القرصنة على سفن الوقود مُستمرّة.. أمريكا الراعي الرسمي للحصار
أفق نيوز – تقرير – عباس القاعدي
يتحمَّلُ المواطنون اليمنيون الكثيرَ من الأعباء والمتاعِبِ الاقتصادية جراء استمرار العدوان وَالحصار الأمريكي السعوديّ، والذي بلغ ذروتَه مؤخّراً، وأثّر على كافة قطاعات الدولة.
ويشكل الاقتصادُ ورقةَ الضغط أَو الابتزاز الأمريكي لكل دولة ترفض السياسة الخارجية التي تنتهجها الولايات المتحدة، فمنذ الحرب العالمية الثانية أصبحت العقوبات الاقتصادية سلاحًا مُشهَرًا للولايات المتحدة تهدّد به كُـلّ من لا يحقّق مصالحها، حتى أصبحت أكثرَ دول العالم استخداماً لسلاح العقوبات الاقتصادية وأكثرها مبادرة لفرضه، وشواهد التاريخ كثيرة على لجوء الأمريكيين إلى هذه الورقة في معاقبة الشعوب، ومنها ما حصل لكوبا من حصار استمر لمدة 5 عقود، حَيثُ فرضت أمريكا حصاراً قاتلاً وعقوبات تجارية واجتماعية على كوبا، وَتم إلغاء تحويل الأموال وسفر الأمريكيين ذوي الأصول الكوبية إلى الجزيرة، والقيام بمحاولة إسقاط نظام كاسترو ومحاولة اغتياله بـ 260 عملية باءت بالفشل، كما حاصرت أمريكا كوريا الشمالية، وليبيا، وإيران، وغيرها من الدول.
وتعاني بلادُنا من قسوة الحصار الأمريكي الذي يزدادُ يوماً بعد آخر، وتفاقمت معه المشاكل الاقتصادية للشعب اليمني، ومعاناتهم على كافة الأصعدة، وكالعادة يغيب الدور الأممي عن جميع أزمات اليمن حَيثُ لم تحَرّك ساكناً خلال سبع سنوات مضت، ولم تتدخل لإنقاذ شعب يفتك به الحصار كُـلّ يوم.
ويظل الموقف الأممي ضعيفاً وهشاً للغاية، فعلى الرغم من أن سفن “المشتقات النفطية” تخضع للتفتيش الأممي في جيبوتي، إلا أن هذه السفن تتعرض للقرصنة بعد ذلك، وتمنع قوى العدوان وصولها إلى ميناء الحديدة، ودخولها إلى المحافظات “الحرة”، دون أن نجد أي تنديد أَو استنكار أممي حيال ذلك.
وعلى الرغم من اعتراف الأمم المتحدة الصريح بتفاقم التبعات الإنسانية الناجمة عن النقص الحاد في إمدَادات المشتقات النفطية، إلا أن الدور الأممي المفترض مُجَـرّد حبر على ورق وهو ما يتناقض كذلك مع أهم المبادئ الأَسَاسية للحماية والإغاثة الإنسانية.
ويرى يؤكّـد الدكتور إبراهيم عبد القدوس مفضل -أُستاذ محاسبة بكلية التجارة والاقتصاد في جامعة صنعاء- أنه لا يوجد للأمم المتحدة أي دور في معالجة أزمة المشتقات النفطية في اليمن جراء قرصنة دول العدوان الأمريكي على سفن الوقود؛ لأَنَّنا إذَا بحثنا عن أية حقوق لليمن خلاف ما ورد في ميثاق الأمم المتحدة سنجد بعضاً من ذلك في نصوص قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي أهمها القرار رقم 2216، حَيثُ لم ينص أيٌّ من تلك القرارات على حرمان اليمن من حقوق أَو سلع معينة كالوقود والغذاء وغيرها، وإنما اشتراطات عدة وإن كانت مجحفةً وظالمة بحق الشعب اليمني.
ويضيف مفضل في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” أن من تلك الاشتراطات تتمثل في إخضاع كُـلّ ما يتم استيراده إلى اليمن لتفتيش الأمم المتحدة، بحيث لا يتم دخول أية سفن تحمل الوقود، أَو المواد الغذائية إلا بموجب تصاريح بذلك صادرة عن ممثلي الأمم المتحدة، وهذا ما تم ويتم منذ صدور ذلك القرار المشؤوم عقب العدوان الأمريكي الخليجي العالمي على اليمن حَيثُ يتم إخضاع كُـلّ سفينة متوجّـهة إلى ميناء الحديدة للتفتيش في جيبوتي، وتصدر الأمم المتحدة تصريحها بالتوجّـه إلى ميناء الحديدة لتفريغها، وكذلك السفن المتوجّـهة إلى الموانئ المحتلّة تخضع للتفتيش.
