أفق نيوز
الخبر بلا حدود

وكيل وزارة المالية لقطاع الإحصاء والمتابعة الأستاذ أحمد حجــر لــ “الثورة”

297

الاحتياطي النقدي العام لا زال عند الخط الآمن، بفضل السياسات المالية التي انتهجتها المالية والبنك المركزي اليمني

حاوره – محمد محمد إبراهيم

أكد الوكيل المساعد لقطاع الإحصاء والمتابعة بوزارة المالية الأستاذ أحمد حجر أن الاحتياطي النقدي العام لا زال عند الخط الآمن، بفضل السياسات المالية التي انتهجتها المالية والبنك المركزي اليمني على قاعدة الموائمة بين الإيرادات والنفقات.. مؤكداً أن وزارة المالية والبنك المركزي رغم هذه الظروف ما زالا عند مستوى القدرة المالية على الإيفاء بصرف الرواتب والأجور وتوفير النفقات الضرورية لتسيير جهاز الحكومة..
وأشار حجر إلى امتلاك اليمن والمجتمع اليمني فرصاً واسعة لمواجهة الحصار ومجمل القضايا المتصلة بوضع البلد المالي والاقتصادي في هذه الظروف الصعبة، منوهاً بعوامل عدة لصمود الاقتصاد اليمني والعملة الوطنية أمام هذه الحرب والحصار، سارداً معالجات وإجراءات احترازية مطلوبة تجاه احتمالي استمرار العدوان وانفراج الأزمة وفتح باب الواردات، وغيرها من القضايا في هذا الحوار الصحافي مع “الثورة” ,, إلى التفاصيل..

بداية .. ضعنا أمام صورة تقريبية للوضع الاقتصادي في البلد في ظل حصار اقتصادي يشارف على شهره العاشر..؟
– الوضع المالي اليمني في أسوأ مراحله، غير أن هذا الحال المتدهور، محاط بلطف إلهي، وصمود مجتمعي خفف من تداعيات هذا الوضع المالي على البلد.. البيئة التي يعمل فيها النظام المالي اليوم غير مسبوقة في تاريخ اليمن الاقتصادي خلال الخمسين السنة التي مضت، فالإيرادات النفطية والغازية التي تراجعت خلال السنوات الأربع الماضية من 75% إلى 50% توقفت نهائياً من شهر إبريل من هذا العام الذي يوشك أن ينتهي، جراء الحصار الاقتصادي الظالم والعدوان السعودي الغاشم على اليمن..

مقاطعاً- إيرادات الغاز المحلي..؟
– إيرادات الغاز المحلي محدودة جداً لا يعول عليها فلا تتجاوز أقل من واحد إلى 1.5% من الإيرادات، فالاعتماد كان على الغاز الطبيعي المسال، الذي توقف أيضاً.. وبقت المصادر غير النفطية كالضرائب والجمارك والإيرادات الزراعية والسمكية والإنتاجية الأخرى التي هي الأخرى تضررت جراء العدوان.

مؤشر الإيرادات
بصفة عامة ما أقرب مؤشرات حركة الريع الضريبي أو الإيرادات المالية خلال هذا العام..؟
– الريع الضريبي أو الإيرادات بصفة عام انخفضت بدرجة كبيرة فمؤشر الإيراد المتوقع من يناير إلى أكتوبر 2015م تراجع إلى 32% مقارنة بالعام المنصرم 2014م، جراء تراجع النشاط الاقتصادي بكل قطاعاته العام والخاصة والمختلطة، بل توقف في الأغلب الأعم جراء العدوان السعودي والحصار الشامل الذي فرض نفاد المحروقات أو جعل هذه القطاعات عرضةً للقصف الذي طال المرافق والمنشآت والمصانع والطرقات وخزانات الوقود والمحطات وغيرها من مقومات الاقتصاد الوطني وبنيته التحتية ودعائمه التنموية..

