داعش” في الأمم المتحدة”
يكتبها / وائل عبدالفتاح
(1)
مارين وماليك… من أدخلهما حياتنا..؟
لم يكن ذلك بالتأكيد من قبيل التعبير عن مراحل عليا في «تحرّر المرأة»، واشتراكهما في أجنحة التطرّف، سياسة وإرهاباً، ولا عن تجليات «جمعة سوداء» باريسية، ولا امتداد لحرب الهويات المتأججة بالمذابح، الغزوات، الضربات الجوية، وكل عروض مسرح العنف الذي يعيد تمثيل «حرب عالمية» خارج موديلاتها الأولى والثانية.
الشاشات تعرض حلقة جديدة من سلسلة ديزني «حرب النجوم» بينما مارين تنتصر للمرة الأولى، كما تقول بشائر انتخابات المحليات في فرنسا، وفي معاقل الحزب الاشتراكي، أي أصحاب المصلحة في «عيش مشترك» لا ينفي المضطهدين. كيف حدث هذا؟ كيف وصلت زعيمة «اليمين المتطرف» إلى منابع وعي الحالمين بعالم أكثر عدلاً؟
هل في الأمر مأساة؟ أم تراجيديا واقعية، تتجسّد فيها على مسرح العنف الرمزي، الهوة بين الرغبة والإرادة؟ يرغب جمهور «الاشتراكيين» في اندماج عادل بينهم وبين المهاجرين، لكنهم لا يتحملون نتاج هذا العدل المستحيل في «دولة وطنية»، لهذا استدعوا «الجبهة الوطنية» حزب مارين لوبان الذي يبدو أنه «جاء في موعده مع القدر… تماماً». قدر «الوطنية» الضائع أن تتورّط في مبادئ تعلنها، تروّج لها، لكنها تعرف صعوبة تنفيذها في الواقع.
تحمي «الوطنية» الأوروبية والأميركية نفسها الآن بطائرات، كما تتصور «تشافين ماليك» وزوجها أنها تحمي، هي والقطيع «الداعشي» كله، دينها (الإسلام) بهذه الرصاصات والقنابل.
(2 )
لا أحد يعرف لماذا تركت «ماليك» رضيعها ابن الستة شهور، وذهبت لتقتل 16 وتجرح 20 من بين أطفال آخرين…؟
ولا لماذا تركت بلادها (باكستان) لتذهب إلى أرض يتعلّم فيها المسلم وفي مؤسساته «المعتدلة» انها أرض الشر؟
ولا لماذا كتبت مبايعة على الفايسبوك، لتكون ضمن حشود الخليفة البغدادي؟
صورة «ماليك» بحجابها، وشامتها، المميزة للجمال الهندي/ الباكستاني، أضيفت إلى علامات «الشر» المهاجر من بلاد تنتظر خائفة طلعات الطيران على بقاع تتحدّد خرائطها بقرارات من مؤسسات ديموقراطية (برلمانات) ومؤسسات دولية (أمم متحدة ومجلس أمن)، هذه الطلعات ضرورية للقضاء على «داعش»، وفي الوقت نفسه هي إعلانات مجانية للتجنيد في ميليشياتها الآكلة للدول، كما أن زمجرات الصواريخ كانت خلفية مناسبة لتوقيع «ترامب» بقلمه الأسود السميك على جسد معجبة في حفل توقيع كتابه.
هذا هو العالم الآن، الذي نصطف في جمهور المتفرجين، ننتظر إلى ما ستسفر عنه حروبه اللعينة، انتظار هستيري، لا ينقذنا منه التماهي مع أحد القتلة، أو تلبس أدوار الضحايا، لأننا في لحظة كنا جوقة للقاتل، وفي لحظات أخرى اكتفينا بأنات الغيبوبة التي انتظرنا بعدها «السعادة» لأننا نطلب من القاتل أن يتنازل عن سلاحه وأفكاره، من أجل سعادتنا، فالذي يبرر القتل من أجل عالمه الافتراضي، الذي لا يعيش فيه سواه، لن نكون آخر ضحاياه.
كما أن «ماليك» في رحلتها إلى «أرض الشر» لن تكون آخر مصابة بالجنون، وستظل مساحة هولاند بل وساركوزي تتآكل في مواجهة فاشية أنيقة.
ألم يكن هتلر نجماً أوحداً في أيام قريبة؟ ألم تكن أفكاره تتربع على عرش الأناقة قبل أن تقتل الملايين وتدمر المدن؟
ألا يترحّم الضحايا والقتلة على هتلر؟
ألا ينتظره كلاهما الآن؟
( 3 )
الطرق التي أدت إلى الكارثة.
لماذا نصرّ على السير بها..؟
هذا سؤال لو استبدل بالإيقاع الجحيمي لسؤال آخر: ..نحن إلى أين؟ سيتغيّر حال سكان هذه البقعة من العالم.
ندافع في هذه البقعة عن كل ما أوصلنا إلى «الجحيم الأرضي»، حيث تحوّلت السياسة إلى «لعبة أمم» تتكرّر على رأس كل 100 سنة، زمن دائري، يدور دورته بلا معلم، ولا حركة إلى الأمام، إلا لو كان تغيّر الوجوه وأشكال الملابس حركة مع الزمن.
تملأ سموات البلاد الآن طائرات تحمل أعلام كل الدول التي حلمت بإمبراطوريات استعمارية، أميركا، روسيا، ألمانيا، فرنسا، وحتى تركيا المعلّقة بين العالمين (الإسلام والحداثة/ الديموقراطية والسلطانية (الشرق والغرب..).
كيف سنقاوم الطائرات التي جاءت لتنقذنا من وحشنا الذي عاش وتربّى وسطنا؟
كيف سنقاومهم بالدفاع عن قاتلينا من مستبدين وأنظمة خارج التاريخ؟
في مصر يبدو أن الاعتذار لمبارك انتصر، كما تعلو في سوريا نبرة اللوم على طلبات تغيير بشار والبعث، ويزهو نظام الحصص الطائفية في بيروت بدفع الحراك إلى الانكماش… هكذا إذن نقاوم بالدفاع عن السائد والشائع والقدر ضد التغيير والتخلص من عفن الأقدار السياسية… هكذا إذن ننتظر مباريات القصف وتأشيرات المرور إلى «أرض، نتربى على أنها الشر الذي مصمصنا..» هكذا إذن ننتظر خيراً من مشاركة السعودية في تحالف ضد قرينتها السوداء «داعش».
هكذا إذن سننتظر حلاً خرافياً تستسلم فيه «داعش» للانضواء، في النظام الدولي، وتحصل على وكالة للحماية كما حصلت السعودية في «سايكس بيكو»؟
هل ننتظر تفاوضاً قريباً مع «داعش» قبل رفع علمها على المبنى التاريخي للأمم المتحدة في نيويورك؟
السفير اللبنانية