثبت في المقابل أن المسارَ الذي يسلكه أبطالُ الجيش واللجان الشعبيّة وكل الأحرار المناهضين للعدوان هو الصحيحُ، وهو الذي سيبني الوطن، ويرفعُ من شأنه؛ كون هذا المشروع “رحمةً” للناس، وليس فيه “غِلٌّ” وَلا “كراهية”، وقد لمس الناسُ حقائقَ جليةً وواضحةً بالتعامل الجاد والمسؤول مع أسرى الطرف الآخر، ومعاملتهم بطريقة إنسانية، تعكس التوجّـه الصادق والجاد لمشروع المسيرة القرآنية.
وتأتي هذه الجريمة بعد أَيَّـام من موقف إنساني قَلَّ نظيرُه في التاريخ المعاصر، تمثل بالإفراج عن أسرى مرتزِقة كانوا يقاتلون في صفوف العدوان في جبهة “العبدية” بمأرب، وقد وجّه قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بإكرامهم، وحسن معاملتهم، وإطلاق سراحهم بدون مقابل، وهي صفاتٌ لا يمتلكها إلا الطرف المقاتل المنتمي لصنعاء.
وتؤكّـد رابطةُ علماء اليمن أن جريمة إعدام الأسرى من قبل مرتزِقة العدوان في الساحل الغربي بتلك الوحشية والطريقة الداعشية الدنيئة تتنافى كليًّا مع وصايا القرآن وما أوصى به النبيُّ من التعامل بالرحمة والإحسان مع الأسرى، مشيرة إلى أن الجريمة المرتكبة بحق الأسرى تعبيرٌ واضحٌ عن المشروع الدموي والتوجّـه الداعشي والفكر الوهَّـابي الذي تربى عليه العملاء والخونة.
وقال بيان الرابطة: إن “من يقود تلك المسوخ البشرية هو المسؤول الأول عن الجريمة والمال الإماراتي الذي يمول تلك الألوية المسماة كذباً بالعمالقة هو شريك فيها”، منوِّهًا إلى أنه “لولا التمويل الإماراتي والسعوديّ والصمت الأممي والضوء الأخضر الأمريكي لما ارتكبت جريمة واحدة في اليمن”.
وفي ختام بيانها، أكّـدت رابطة علماء اليمن، أن تعزيز حالة التعبئة العامة والنفير العام لرفد الجبهات هو الرد العادل والخيار الصائب أمام هذا الخطر وإزاء الوحشية بحق الأسرى والشعب اليمني.
من جانبها، ندّدت وزارةُ الخارجية بالجريمة، معتبرةً إعدامَهم بتلك الطريقة الوحشية جريمةَ حرب مكتملة الأركان، وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، لا سِـيَّـما اتّفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب.
ودعت الخارجية المجتمعَ الدولي إلى الخروج عن الصمت المعيب وإدانة هذه الجريمة التي يندى لها جبين الإنسانية.
وطالبت الخارجية بتشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق في كافة الجرائم التي ارتكبت من قبل دول تحالف العدوان وآخرها جريمة إعدام الأسرى.
جريمة مدانة
ويرى العلامة د. حمود عبد الله الأهنومي، أن إقدام مرتزِقة العدوان الأمريكي السعوديّ على إعدام 10 أسرى من مجاهدي الجيش واللجان الشعبيّة “جريمةٌ مدانة” بكل المقاييس الأخلاقية والإنسانية والدينية والقانونية، وتخالف روح الشريعة الإسلامية والدين الإسلامي والمنهج القرآني الذي يتحدث الله عزو وجل فيه ويقول “وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً”، مُشيراً إلى أن ارتكاب مرتزِقة العدوان لهذه الجريمة الشنعاء يأتي في سياق أهم لم يعودوا ينتمون إلى اليمن ولا إلى دينه وثقافته وأعرافه وتقاليده، وأنهم بهذا الشكل منخلعون عن كُـلّ هذا الارتباطات والانتماءات.
ويقول د. الأهنومي: إن هذه الجريمة من جرائم الحرب ضد الإنسانية، مؤكّـداً أن البشرية اليوم أصبحت أرقى من الوقوع في مثل هذه القضايا التي تتنافى مع مفاهيم الإنسان المعاصر كما أنها من الناحية الدينية لا تقبلها كُـلّ شرائع السماء، ولا تقبلها كُـلّ القوانين الدولية، داعياً كُـلّ الخطباء والعلماء والمثقفين والإعلاميين والتربويين إلى القيام بواجباتهم بفضح هؤلاء المجرمين وانتماءاتهم وولاءاتهم لأعداء الوطن، مؤكّـداً على أهميّة التحَرّك وسط المجتمع وتوعيته ودفعه للتحَرّك الفاعل والجاد للتخلص من هذه الجماعات المتطرفة، وأنه لا خلاص من هؤلاء إلا بالتحَرّك لتحرير كامل التراب اليمني من أقصاه إلى أقصاه.