ناهيك عن عجلة الاستثمار، توقفت أيضا وبالذات المشاريع التي قامت بممول أو شراكة أجنبية، إضافة إلى ترجع القدرة الضبطية للأوعية الإيرادية لأن هيبة الدولة مشلولة، حيث وهناك كثير من الضرائب المستحقة لا تحصل، وعلى القطاع التجاري بكل فئاته أن لا يساهم في تداعيات الأزمة المالية للنظام الاقتصادي في البلد بالتهرب من دفع الضرائب.. فهي واجبة لأن الدولة قائمة وملتزمة دستورياً بتوفير مقومات الحياة الخدمية والتنموية والمؤسسية والأمنية..

منظومة الكهرباء
على ذكر الجانب الخدمي.. قضى الحصار والعدوان داخل الوطن على المنظومة الوطنية للكهرباء.. فما شكّل ذلك من خسارة على الدولة والوطن..؟
– خسائر توقف أو تدمير المنظومة الوطنية للكهرباء لا يعني حصر قيمتها كمشروع عمومي في أنحاء الجمهورية، أو يعني التكلفة التراكمية الباهظة لإنشائها، بل تقاس بما لحق بالمجتمع ككل، بدءاً من مرضى الفشل الكلوي والحالات الاسعافية في الطوارئ، والعنايات المركزة الذين أزهقت أرواحهم، وانعدام الأدوية للمرضى خصوصاً تلك الخاصة بالسكري والتي تحتاج إلى التبريد المستمر، مروراً بالمواطن الذي يعيش القيض القاتل في المدن الساحلية أو البرد القارس المرتفعات، وأصحاب الورش والمشاريع الصغيرة، وصولاً إلى بيئة الأعمال والاستثمار… خسارة منظومة كهرباء كبيرة جداً.. بما يعني أنها ضاعفت وفاقمت مشكلة تراجع الإيرادات، كما توقفت إيراداتها من الرسوم المحلية للتيار الكهرباء لتصبح هي وكثير من المؤسسات الإيرادية عالة على الموازنة العامة، في ظل فقدان ريعها الإيرادي..

ترشيد إجباري
ماذا عن إيقاف المالية والبنك المركزي جميع أبواب الإنفاق عدا باب الأجور؟
– هذا الترشيد الاجباري بفعل الظروف التي فرضها العدوان والحصار، وقد تكون له آثار على الوضع الاقتصادي والمعيشي للمجتمع، فعندما توقف النفقات الاستثمارية فجزء كبير من نشاط المقاولات يتوقف. وقطاع الخدمات تسوء مستويات أدائه فتسوء الخدمات.. أيضاً عندما توقف النفقات التشغيلية يضعف أداء المؤسسات لكن هذا جاء كإجراء ضروري حتى تستطيع أن توائم بين الموارد المتاحة، والاحتياج الضروري للنفقات..
في ظل شلل معظم المؤسسات الإيرادية من يمول العجز الكبير..؟

– الجهاز المصرفي هو من يمول العجز والنفقات الضرورية التي يجب أن تستمر حيث والمالية مع البنك المركزي أخذا في اعتبارهما أنهما في الحد الأدنى يستطيعان الإيفاء بالباب الأول الرواتب والأجور والنفقات التشغيلية الكفيلة بإيفاء التزامات استمرار تشغيل الجهاز الحكومي، لأن إيقاف عمل جهاز الحكومة الذي يعمل فيه ما يقرب من 22% من قوة العمل، يعني كارثة في المجتمع.. فليس لهؤلاء مصادر دخل سوى الدخل الحكومي، الذي هو مرتبط بالتقاعد، مرتبط بالضمان الاجتماعي، فجهاز الحكومة هو من أهم ركائز الدولة وهو صلب المجتمع وأساس بقائه..

