أفق نيوز
الخبر بلا حدود

التطبيع الثقافي والسياسي.. أيهما أخطر؟!

198

أفق نيوز – بقلم – عبد العزيز البغدادي
التطبيع في اللغة : العمل على محاولة جعل فعل أو تصرف ما يبدو طبيعياً رغم كونه غير طبيعي، وفي الاصطلاح يطلق التطبيع على أي توجه في العلاقات السياسية أو الثقافية أو الفنية أو الرياضية تقوم به الدول العربية سلطات أو أحزاب أو أفراد أو مع الكيان الصهيوني باعتباره كياناً قام على اغتصاب أرض فلسطين من أصحابها بمساعدة الاحتلال البريطاني عام 1948 ولم يكن وجودها كدولة طبيعياً أي لجميع أبنائها من المسلمين والمسيحيين واليهود وغيرهم ، فهذه هي الدولة التي تكون العلاقة معها طبيعية أما دولة الاحتلال الصهيوني فالعلاقة معها جريمة أو مساهمة في الجريمة ، ومع أن الدور البريطاني في إنشاء هذا الكيان كان خطرا إلا أن من يتتبع خلفيات وجود ونمو هذا الكيان وتوسعه الجغرافي على حساب معاناة الفلسطينيين بمختلف انتماءاتهم الدينية والعرقية لدولة فلسطين يجد أن الدور الأخطر ما قام به حكام العرب ابتداءً من مساعدتهم على تهجير الموجات الأولى من اليهود الذين شكلوا نواة الدولة المصطنعة (إسرائيل) تحت عنوان خرافة العودة إلى أرض الميعاد ، وكذا الدور الذي قام ويقوم به بعض حكام الكيانات الخليجية التي تزامن إنشاؤها مع إنشاء الكيان الصهيوني أبرزها السعودية والامارات وهما كيانان كان لبريطانيا كذلك دورها الواضح في إنشائهما على أراضي الحجاز ونجد والاحساء وأجزاء واسعة من اليمن والعراق وغيرها من المحيط الجغرافي العربي الذي بسطت عليها نفوذها في نفس الفترة التي أنشأ فيها الكيان الصهيوني (إسرائيل) ، هذا الترابط الوجودي بين هذه الكيانات يوضح أن المسرحية السياسية التي أقيمت في البيت الأبيض بعنوان اتفاق إبراهام 15-16 سبتمبر 2020 برعاية دونالد ترامب وحضور نتانياهو كما أحضر قسراً ممثلان عن الامارات وزير خارجيتها عبدالله بن زايد وعن البحرين وزير خارجيتها عبد اللطيف الزياني ، هذه المسرحية الهزلية لم تكن كما أعلن عنها إيذاناً بإشراق فجر شرق أوسط جديد صنعته عبقرية ترامب أو نتانياهو ولكنه في الحقيقة كشف عن ثمرة سلوكيات وأعمال سرية إجرامية كانت تجري في الخفاء بين الكيان الصهيوني وهذه الكيانات المصطنعة لدول أو دويلات مختلة الأركان.
العمل السياسي غير الطبيعي وغير الشرعي انتقل من السر إلى العلن أُريد له وبه شرعنة جرائم الاحتلال باسم التسامح الديني ، ومن المؤكد أن من أدار العملية ويديرها قد أدرك من تجربة اتفاق كامب ديفيد ، بين نظام السادات والكيان الصهيوني ، واتفاق وادي عربة بين الكيان والنظام الأردني ، هذا المدير من الواضح أن عقله صهيوني وتمويله عربي ، ومن يحاول الهروب عن رؤية هذه الحقيقة بحجة عدم إيمانه بنظرية المؤامرة له كامل الحرية في البقاء خارج دائرة الوعي بالواقع المعاش بكل هذا السفور الذي يحول المثقف الذي يطلق عليه الواقعي إلى مجرد غطاء رث للسياسي الغارق في بحر البذاءات والذي تغرق فيه أمة بأكملها أو إلى كائن هامشي لايملك من أمره شيئاً أو ليس لوجوده حيز في الجزء الحي من ضمير أمته ، ولا ندري ما جدوى هذا النوع من المثقفين الذين لانرى منهم إلا أفعال من جندتهم الصهيونية ومولتهم بعض أنظمة الكيانات الخليجية كمستشارين أمنيين أو ثقافيين فاعلين ليكونوا نواة للتطبيع الثقافي الذي ثبت لمدير مشروع التطبيع أنه أخطر من التطبيع السياسي لأن السياسة عند العرب ملك السلطان 100% حتى في الأقطار التي تدعي الصلة بالديمقراطية ، ولهذا فإن الشعبين المصري والأردني مثلاً كانا وما يزالان عصيين على ترجمة اتفاقية كامب ديفيد ووادي عربة إلى واقع مقبول اجتماعياً في مختلف المجالات ، ومن يدير مشروع التطبيع الثقافي يراهن اليوم من خلال اكتساح دول الخليج على الوصول إلى ساحات لم يتح له بالتطبيع السياسي الوصول إليها معتمداً على ما يراه من هشاشة في بنية شعوب الخليج من حيث حجم السكان والخضوع المطلق لسلطاتها القمعية كما يراهن على تبعية سلطات هذه الدول وما يملكه حكامها من صلاحيات مطلقة في تبديدها وإهدارها وكأنها ملكهم الخاص وهذا يمكّن مدير مشروع التطبيع من استخدام القنوات الفضائية وأدوات التسويق والترويج بوابة لاختراق المجتمعات العربية ككل وكي وعي شعوبها وهكذا تكون هذه الدول الخليجية محطة لتصدير التطبيع مع الجريمة وتصوير ذلك على أنه عمل حضاري يعكس روح التسامح والقبول بالآخر ويعني بالآخر من يقتل الفلسطينيين ويهجّرهم ليحل محلهم شذاذ الآفاق.
النقطة المضيئة في ساحة الإنسانية اليوم وجود من يحمل روح الإنسان المقاوم للظلم والفساد والاحتلال والاستبداد بكل صوره وأشكاله وأهدافه أمثال الروائية الايرلاندية (سالي روني) ،30 عاما، التي عبرت في 12 – 10 – 2021عن رفضها المطلق لمحاولات الصهاينة ترجمة روايتها: (أيها العالم الجميل أين أنت ؟!) التي تصدرت قائمة أكثر الكتب مبيعاً في العالم تعبيراً عن ازدرائها ممارسات الاحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني ، بمثل هذه النفوس الحرة تتشكل شمس الحرية التي لا يمكن أن تغيب في كل زمان ومكان.
سحقاً لمن لا يرى الفرق
بين لفح الجحيم وفوح النسيم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com