العدوان يضاعف إصابات الحروق ومآسيها ،جراء قصفه الجوي والبحري والبري المتواصل على اليمن
تحقيق / أمل الجندي
حتى ما قبل تسعة أشهر كانت حالات الإصابة بالحروق ناجمة عن حوادث الغاز المنزلي بنسبة 60%، تليها حوادث المشتقات النفطية، ثم حوادث السيارات والكهرباء .. لكن الحال اختلف تماماً مع بدء العدوان السعودي على اليمن، ارتفعت معدلات الإصابات بالحروق جراء القصف الجوي والبري والبحري للعدوان المتواصل على اليمن، وسط ظهور إصابات خطرة تدين تحالف العدوان السعودي باستخدام أسلحة محرمة ومحظورة دولياً..
مركز الحروق والتجميل في المستشفى الجمهوري يضج بآلام حالات الحروق الناتجة عن قصف العدوان على اليمن، منها من تماثل للشفاء نوعاً ما ومنها من تشوهت ملامح جسده تماماً، وقابلتنا استغاثات من نقص حاد في الأدوية والأسرّة، وشكوى من عدم الالتفات لهذا المركز، رغم أنه الملاذ الوحيد لحالات الحروق في عموم الجمهورية.
تشوهات مؤلمة
“أم نعيم” التي احترق جسدها بالكامل وتشوهت ملامح وجهها كما رأيناها أثناء زيارتنا للمركز، وهي تراجعه للجراحة بعد أن تماثلت للشفاء نوعاً ما، تقول لقد فقدت زوجي وولدي أثناء القصف على منزلنا الذي دمّر بالكامل في أول أيام عيد الأضحى، واحترق جسدي بالكامل ولا زلت حتى الآن أعاني من تشوهات في معظم مناطق الجسد.
أما “سالم محمد” الذي احترق منتصف جسده العلوي بقصف العدوان لمحطة محروقات، يقول: قصف العدوان المحطة التي أعمل بها اشتعلت بنا وتعرض جسدي لحروق من الدرجة الثالثة كما وصفها الأطباء لي.
كذلك ناجي المروعي فقد احترق جسده بالكامل بنفس السبب الذي احترق به سالم، حيث كانا يعملان في نفس المحطة، إلا أن ناجي فقد إحدى عينيه إلى جانب احتراق جسده.
164 حالة حروق
بحسب الطبيب صالح الحيضاني، مدير مركز الحروق والتجميل بالمستشفى الجمهوري: “يعتبر هذا المركز الوحيد في الجمهورية اليمنية، ويستقبل جميع أنواع الإصابات بالحروق من جميع أنحاء المحافظات، يلفت مدير المركز إلى أن حالات الإصابات بالحروق المعتادة في المركز خلال السنوات الماضية كانت أسباب ما بين %75-60 ناتجة عن حوادث الغاز المنزلي، وبعدها تأتي الحروق البترولية وحوادث السيارات والكهرباء”.
ويضيف: “أما الآن فالحروق النارية الناتجة عن القصف الصاروخي هي الأعلى نسبة في المركز، حيث بلغت نسبة استقبال المركز لهذه الحالات 164 حالة، وكانت نسبة الوفيات بينهم 18 % وهو ما يقارب 28 حالة، وباقي الحالات تم معالجتها، ومنها من تم سفره إلى الخارج لتلقي العلاج، بالإضافة إلى بعض الحالات التي كانت تصاحب حروقهم بعض الكسور حيث نقوم بعملنا، ومن ثم إحالتها لبعض المراكز لاستكمال العلاج وهذه غير مدرجة ضمن الحالات المذكورة.
حروق خطرة
ووفقاً لمدير مركز الحروق في المستشفى الجمهوري: “كانت نوعية الحروق متنوعة منها احمرار في الجلد، وهي تعتبر من الدرجة الأولى ونادراً ما يتم رقودها في المستشفى، فتنقسم إلى فئتين (أ،ب)، ويتم ترقيدهم في المستشفى إذا كانت نسبة حروقهم أكثر من 15%، أما الدرجة الثالثة حتى إن كانت نسبة حروقهم 5% يتم ترقيدهم على الفور، ومعظم الحالات التي وصلت إلينا هي من الدرجة الثانية (ب) تحتاج عمليات تنظيف أو عمليات زراعة جلد وبعدها من الدرجة الثالثة.