أذون الخزانة
الجهاز المصرفي.. من أين يغطي العجز..؟
– الجهاز المصرفي الآن يعتمد على أذون الخزانة التي تسير لصالح البنوك التجارية، لكن الإشكال ان القطاع العائلي شبه موقف، أو مرهون باشتراط سحب جزء من مواردهم من أذون الخزانة وإعادتها نقداً للمالكين لها في القطاع التجاري، فهم يعتبرون معدلات التضخم مرتفعة.. وبالتالي القيمة الحقيقية النقدية تنخفض إلى جانب تراجع ثقتهم بالحكومة بسبب مخاطر الصراعات والعدوان. وقد تكون لأغراض سياسية..

هل نفهم من هذا أن الشركات العائلية أحجمت عن شراء أذون الخزانة….؟
– مقاطعاً- الشركات العائلية والبنوك والشركات تحت هذه المخاوف إضافة إلى الأضرار التي لحقت بهذه الشركات وأفقدتها قدرتها على ممارسة أنشطتها التجارية والاقتصادية.. وبعضهم لهم مواقف سياسية، فيتوهمون أنهم سيساعدون النظام القائم على الصمود والبقاء، في الوقت الذي تكشفت الأمور مع مرور الأيام، وستتكشف أكثر بهذا الصمود الاسطوري أنهم على خطأ. فحفاظهم على بقاء نظامهم وما يعنيه من استمرارية النشاطات الاقتصادية والتجارية.

تمويل تضخمي
إذن ما هي مصادر تمويل الموازنة لأجهزة الحكومة التي كانت إيرادية، وتوقفت إيراداتها..؟
– التمويل الرئيسي للموازنة لدى كثير من أجهزة الحكومة التي كانت إيرادية وتوقفت، يعتمد على الاقتراض من البنك المركزي بدرجة أساسية من الودائع المتاحة لديه، وهو يعتمد على الودائع والموارد المتاحة لديه الى جانب جزء بسيط من فوائد صندوق التقاعد، وبحث عن بدائل وسياسات ترشيدية دقيقة، ساهمت في ديمومة الاستقرار، ووصل إلى الحد الذي وصل إلى أنه استفاد من النقود التي كان على وشك إتلافها، كما وصل البنك إلى الحدود القصوى لقدراته على تمويل الموازنة بالحساب المكشوف أو التمويل التضخمي.. الذي يعني اقتراض جهاز الحكومة من البنك المركزي اليمني، إذ أن معظم دوائر الجهاز الحكومي توقف انتاجها وتراجعت مواردها إلى الحدود الدنيا..

ماهي الخيارات المتاحة أمام البنك المركزي للإيفاء بهذه الإلتزامات؟
– البنك المركزي اليمني في الوفاء بهذا الإقراض أمام خيارين: الأول إما طباعة كميات من النقود، وهذا ليس ممكناً ولا وارداً، لسببين أولهما الحصار الاقتصادي الشامل، حيث لا يسمح له بالطباعة في دولة ما، أو إدخال النقود، وثانيهما وهو الأهم أن مسألة طباعة النقود ستؤدي إلى هبوط القيمة النقدية الوطنية أمام الدولار، أو ما يسمى مالياً واقتصادياً باختلال توازن العرض والطلب في السوق، فعندما تكون لديك نقود تزيد القدرة الشرائية التي تعكس نفسها في زيادة الطلب في ظل عرض متدنٍ، أي أنها ستزيد معدلات التضخم ويرتفع حينها الدولار.. فيما الخيار الثاني للبنك أن يستخدم ما لديه من موارد وودائع متاحة، ولكن وفق سياسة مالية دقيقة توائم بين الموارد المتاحة والنفقات الضرورية اللازمة لاستمرار الحياة..

نجاح التقنين
ما مدى نجاح البنك في ذلك..؟
– البنك المركزي اليمني – وهذا ليس مبالغة – نجح في إجراءاته إذ عمد إلى تقنين حدة العجز المسموح به وجعله في الحدود التي يعتقد أنها تحافظ على حد مقبول من العرض النقدي في السوق، مراعياً مسألة النمو المتصلة ببقاء عمل الحكومة قائماً، على اعتبار أن الحكومة هي الآن المحرك الرئيس للنشاط الاقتصادي في ظل إحجام القطاع الخاص عن ممارسته أنشطته التجارية والاقتصادية. إذ يلاحظ أن التجار الذين ترتبط معظم أعمالهم بموازنة الدولة لا يفتحون بصورة دائمة إلا أيام الرواتب بدليل أن القطاع الخاص أصبح ممسكاً في الانفاق.. وبالتالي الإنفاق الحكومي ضروري على الأقل لتحريك عجلة الاقتصاد واستمرارية الحياة في المجتمع..

