الهجرةُ من الريـف
سيف الدين المجدر
في هذه الأيام أصبح البحث عن أمرأة للزواج بها أكثر سهولةً من البحث عن شقة، سواء في مدينة كالعاصمة صنعاء أو في غيرها من المدن في بلادنا، وذلك بسبب موجة الهجرة من الأرياف إلى المدن.
وشر البلية ما يضحك، فمنذ مدة كنت أبحث عن شقة ولم أجد شيئاً. مرت أشهر وكان لي صديق أزعجته بكثرة اتصالاتي من أجل أن يبحث لي عن شقة، ولكن في آخر المطاف أجابني قائلاً: (َمستعدٌ أنا أن أزوجك على أن تعفيني من البحث عن شقة لأن ذلك عليّ أهون ) .
تلك هي المشكلة.. فمن الريف اليمني الجميل وهوائه العليل، إلى المدن المكتظة والهواء الملوث.. هكذا توالت موجات الهجرة من الريف إلى المدينة، وتعددت أسباب هذه المشكلة.
الكثير من الذين كانوا يسكنون الأرياف قد هاجروا بحثاً عن “أضواء المدن الساطعة، وهاجروا بسبب سوء الرعاية الصحية ومحدودية فرص التعليم..
وهذا الأمر يرجع إلى عدم الاهتمام بالأرياف، وتعمد الإهمال في الفترة السابقة.
أما البعض الآخر، فقد هجر الريف ترفاً بدون أي سبب مقنع، ظناً منه أنه سوف يعيش في النعيم… ترك أرضه الزراعية ومواشيه خلفه بدون أي سبب يستحق ذلك، ، بل إن من تأثير ثقافاتهم الخاطئة المغلفة بالتحضر والرقي، أن ينظروا تجاه الريف والزراعة على أنها أمر معيب ولم تعد تروق لهم رائحة روث الأبقار والأغنام، ولا رائحة الحشائش، ولا صوت الماء الجاري في السواقي،
وثقافة التحضر الخاطئة التي نقلت إليهم لم تتمثل في عمارة الأرض ودعم اقتصاد البلد، وفي النظر للزراعة على أنها أمر مهم يجنبك الاتكالية على الغير، بل تمثلت في استخدام المناديل المعطرة والنطق بالمصطلحات الأجنبية والتدافع على مكاتب التوظيف.
لم يدركوا أن العيش في الريف أجمل وأرقى، فهم في المدينة يحتاجون للكثير من العمل والكفاح بشكل يومي من أجل البقاء، ومن أجل دفع الإيجارات وتلبية المتطلبات من الغاز إلى الكهرباء والماء، بعكس سكان الريف الذين يعيشون حياة اقتصادية بسيطة وموارد الحياة اليومية بها متوفرة.
المشكلة تتنامى ولا بد من خلق وعي لدى الناس بهذا الأمر، وآثار الازدحام في المدن ليست في مسألة الإيجارات والشقق فقط، ولا على الصعيد الاقتصادي فقط، بل على الصعيد الأخلاقي والأمني، لذا يجب أن يكون هناك توجه من الإعلام والناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي من أجل أن يعود الناس إلى أراضيهم خاصة أولئك الذين سكنوا المدينة ترفاً ويعانون الويل والمشقة يومياً، ويظنون أنهم في نعيم خاصة في ظل العدوان والحصار، ويجب أن نحدث هجرة عكسية من المدن إلى الأرياف، كذلك بالنسبة للذي ترك الريف وذهب للمدينة من أجل الخدمات يجب على العمل مسار آخر وهو إيجاد تنمية حقيقية في الريف في إطار عمل تشاركي بين المجتمع والجهات المعنية بحيث تصبح الخدمات متوفرة.