آلام بلا دواء
هنا أشارت الممرضة “هدى” إلى أن تضاعف مأساة المصابين بالحروق حيث قالت: هناك مرضى لا يستطيعون شراء العلاجات فهي غالية الثمن بالإضافة إلى انعدام البعض الآخر منها في الكثير من الصيدليات، ما يتسبب في تدهور حالتهم المرضية، ومع أن المركز يقوم بعمله إلا أن القصور لا إرادي بسبب الحصار الغاشم على البلاد وانعدام الأدوية.
مناشدة عاجلة
هذه المأساة تدعو مركز الحروق في المستشفى الجمهوري، الطبيب صالح الحيضاني إلى مناشدة فاعلي الخير والمسؤولين، ممن لا زال لديه ضمير إنساني، بدعم المركز بالأدوية، خاصة أدوية ألبومين التي يحتاجها المريض بشكل كبير حيث تعتبر غالية الثمن، وكذا دعم المركز بالسوائل والأربطة والمراهم المختلفة التي يتم بها مجارحة المرضى.
الحيضاني لفت أيضاً إلى أن “المركز يعاني من نقص في المعدات والأجهزة، وكذا في المبنى الذي يحتاج توسعة، خاصة وأن وزارة الصحة ليس لها دور نهائي، وقد ناشدناها في العديد من المرات لكن لا حياة لمن تنادي”.
في هذا السياق ، يشير الحيضاني إلى محدودية دعم المركز، قائلاً: لا توجد منظمات (داعمة) إلا مؤسسة واحدة أنشئت صيدلية مجانية تدعم المرضى ببعض العلاجات قدر استطاعتها، وقامت ببعض الإصلاحات والترميمات داخل المركز، وكذا صندوق المعاقين الذي يقوم بمساعدة بعض المرضى بتبني تكاليف العمليات.
أسلحة محرمة
إصابات الحروق الناجمة عن القصف الجوي والبري والبحري للعدوان على اليمن، أظهرت حالات منها بحسب الأطباء أنها ناجمة عن استخدام أسلحة (قذائف وقنابل) محرمة ومحظورة دولياً، ومنها حالة خالد الكحلاني الذي يرفض الجلد الالتئام أو الاستجابة للأدوية وغيرها من الحالات المشابهة الموثقة لدى منظمات محلية ودولية، طبية وحقوقية، أبرزها منظمات “أطباء بلا حدود” و”هيومن رايتس ووتش”.
اتفاقيات ضعيفة
يرجع تاريخ الأسلحة الكيميائية التي تستعمل عسكرياً إما للقتل أو الأذى الجسيم أو الإعاقة إلى الحرب العالمية الأولى حيث استخدمها الألمان ضد أعدائهم، وفي عام 1925م عقدت اتفاقية حظر استخدام المواد الكيميائية في الحروب بواسطة عصبة الأمم بجنيف ولكنها كانت اتفاقية ضعيفة وغير واضحة ولا تحمل أي عقوبات.
لكن بريطانيا في عام 1952م أنتجت غاز (VX) تبعتها في إنتاجه الولايات المتحدة حتى عام 1968م، وأغلق المصنع نتيجة لحادثة أدت إلى سحابة قتلت حوالي 6000 رأس من الأغنام.
ولم تقتصر على ذلك فحسب بل استخدمت الأسلحة الكيميائية وفق التقارير الدولية فيما بعد في عدة حروب تذكر منها: “أسبانيا ضد المغرب، وإيطاليا ضد أثيوبيا، واليابان ضد الصين ومصر ضد شمالي اليمن، والعراق ضد إيران وضد الأكراد. وفي الحرب على سوريا أيضا عام 2013م، وها هي اليوم تستخدم ضد اليمن من قبل السعودية وأمريكا وإسرائيل على المدنيين الذين تعرضوا لكل أنواع الحروق والتعذيب والقتل بسبب هذه الأسلحة الكيماوية.
تأثيرات فاتكة
من جهة تأثيرها فإن الأسلحة الكيميائية تعتمد خروج مواد غازية أو سوائل تهاجم الأعصاب- الدم- الجلد- أو الرئتين فتؤدي إلى سيلان دموع أو قيء أو حروق بالجلد أو هستيريا وربما تؤدي إلى فقدان السيطرة على الأعصاب.
فيما يخلق استخدامها بحسب التقارير الدولية: “حالة من الفوضى والخوف بين العسكريين والمواطنين على السواء بالإضافة إلى المشاكل التي تنشأ من الحالات الكثيرة التي تجلب للمؤسسات الصحية مما قد يؤدي إلى شلل تام في الحياة في المنطقة المصابة، بالإضافة إلى أنها تحتاج إلى كثير من المواد الواقية وإلى كثير من الأشخاص للعمل من أجل السيطرة عليها”.