الاحتياطي العام
ماذا عن الاحتياطي العام لدى البلد هل ما زال آمناً..؟ وما سبل تعزيزه..؟
– الاحتياطي العام من النقد الأجنبي والودائع والموارد المتاحة لا زال عند الخط الآمن.. كما أن البنوك التجارية لديها احتياطي جيد من النقد الأجنبي ادخرته من الفترات السابقة.. القطاع الخاص العائلي لديه احتياطي.. المجتمع لديه ذهب عنده دولارات. أما سبل تعزيز هذا الاحتياطي، ففي تصوري يجب النظر إلى تجارب الدول التي شهدت أزمات كهذه.. كما حصل في جنوب شرق آسيا في ماليزيا بالتحديد، من أزمة اقتصادية كبيرة.. فقال مهاتير محمد للنساء الماليزيات” إقرضن الدولة ذهبكن وسأعطيكن بدل الخرص خلخال ذهب”.. فتفاعلن النساء والمجتمع وواجهت ماليزيا حقائق أزمتها الاقتصادية الماثلة وبدأت عملية البناء والإنتاج الذاتي، مركزين في الصناعات على المدخل المحلي بنسبة كبيرة جداً حتى تعافت ماليزيا من دون أن تلجأ لأي بنك دولي أو دولة خارجية تقرضه.

من أين لنا في اليمن مهاتير محمد..؟ وهل لا زال أمام المجتمع اليمني متسعاً من فرص الخلاص الاقتصادي..؟
– المجتمع اليمني زاخر بالأمناء والكفاءات النادرة والقادرة ولكن المسألة كيف يصل النظام السياسي إلى هذه الكفاءات ويعطيها الصلاحيات والضمانات الكاملة لإدارة الموارد المتاحة وإخراج البلد من مربع الأزمة الخانقة، ومن ثم إخراج البلد من مربع التبعية الاقتصادية، إلى فضاء الاعتماد على الذات وصولاً إلى اقتصاد قوي يصمد في أي أزمة قد تمر بها البلد، ويستطيع أن يبني الدولة ومؤسساتها والمجتمع المعرفي والإنتاجي.. ابحثوا عن هذه الكفاءات وحملوها مسئولية ما يجري في البلد..

ولا يزال لدى المجتمع اليمني متسعاً من فرص النجاح في مواجهة ذلك مهما كلفه من معاناة فستكون مؤقتة ثم يتعافى معتمدا على موارده وأبنائه وذاته، وعلى المواطنين والتجار والمسئولين أن يعوا في هذه الفترة أن الحكومة والدولة تحتاج إلى اسهام كل فرد في بنائها والحفاظ عليها.. وعلى الحكومة فتح المجال أمام المواطنين للدخول في مشاريع وطنية بالاكتتاب بل الدخول في أذون الخزانة كل بقدراته..

صمود الريال اليمني
صمود الريال اليمني خلال فترة الحصار والعدوان لفت انتباه محللي المال والاقتصاد.. ماهي عوامل صموده..؟
– صمود العملة المحلية أمام هذا العدوان والحصار يعود إلى إغلاق باب الاستيراد لمختلف السلع التي تأتي من الخارج وعلى رأسها السلع الرأسمالية المتعلقة بمدخلات الاستثمار والإنتاج المحلي إلى جانب توقف الطلب عليها بفعل التوقف الاجباري لعجلة الاستثمار. ومن عوامل صمود الريال أيضاً أن النفقات وصلت حدودها الدنيا- بفعل الترشيد – فعكست نفسها على مداخيل المجتمع التي غدت منخفضة لا تسمح إلا بما هو ضروري لاستمرار الحياة، وبالتالي الطلب النقدي للدولار انخفض.. فـ 80% من السكان اليوم يعيشون تحت الحد المقبول للحياة. ناهيك عن الإجراءات الاحترازية للبنك المركزي المتصلة باعتماد التداول الرئيسي للعملة الوطنية، وعدم السماح للصيارفة بالمضاربة بالدولار..