أدميتم قلبي
وبهذه العبارة، غرّد رئيسُ اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى، عبدالقادر المرتضى، في صفحته على تويتر قائلاً: “أوجع قلبي صورُ إعدام عشرة أسرى من أبطال الجيش واللجان الشعبيّة، في الساحل الغربي، يوم أمس، وأوجع قلبي تصرفات داعش “عفاش” والعمالقة الإرهابية أذناب العدوان، مردفاً لا أعلم أية عبارات تستطيع أن تخفف وجع قلبي.. أدميتم قلبي، تقطر دمي حزناً، لافتاً إلى أن استمرار قانون العفو العام مهزلة أمام مثل هؤلاء”.
من جانبه، قال عضو المكتب السياسي لأنصار الله، فضل أبو طالب: “ابن طارق عفاش وأخوه أسيران لدى الجيش واللجان فما الذي يمنع من قتلهما؟ إنها قيمنا وأخلاقنا ومبادئنا.. نحن نقاتل بشرف برجولة، نقاتلُ مِن أجلِ قضية عادلة على مبدأ إيماني وأخلاقي وإنساني، بينما هم مُجَـرّد مرتزِقة جبناء، أنذال، بلا قيم، باعوا شرفهم وكرامتهم وسيادتهم للأجنبي”.
وعلى صعيد متصل، قال رئيس مجلس التلاحم القَبَلي، الشيخ ضيف الله رسام: هذه الجريمة تهز أحجارَ وأشجارَ وجبالَ وترابَ اليمن قبل رجالها، وهذه الجريمة البشعة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة من قبل قوى الطغيان والشر والاستكبار العالمي بقيادة الشيطان الأكبر أمريكا، داعياً قبائل اليمن الأوفياء إلى “مضاعفة الجهود في رفد الجبهات بقوافل المال والرجال لتحرير كامل التراب اليمني من دنس هؤلاء المجرمين التابعين للغزاة والمحتلّين”.
ويضيف رسام في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة”: “هذه الجريمة في الأعراف والأسلاف اليمنية الأصيلة عيب أسود وجريمة سوداء في جبين الفاعل، ومن وراءه ومن يقف معه ويؤيده من الأحزاب والسياسيين والتابعين، بل ومن أمره ومن أعانه ومن مده بالسلاح والمال والحماية”، داعياً من بقي من المتخاذلين أمام هذه الجرائم إلى التحَرّك وألا يكونوا مع الخوالف.
ويؤكّـد رسام على أهميّة مضاعفة الجهود في رفد الجبهات بالمال والرجال والتركيز على القوافل مما بقي من المدخرات؛ لأَنَّ هذه الأيّام ستكون فاصلة بإذن الله وهي أَيَّـام أخيرة في عمر العدوان، وهي أَيَّـام أخيرة لصناعة المعجزات والنصر أمام العالم”.
جريمةُ حرب بحق الإنسانية
ومن زاوية قانونية، يقول الناشط الحقوقي والإنساني المحامي، عبدالوهَّـاب الخيل: “كما هي عادتهم قوى العدوان الأمريكي السعوديّ يقومون بتصفية الأسرى وتعذيبهم في أكثر من جبهة وفي أكثر من موقع سواء أثناء القبض عليهم، أَو في معتقلاتهم، فهذه تصرفاتٌ لجماعات لا تؤمن لا بالمواثيق ولا بالمعاهدات والاتّفاقيات الدولية، بل هي جماعات مشبعة بالفكر الإرهابي الأمريكي، وبثقافة الذبح والقتل والحقد على البشرية، وتحظى بالحماية والدعم الأمريكي، وهذا يتناقض مع الأعراف الدولية ومواثيقها، وهو مدان وجريمة حرب بحق الإنسانية، وفق التشريعات والمعاهدات والمواثيق الدولية والإنسانية وَاتّفاقيات التعامل مع الأسرى”.
ويدعو المحامي الخيل كُـلَّ المنظمات الإنسانية والحقوقية والأمم المتحدة إلى تحمل مسؤولياتها، وأن لا تكونَ شريكاً أَسَاسياً في مثل هذه الجرائم الجسيمة والتي لن تسقط بالتقادم، مُشيراً إلى ضرورة رفع ملفات إلى محكمة الجنايات الدولية ضد كُـلّ الأطراف الضالعة في جرائم العدوان على الشعب اليمني المُستمرّ منذ سبعة أعوام.
بدوره، يتساءل الكاتب والناشط السلفي مروان الجماعي: ماذا لو سيطر المرتزِقة كيف كانوا سيصنعون بكل الأحرار؟!