ومع خضوع السفن للتفتيش بحسب قرار الأمم المتحدة، يؤكّـد الدكتور مفضل أنه لا يتم احترام ذلك القرار من قبل العدوان والالتزام بتنفيذ التصريح؛ لأَنَّه مع الأسف كُـلّ شيء ينتهي عند إصدار ذلك التصريح الذي لا يساوي قيمةَ الحبر المكتوب عليه؛ لأَنَّه تصريح حجز، وليس تصريح عبور، والهدف منه مضاعفة معاناة الشعب، مُشيراً إلى أن أمريكا بنفسها لا تحترم قراراتها، حَيثُ تأكّـد لنا خلال سبع سنوات من العدوان أن تصريح الأمم المتحدة لا يقدم ولا يؤخر في شيء أمام أموال دول العدوان السعوديّ الإماراتي المدفوعة لها.
وفي مقابل تلك الأموال التي تتسلمها أمريكا، يؤكّـد مفضل، أن منظمة الأمم المتحدة بفرقها العريضة والطويلة الناهبة لكل أموال المانحين تطأطئ رأسها صامتةً مستسلمةً لإرادَة دول العدوان الغنية وحلفائهم المنتشرين بطول وعرض البحر الأحمر والبحر العربي، ولا تجرؤ حتى بقول كلمة واحدة للاحتجاج، أَو بالتدخل لحماية قراراتها، تلك القرارات المصممة خصيصاً لتدمير الدول غير الغنية بشكل عام واليمن بشكل خاص.
ولكون الشعب اليمني أصبح اليوم يعاني من العذاب والموت البطي نتيجة منع سفن الوقود والغذاء من الوصول إلى ميناء الحديدة، رغم صدور تصريحات منظمة الأمم المتحدة، يوضح الدكتور مفضل أن معاناة الشعب اليمني؛ بسَببِ الأمم المتحدة الراعي الرسمي للحصار والقرصنة على سفن الوقود، ولهذا لا تدافع هذه المنظمة عن قراراتها وتصاريحها، بالإضافة إلى أنها أصبحت عاجزةً عن معالجة الأزمة التي هي في الأَسَاس مفتعلة منها وبموافقتها، وتنفيذ قراراتها عندما يتعلق الأمر بحماية حقوق الشعب اليمني الذي نص عليه ميثاقها وقرارات مجلس أمنها، مبينًا أن ضجيجَ أمريكا حول معاناة اليمن يُسمَعُ عندما يتعلق الأمر بجمع الأموال لصالحها، ولا يُسمَعُ عندَ المعاناة الحقيقية للشعب اليمني.
وهنا ومن خلال سبع سنوات من العدوان الأمريكي السعوديّ، يشير الدكتور مفضل إلى أن الأمم المتحدة لم تستشعر بمعاناة اليمنيين وتقوم بدورها تجاه قرصنة دول العدوان وتفك الحصار عن اليمن؛ لأَنَّ وظيفتها هي جمع الأموال ورعاية مصالحها فقط، ومن أجل ذلك لم تحَرّك ساكناً أمام موت اليمنيين جوعاً وفقراً نتيجة الحصار المفروض على سفن الوقود والغذاء الذي تم فرضه من منظمتها، فتم تطبيق نصفه العدواني وتجاهل نصفه الأخلاقي؛ بسَببِ سوء تصرفاتها وتبعيتها لمن يعطي أكثر من الأموال.
وبحسب الدكتور مفضل فَـإنَّ وجود منظمة الأمم المتحدة صار كارثة وعبئاً على السلام والأمن العالمي، وأصبحت تستخدم فقط لتسلط وهيمنة الدول الاستكبارية على الدول المستضعفة، وبلغت وقاحة وسفاهة ما يصدر عنها أن تنبري بالإدانات والاتّهامات والبيانات عندما يتعلق الأمر بمصلحة إحدى الدول الغنية كدول الخليج، وتسد أذنيها عندما يتعلق الأمر بأيٍّ من الدول المستضعفة أَو الفقيرة كاليمن، موضحًا أن تاريخ هذه المنظمة مخزٍ، فلم تحل مشكلة يوماً ولم تنقذ شعباً من حرمان، ولم تحمِ أحداً من عدوان؛ لأَنَّها لا تختلف عن ذلك التاجر الجشع الجبان الذي يتخلى عن كُـلّ مبادئ الأخلاق في سبيل كسب المزيد من الأموال والأرباح؛ لذا فَـإنَّ الحديث عن معاناة اليمن من أعمال وتصرفات وقرارات منظمة الأمم المتحدة ذو شجون وصار جرحاً غائراً وورماً ثقيلاً على القلب من شدة القهر والظلم والألم والكلام للدكتور إبراهيم عبد القدوس مفضل.
إبادة جماعية
وتعد أزمة انعدام المشتقات النفطية من أكبر الأزمات التي تعصف باليمنيين، وتشكل كابوساً على قطاعات الدولة، وبسببها توقفت عددٌ من المستشفيات عن تقديم الخدمة، كما تضررت الكثير من القطاعات، ويعاني المواطنون اليمنيون وضعاً اقتصاديًّا حرجاً.
ويقول مدير عام المعاهد الدبلوماسية بوزارة الخارجية بصنعاء، الدكتور أحمد العماد: إن هذه الأزمة التي يشهدُها اليمن هي أزمة مفتعَلة من قبل دول العدوان وتحت إشراف أمريكا، ولهذا فَـإنَّ الأمم المتحدة أصبحت عاجزة وليس لها أي دور فيما يتعلق بمعالجة هذه الأزمة الناتجة عن القرصنة على سفن الوقود التي تخضع للتفتيش في ميناء جيبوتي من قبل أجهزة الأمم المتحدة.