تجار العدوان
لكن الدولار شهد ارتفاعاً كاد يصل إلى 270 ريالاً.. ما أسبابه..؟
– هذا الارتفاع لم يكن رسمياً إنما حدثت سوق سوداء للدولار في ظل وضع اقتصادي لا تعول عليه مترافق مع بعض القرارات التي تسمح نوعاً ما بالاستيراد، فحاول القطاع الخاص وبعض الشركات الحكومية سحب الدولار لتغطية استيراد المواد المحدودة كالمشتقات…

هل تقصد قرار تعويم المشتقات النفطية والسماح للقطاع الخاص باستيرادها وتوزيعها؟
– بالتأكيد.. تهافت القطاع الخاص على الدولار، منهم من يريد الاستيراد، ومنهم من استغل القرار للمضاربة في الدولار بإيعاز من دول العدوان.. فاقتصادياً أتاح القرار فرصة للخصم لمحاربتك اقتصادياً.. فعندما تقدم تصاريح لدخول المشتقات النفطية المربوطة بسماح تحالف العدوان، فلن تسمح بإدخال المشتقات إلا لألد خصوم المجتمع، إلى حد أن النظام السعودي يعرف المستوردين وانتماءاتهم، ويعطي الترخيص والكميات لمن يوافق هواه، ويحقق الأهداف التي يريدها من ادخال النفط بأن يتم البيع في السوق السوداء وبالسعر التجاري والمضاربة في أسعار الدولار.. ناهيك عن كون معظم الناقلات والمحطات هي لمافيا سابقة تحت أسماء وهمية كانت ولم تزل تابعة لمتنفذين أغلبهم في الرياض.. وأصبحتَ كنظام سياسي بين خيارين إما أن ترفع السوق السوداء فتشتد الأزمة.. أو تسمح بها جزئياً في إطار تقنيني، لكن الإشكالية الآن تكمن في عدم القدرة على السيطرة في ظل الوضع القائم والمنفلت..

ما الذي كان يجب قبل اصدار قرار التعويم..؟
– كان يجب دراسة الوضع القائم من ناحية سياسية واقتصادية ومجتمعية وآثار الحصار، وقدرتك على تنفيذ القرار وفق عمل قانوني عادل يتزامن معه تنفيذ إجراءات ومعالجات موائمة لطبيعة الوضع القائم، بحيث تكون هذه المعالجات كفيلة بالضبط والتقنين لتقطع طريق الاحتكار واستغلال ظروف الحرب على العدوان، وعلى القطاع الخاص.

القطاع الخاص اليوم يلعب ويوسع نطاق السوق السوداء، لأن كل رموزه التي تستورد هي موالية للرياض، ولو كان لدى العدوان جزءاً من أخلاقيات الإنسانية وليس المحارب النبيل فهم لا يفقهون قيم الإنسانية قبل قيم الحرب لأعطى التراخيص لشركة النفط والقطاع الخاص دون تصنيف، لكن العدوان يهدف إلى حرب المجتمع اقتصادياً بعد فشله العسكري..

