لا يريدون سلاماً في اليمن
أفق نيوز – بقلم – عبدالرحمن مراد
من الحالات الطبيعية أن يراجعَ المرءُ نفسَه ومواقفَه بين الفينة والأُخرى، أَو كلما تقدَّمَ به العمر، ومن الطبيعي أَيْـضاً أن يعيد قراءة الواقع على ضوء الزمن والنتائج التي يصل إليها، لكن ذلك أبعد ما يكون عن ذهن وتفكير صناع القرار في المملكة السعوديّة التي تقود تحالفاً دوليًّا لقتل أهل اليمن ولتدمير اليمن، فقد تبين خلال سبعة أعوام أَو تزيد من عدوانها أن الزمنَ ثابتٌ في تعاطيها مع الواقع، وأن مواقفها أكثر ثبوتاً، فما يزال العقل الذي باشر أهل اليمن بكثافة الغارات على أحيائهم السكنية في صنعاء وغيرها من المدن صبيحة 26 مارس 2015م، يمارسُ نفسَ الغِواية ونفسَ التكتيك وبصورة أكثر توغلاً وتوحشاً، وكأن الزمن الذي مرَّ من عمر عدوان لم يقل له شيئاً ذا بال يمكنه الوقوف عنده ومراجعة نفسه من خلاله.
لقد قالت الأيّامُ للسعوديّة ولغيرها أفصحَ القول وأبلغَه، لكن عَمَه الطغيان يقودُهم إلى محطات لا يعلمُ إلا اللهُ كيف يكون قعرَها، ويبدو من رموز الواقع أن السعوديّة تتدحرج إلى قعر سحيق وهاوية فيها ظلمات من فوقها ظلمات وهي تظن في فعلها الخير والصلاح، وتلك عقوبة ما بعدها عقوبة، وكذلك يفعل الله بالقوم الظالمين في كُـلّ العصور والحقب وفي كُـلّ التاريخ.
لقد نال أهل اليمن خطب جلل، فالسلفية التي تعسكرت في فكر قادة المملكة السعوديّة أجازت القتل والتدمير، وخرجت منها فرق تقول بالذبح والسبي وإهلاك الحرث والنسل، ورأى اليمن وغير اليمن منها الويلات وعظائم الأمور، وتلك الحالة الفكرية الثابتة والقائمة على النصية لا يمكنها أن تعيد التفكير، ولا يمكنها أن تستفيد من عبر الزمن، فالجمود سمتها وصفتها وبالتالي فهي تغرق في وحل الرذيلة ولا ترى نفسها تغرق بالرغم أن حقائق الواقع تقول لها ذلك لكنها تصر على تجاهل تلك الحقائق بغباء شديد، فمن المحال أن تستطيع إقناعَها بفكرة المراجَعة؛ لأَنَّها لا ترى نفسَها إلا أنها تُحسِنُ صُنعاً.
لم تكن الغاراتُ الجديدةُ على صنعاء في سالفِ الأيّام إلا واحدةً من جرائمَ وحشيةٍ ذاتِ تسلسل زمني يعلمُ قادةُ المملكة أن التعاوُنَ اللوجستي مع أمريكا و”إسرائيل” هو مَن أتقنَ صناعتَها، وهو يملِكُ التوثيقَ اللازمَ الفضائي الذي يتم عبر الاقمار أَو الوثائق الفنية عبر جهازه الاستخباري المتواجد في غرف العلميات العسكرية أَو غيرها، وستعلم السعوديّة والإمارات غداً أنهم عاشوا وهماً كَبيراً ووقعوا ضحايا مؤامرة دولية من خلال بعث الملف الإنساني وما يتبعه من ابتزاز للدول والحكومات التي تعسكرت تحت راية التحالف وشرعنت هذا الصلف الذي نراه في حاضرنا ورأيناه في أمسنا.
لا ينال اليمن وأهله من بغيهم إلا أذى وقد قالت الأعوام ذلك، بل قالت إن اليمن أصبحت تملك زمام المبادرة في الميدان وأصبح التحالف وأحذيته في نكوص وتراجع شديد.
اليوم بدأت تحَرّكاتهم تفصح عن نفسها وبدأ المبعوث الأممي يقدم نفسه كمدير للحرب وليس كرجل يبحث عن سلام عادل ومستقر في اليمن، فقد دلت تحَرّكاته الأخيرة بين عدن وتعز والمخاء على النتائج التي رأيناها والتي سوف نراها في قابل أيامنا، فقد قالت الأيّام عن إفراغ معسكرات في المحافظات المحتلّة من الأسلحة الثقيلة واتجه بعضها إلى طارق عفاش وبعضها لا أحد يعلم إلى أين كانت وجهته، كما تم تسليم طارق عفاش طائرات سخواي كان التحالف يتحفظ عليها في قاعدة العند.
إنهم يشعلون فتيل الحرب في اليمن ولا يبحثون عن السلام، وعلى اليمنيين إدراك هذ الحقيقة، وعليهم أن يعلموا أن السلام الحقيقي يكمن في أفواه البنادق حين تدرك من هو العدوّ الحقيقي لليمن وتكف عن تحقيق غاياته، وذلك بحالة التوحد والتخندق في مواجهة العدوّ الحقيقي الذي يعلن عن نفسه كُـلّ يوم ولكن بغبائنا نكاد نتجاوز عن اكتشافنا بتنمية العدوات البينية.
عدو اليمن أفصح عن نفسه ولا سبيل لأهل اليمن إلا مواجهته وتوحيد قدراتهم وطاقاتهم لمواجهته إن كانوا يعقلون.