ويوضح العماد في حديثه لصحيفة “المسيرة” أنه لا يوجد في قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالحرب والعدوان على اليمن ما يعطي دول العدوان الحق في الحصار الشامل والقرصنة على سفن الوقود والمواد الأَسَاسية؛ لأَنَّ قرار 2014م للأمم المتحدة ينص على أنه في أية سفينة أنها تحمل سلعاً خَاصَّة “لجماعة الحوثي” بحسب النص يجوز للدول المجاورة لليمن التحقّق من حمولة هذه السفينة ورفع تقرير خلال 48 ساعة حول اشتباهها هذه السفينة وهل تحمل سلاحاً أم لا، وفي حال عدم ثبوت وجود أي سلاح يتم إطلاقها خلال 48 ساعة.
وَيواصل العماد قائلاً: وعلى الرغم أن ذلك القرار المتحفظ يعد انتهاكاً لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، إلا أنه وكما هو واضح وجلي أنه يتحدث عن السفن فيها من الشبه ما يكفي أنها تحمل أسلحةً محظورة، وبهذا يؤكّـد الدكتور العماد أن إجراءاتِ الأمم المتحدة بحق السفن التي تمُرُّ عن طريقها وتفحص بدقة، إجراءات وأفعال الهدف منها زيادة معاناة الشعب اليمني وتشديد الحصار عليه، ما يجعل المواطنَ يعيشُ في معاناة مُستمرّة ويدفع ثمنَ الغرامات التي تصلُ أضعافَ قيمة هذه المشتقات.
ووفقَ القانون الدولي الإنساني واتّفاقية جنيف لعام 1864م يقول الدكتور أحمد العماد: إن الحصار ضد الإنسانية يعد نوعاً من أنواع الجرائم ضد الإنسانية؛ لأَنَّه يتم بطريقة ممنهجة ومتكرّرة وتهدف إلى تضييق الخناق الإنساني والاقتصادي دون تحقيق أية ميزة عسكرية، ومن هذه الإجراءات إغلاق الموانئ والمطارات كما ذكر تقرير خبراء مجلس حقوق الإنسان، أن مثل هذه الإجراءات تفتقد إلى الميزة العسكرية وبالتالي تقوم بها دول العدوان؛ بهَدفِ التجويع بجريمة جماعية، مؤكّـداً أن استمرار وتشديد مثل هذه الجرائم تصل في مرحلة ما إلى جريمة إبادة جماعية للشعب اليمني؛ لأَنَّها لا تستهدف فئة دون أُخرى ولا مقاتلين دون مدنيين ولا منطقة دون أُخرى، بل تستهدف الشعب اليمني بمختلف أطيافه.
وبحسب الدكتور العماد، فَـإنَّ تقارير فريق خبراء مجلس حقوق الإنسان وخبراء مجلس الأمن تحدثت عن الحالة الفظيعة التي وصلت إليها المستشفيات في اليمن، ووصل إليها الوضع الخدمي والأمني جراء جرائم الحصار والقرصنة على سفن المشتقات النفطية التي ترتكَبُ بموافقة من راعية وحامية ميثاق الأمم المتحدة من مثل هذه الجرائم، موضحًا أن الأمم المتحدة وصلت إلى مرحلة التواطؤ ولا تقوم بأي دور ولا تتكلم إلَّا بصيغة خجولة، لذا الأمم المتحدة وبحسب ميثاقها فهي معنية بفك هذا الحصار؛ لأَنَّ من يحاصر هو من يفك الحصار، ومن يقصف ويحتل هو من يتوقف.
ووفق الدكتور أحمد العماد فَـإنَّنا لا نطلُبُ من الأمم المتحدة أن تحَرِّكَ فصيلَها العسكري لفك الحصار والقرصنة على سفن الوقود؛ لأَنَّ هذا غيرُ وارد مع أنها تقومُ بمثل هذه الأفعال عن طريق مجلس الأمن من ضمن صلاحياته، لكن ما زالت هي خجولة، وما زلنا نسمع ونقرأ البيانات الصحفية لسكرتير الأمم المتحدة وقيادات ونواب داخلها، المتناقضة ضد الأزمة والعدوان على اليمن بشكل عام.
وفوق ذلك ما زلنا نتطلع بدور فاعل في عمليات السلام العادل والمشرِّف، وخَاصَّةً أن الحصار أثبت أن العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي لم يتمكّن من تركيع الشعب اليمني، وأنه بهذا الحصار والتجويع لم يحصل على ما لم يتمكّن من الحصول عليه عن طريق الميدان العسكري، وأن النتيجة المحقّقة من هذا الحصار هي المزيد من المآسي الإنسانية دون أية ميزة عسكرية ومهما طال هذا الحصار حتى ولو لسبع سنوات أُخرى لم يَنَلِ العدوانُ الأمريكي من عزيمة وكرامة وإرادَة الشعب اليمني.