لماذا لم تذهب شركة النفط اليمنية أو القطاع الخاص المناهض للعدوان إلى الدول التي ليست مشاركة في العدوان..؟
– المشكلة وخلاصتها- كما ألمحت لك- أن العدوان على اليمن رغبة امريكية بحتة بل هدف امريكي، لم يجد منذ زمن بعيد حماراً يحمل عليه أدواته العدوانية وأسلحته سوى المملكة العربية ودول الخليج، التي هي الأخرى، وجدت حماراً وعذراً واهياً يسمى شرعية هادي..
ناهيك عن كون الولايات المتحدة الأمريكية وجدت في صراعات الداخل وعدم وجود قوى سياسية ومجتمعية قادرة على التغلب على الانقسام الداخلي فرصة لضرب اليمن والتدخل في شؤونها.. وللأسف الشديد أننا ربطنا أنفسنا في السنوات الماضية والعقود الماضية بدول الخليج على أساس أنها ستؤهلنا وتدعمنا من دون أن نركز على فرض أنفسنا بقدراتنا، وبقوة اعتمادنا الذاتي كقوة بشرية وإنتاجية وسياسية..

اقتصاد الحرب
ما هي أبرز مظاهر اقتصاد الحرب الأخرى غير السوق السوداء..؟
– بعد الفشل العسكري لدول العدوان منذ الأسبوع الأول حيث كان يتوهم النظام السعودي -بل وأقنع أسياده الأمريكان – أنه سيحسم أمر إخضاع اليمن في أيام قلائل، لجأ إلى حرب المجتمع اقتصادياً.. بل صار أمام تحالف العدوان خياران رئيسان الأول الاقتصادي والثاني تغذية الصراع الطائفي.. فاستمرار الجانب العسكري اليوم عملية قِمْر أو عناد، وتغطية عبثية لما يقوده العدوان من حصار وحرب حقيرة على المحور الاقتصادي.. الذي من أهم مظاهره، وأدواته هو المشتقات النفطية والسوق السوداء والمضاربة في السوق، والتصدير من الخليج إلى اليمن عبر الطرق غير الرسمية وعبر عملاء العدوان..

فمثلاً أنت حررت المشتقات في وضع غير طبيعي فاستخدم الخصم هذه النقطة ضد المجتمع عبر مافيا عملائه في الداخل وهي كبيرة جدا تبدأ من عند الذي يستلم التصريح لدخول النفط فلا يمنح التصريح إلا لمن سيعمل وفق رؤيتهم بوجود سوق سوداء وتعاملات بالسعر التجاري وليس السعر الرسمي المدعوم أو المقنن.. ولن يسمح بدخول النفط إلى الموانئ اليمنية إلا إذا كان من يتسلمه ويوزعه هو الذي يعمل وفق رؤيته العدوانية على المواطن اليمني، وهذا ضغط واضح لمحاولة سحب الدولار وتقليص العرض النقدي في السوق المحلية.. إلى جانب تجارة السلع خارج دوائر النظم الجمركية والضريبية وعبر التهريب-كما أسلفت، فالمنتجات السعودية التي تجدها رغم الحصار في كل البقالات والمحال التجارية المختلفة دخلت البلد بطرق غير رسمية..

أهداف خبيثة
ما هي آثار كل هذه الأحابيل التي ينتهجها العدوان..؟
– هدف العدوان من وراء كل ذلك ليس رحمة بالشعب اليمني كما يروج، وإنما لتمويل العدوان لعملائه، من ناحية، ومن ناحية أخرى سحب العملة الأجنبية من السوق ومن أيدي العامة يصبح شعبا فقيراً.. ومن ناحية ثالثة حرمان دوائر الجهاز الحكومي من الريع الضريبي والجمركي، ومن ناحية رابعة ضرب صناعاتك المحلية.. وهذا هو مغزى الحصار الاقتصاد الذي أثر بوجه عام على أنشطة الاقتصاد فعندما تتوقف الواردات بطرقها الرسمية وهي تغطي جزءاً كبيراً من سوقك الاستهلاكية وتشكل نسبة عالية جداً من مدخلات صناعاتك الوطنية.. فهذه تضرب ما تبقى من قدرات الإنتاجية مستويات معيشة المجتمع وترفع مؤشرات الفقر والبطالة والإفلاس، وصولاً إلى خلق عدم الثقة الشعبية والمجتمع بالنظام القائم وأنه غير قادر على حل وضع الناس المعيشي.