ويقول الجماعي: “انظروا كم الفرق بين الجيش واللجان الشعبيّة وبين المرتزِقة، هم أصحاب عفو وشهامة وصراحة ووضوح وجماعتكم أصحاب نفاق وخيانة وضبابية وغموض.. هم يحسنون للأسير ويدعونه إلى الله ومرتزِقتكم يضربونه ويمارسون أبشع أنواع التعذيب بحقه.. هم يعلنون العفو عن الأسرى، ومرتزِقتكم يقتلون الأسير بدون أية محاكمة وبدون أية تهمة سوى انتمائه المذهبي، وقد تكون حجتهم كاذبة على الأغلب.. أليست هذه كافية لتعلموا من أصحاب الحق ومن أصحاب الباطل”.
ويتابع الجماعي في تغريداته على وسائل التواصل الاجتماعي: “هذه الجريمة وغيرها من الجرائم المرتكبة بحق الأسرى تؤكّـد لنا عدالة قضيتنا وصوابية موقفنا في مواجهة هؤلاء المجرمين وأسيادهم”، داعياً إلى “ضرورة تطهير أرض اليمن الطاهرة من رجسهم”.
ويؤكّـد الجماعي أن إعدام الأسرى جريمةٌ تتناقضُ مع كُـلّ القيم الإسلامية والإنسانية، وأنه وبعد مشهد إعدام الأسرى الذين لا يملكون حولاً ولا قوةً، وقد أَمِنوا جوارَكم وسلّموا رقابَهم لكم أيها الخونة العملاء والله لن نأمنَكم ولن نُصَدِّقَكم بعد اليوم ولو تعلقتم بأستار الكعبة، وصليتم بين الركن والمقام، وأقسمتم الأَيمان المغلَّظة فوقَ التوراة والإنجيل والزبور والقرآن”.
أما الناشط يحيى اليازلي فقال: “إن من الخطأ التعليقَ على صور منفذي ذبح الأسرى الـ 10 على أنهم مطلوبون للعدالة؛ لأَنَّ هذا يعني أننا اعتبرنا الجريمة فردية وشخصية والمفروض اعتبارهم تابعين للعدوان وأن العدوانَ ممثلاً بالسعوديّة والإمارات ومرتزِقتها من الأحزاب السياسية المؤيدة له ذبحوا الأسرى، ومعهم مجلس الأمن والأمم المتحدة وكل المنظمات الإنسانية والحقوقية الصامتة أمام ما يحصل”.
لا بد من القصاص
وامتلأت مواقعُ التواصل الاجتماعي، خلالَ اليومين الماضيين، بعبارات التنديد والسخط على مشاهد إعدام العشرة الأسرى، مطالبين بضرورة التحَرّك الفاعل لحسم المعركة وتحرير البلاد من دنس هؤلاء المجرمين.
ويقول الناشط أبو مجاهد المرادي: “لن تمُرَّ فعلتُكم بالأسرى أيها المرتزِقة مرورَ الكرام، فستدفعون ثمنَ ما أقدمتم عليه”.
ويرى اليازلي “إعدامَ الأسرى بهذه الطرق الوحشية والمستفزة، إنما يدُلُّ على ضعفهم وعلى خوفهم وقلة دينهم وحيلتهم، لا يعرفون قوانين الحروب ولا هم أهل لها، فلن يتم ردع هؤلاء الشرذمة والمرتزِقة إلَّا بالانتقام المباشر والسريع والتنكيل بهذه الكتيبة، لكي يكونوا عبرة لمن اعتبر ويعرف البقية مقدار الخطأ الفادح الذي ارتكبوه وما هي عواقبه”.
لن يمروا
وتحولت هذه العبارة إلى هشتاق على مواقع التواصل الاجتماعي المندّدة بجريمة إعدام الأسرى في الساحل الغربي، حَيثُ يقول صالح حمود البخيتي: يتمادى مرتزِقة العدوان السعوديّ الإماراتي الأمريكي في ارتكاب الجرائم البشعة بحق الأسرى على مرأى ومسمع العالم ومنظماته الإنسانية التي تصم أُذُنَيها وتتعامى وتخرس أمام هذا الإفلاس الأخلاقي والهمجية التي وصل إليها هؤلاءِ الجبناءُ والمنحطون.
ويتابع البخيتي: هذه الجريمة ليست الأولى فقد سبقتها جرائمُ مماثلةٌ في قانية، وجريمة الأسير عبد القوي الجبري، وجريمة قتل الأسير أحمد حسن الشريف، من قبل مرتزِقة تحالف العدوان بقيادة السعوديّة والإمارات في أحد السجون التابعة لهم في محافظة الجوف، وغيرها من هذه الجرائم التي تعتبر انتهاكاً لكل الأديان والمبادئ الإنسانية وحقوق الأسرى وتتنافى مع عادات وأعراف الشعب اليمني، مؤكّـداً بقوله: “لن تكون هذه الجريمة الأخيرة إذَا لم يتحَرّك أحرار اليمن وقبائله الغيورة إلى الانتصار لدماء المظلومين وكبح جماح الغزاة ومرتزِقتهم الذين عاثوا في البلاد فساداً وقتلاً وتدميراً، ولن تسقُطَ بالتقادم، ولن يمر هؤلاءِ المجرمون”.