ماذا عن الخطط الانمائية لتطوير المنتج المحلي والنهوض محليا بمدخلاته..؟
– لا أعتقد أن المقام هنا يتسع لتفاصيل معطيات إخفاقاتنا الماضية في خلق مجتمع إنتاجي يصنع الاكتفاء الذاتي، ولكن يجب القول أن ذلك كان حديثاً متداولاً على الصُعّد النظرية.. لكننا وللأسف الشديد لم يكن لدينا رؤية إنمائية نافذة لتكوين أكبر جزء من المواد الخام والمدخلات الوطنية في الصناعات المحلية بل اعتمدنا طوال السنوات الماضية على استيرادها من الخارج وهذه كارثة فعندما أتى الحصار شل حركة إنتاجنا المحلي الصناعي لأبسط السلع فرفعت كلفة المنتج، مقابل التراجع الكبير للقدرة الشرائية.. رافق هذا وجود لؤم لدى دول العدوان التي تدخل لك سلعا منافسة بالطريقة التي ذكرناها..

خيارات ضرورية
والبلد الآن في حالة ترقب لانفراج الأزمة.. ما هي الخيارات لتحاشي حدوث أزمة مالية في حال حدث انفتاح للاستيراد وارتفع الدولار..؟
– صحيح في حال حدث انفتاح للواردات فستحتاج البلد إلى استيراد كميات كبيرة من السلع والتي من أهمها المشتقات، هذا إذا ما أدركنا أن حجم استيراد المشتقات يساوي 33% من اجمالي المستوردات في الوضع الطبيعي، الذي كان تغطي فيه هذه النسبة عجز مواد المشتقات المحلية.. أما اليوم فسيرتفع إلى أضعاف.. وفي هذه الحالة النظام المالي أمامه مهمة من الآن في أن يوفر موارد مالية أو ودائع إضافية من الدول الكبرى التي ليست في صف العدوان كروسيا والصين وعمان وايران أو غيرها.. وأن يقترض من القطاع الخاص ومن المواطن بموجب سندات أذون الخزانة لمواجهة الطلب الذي سيرتفع على الاستيراد.. وهذه الخيارات نفسها مطروحة في حال استمر العدوان والحصار، ليتمكن الجهاز المصرفي اليمني من الصمود..

مطلوب تضحيات
أخيراً.. ما الذي يتعين على القوى السياسية من منظور اقتصادي؟
– أقول للقوى السياسية في الداخل والقوى السياسية في الخارج المناهضة للعدوان .. إذا لم تضح بجزء كبير من مصالحها لأجل تجاوز هذه المحنة وتنهي الفراغ السياسي وتضع رؤية اقتصادية قوية تركز على البناء الذاتي، فأن الأزمات والصراعات ستستمر في البلد إلى ما لا نهاية.. وفي هذه الحالة لا فرق بين القوى السياسية التي تتصارع في الداخل وهي ضد العدوان، وبين القوى العميلة التي هي في فنادق الرياض.. فالصراع الداخلي والاقتتال على التقاسم، والعدوان كلاهما يحملان نتائج واحدة لتدمير البلد ومقدراته الاقتصادية والبشرية والمؤسسية ..
على القطاع الخاص المحلي والتجار دفع الضرائب المتأخرة لصالح استمرار بقاء الدولة، فالرابح من بقاء وازدهار النشاط الاقتصادي هو التاجر نفسه.. وفي تصوري أعتقد أنها فرصة أمام المتهربين من الضرائب لأن يصلوا إلى حل مع الدولة وسيحصلون على مزايا.. وعلى الجميع محاولة التقليل من مظاهر العبث والفساد ابتداء من القطاع الخاص ومرورا بأجهزة الدولة، وعلى المسؤولين في الجهاز الحكومي الأمانة في الإنفاق في ما يخدم بقاء الدولة واستمرار معيشة الناس ولو في حدودها الدنيا.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com