سياسة بايدن في إعادة “طبخ” العقوبات وسبل إفشالها
أفق نيوز../
حسب التعريف الذي يقدمه مصممو سياسة الضغط الأقصى على إيران فإن التحركات والمواقف التي تتخذها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن هي محاولة لنفخ الروح في نعش العقوبات التي فقدت حياتها في زمن الإدارة الأمريكية السابقة.
يؤكد أحد مصممي هيكلية العقوبات والحظر ضد إيران وهو “ريتشارد نيفيو” في كتابه ” فن العقوبات.. وجهة نظر ميدانية” على ضرورة الانتباه إلى أبعاد التأثير النفسي للضغوط الاقتصادية على عقل وذهن من يفرض عليه العقوبات ومن دون ذلك تصبح العقوبات من دون جدوى.
العناصر “النفسية” للعقوبات
يعتقد نفيو انه اذا أريد للعقوبات ان تأتي بثمارها فانه يجب تلقين الدولة التي تتعرض للعقوبات بأن هذه العقوبات يمكن ان تزداد في أية لحظة واذا قاومت فانها عرضة للضغط الأقصى الذي يضع اقتصادها على حافة الانهيار.
ويقول نفيو ان الازدياد التدريجي للعقوبات لم يمارس على عراق صدام حسين فلم تؤتي العقوبات ثمارها وأصبحت مستهلكة، ولذلك يجب اتباع أسلوب التشديد التدريجي للضغوط.
لكن مصممي أنظمة العقوبات يعلمون بأن هذا الأسلوب أيضاً فيه نقاط ضعف فمرور الزمن يجعل العقوبات تفقد تأثيرها لأن الدول المعرضة للعقوبات تجد طرقا للافلات منها وان الجهات الاخرى تفقد حماسها لتنفيذها.
وحينما سئل باراك أوباما لماذا لم يستمر في العقوبات ضد إيران قال انه حتى الدول الحليفة لأمريكا لم تقبل بان تستمر العقوبات عدة سنوات اضافية.
لكن ادارة دونالد ترامب ذهبت في اتجاه معاكس تماما فاتخذت 3900 قرارا لفرض الحظر والعقوبات خلال 4 سنوات من عمرها مسجلة رقما قياسيا حسب مؤسسة جيبسون دان الحقوقية الأمريكية.
وكان معظم تلك العقوبات موجهة ضد إيران حيث قال وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو ان 1500 شخص ومؤسسة في إيران فرضت عليهم العقوبات وتم حرمان إيران من 70 مليار دولار من أموالها.
وعلى العكس من الآخرين ذهب ترامب إلى ممارسة أقصى الضغط و”قامر” بالعقوبات حيث كان يعتقد بأن ممارسة الضغط والغطرسة تؤمن مصالح أمريكا، وسريعا لعبت أمريكا ترامب كل أوراقها وأصبحت يداها خالية من الخيارات الأخرى والاضافية فعمدت الى فرض عقوبات رمزية مثل اعتبار الحرس الثوري الإيراني ارهابيا وفرض حظر على كبار المسؤولين الإيرانيين وما عدا ذلك للتستر على فراغ جيبه من العقوبات.
وفي الشهور الأخيرة من عمر ادارة ترامب اعترف مستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت اوبرايان انه لم تبق أية عقوبات لفرضها على إيران، وبعد شهور من ظهور اشارات على تراجع العقوبات أعلنت الصحف الأمريكية ومواقع عالمية ان صادرات النفط الإيراني قد تضاعفت وأصبحت إيران ليس فقط التفت على العقوبات بل ارسلت ناقلات النفط إلى فنزويلا لتعلم الآخرين ايضا كيف يجب مواجهة العقوبات.
وهذا لم يكن فقط في حقل النفط بل ان مجلة اكونوميست ذكرت في 18 يناير 2020 ان الكثير من حلفاء أمريكا مثل بريطانيا وفرنسا قلقون بسبب سياسات ترامب في فرض العقوبات والتي ستفقد الهيمنة المالية الأمريكية في العالم.
وفعلا قد بدأت روسيا اتخاذ اجراءات لحذف الدولار من اقتصادها وقال رئيس المصرف المركزي الروسي ان سبب ذلك هو سياسة فرض العقوبات والشعور بأن العالم يتجه نحو الاستغناء عن الدولار واستخدام العملات الصعبة الأخرى، كما تنبأ رئيس المصرف المركزي البريطاني ان النظام المالي العالمي القائم على الدولار لن يستمر طويلا.
وكل هذه الأحداث كانت تؤكد فشل مقامرة ترامب وتثبت ان سياساته كانت ستفقد العقوبات تأثيرها نهائيا.
بايدن ومحاولة اعادة “طبخ” العقوبات
علم بايدن منذ البدء بما يحدث للعقوبات فأمر وزارة الخزانة الأمريكية باعادة دراسة أوضاع العقوبات وكانت النتيجة انه بسبب سياسات ترامب فان دول العالم وحتى حلفاء أمريكا قلصوا تعاملهم بالدولار ويريدون تقليص ارتباطاتهم مع النظام المالي الأمريكي و”هذا يفقد العقوبات الأمريكية تأثيرها”.
واوصت وزارة الخزانة الأمريكية بتحديث نظام العقوبات مثل تقليص التأثيرات الانسانية للعقوبات لتشجيع حلفاء أمريكا على البقاء معها في عقوباتها.
من يراقب اداء بايدن تجاه إيران يرى بأن كل خطوات ادارته لحذف بعض العقوبات المفروضة على إيران تهدف الى تحديد أسنان عقوبات أخرى، فعندما قالت ادارة بايدن انه يجب عدم فرض العقوبات على الاجراءات التي تحتاجها إيران لمواجهة فيروس كورونا فذلك كان في الوقت الذي انتجت ايران بنفسها لقاح الكورونا.
ان اصدار اعفاءات الحظر للتعاون الدولي مع مشاريع كمفاعل بوشهر ومفاعل اراك ومفاعل طهران للأبحاث يمكن اعتباره “لعبة عقوباتية” جديدة لادارة بايدن لأن الأحادية الأمريكية وتقليص التعاون الدولي حول الملف النووي الايراني وجه ضربة قوية لنظام العقوبات الأمريكي.
وليست اللعبة العقوباتية الجديدة الأمريكية تهدف فقط إلى حصول التعاون الدولي حولها كما ان جميع الضربات الموجهة لنظام العقوبات ليست من هذه الناحية فقط بل ان جزءا مهما منها تهدف إلى ممارسة الحرب النفسية والإعلامية على المجتمع الإيراني وكسر مقاومته أمام العقوبات وهذا كان كان يركز عليه “ريتشارد نفيو” لأنه كان يعتقد ان العقوبات يجب ان تكسر مقاومة وارادة الطرف المقابل واذا لم تكسرها فان ذلك سيفشل العقوبات تماما مثل حظر توريد البنزين لإيران وما فعلته إيران لتحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال.
ومن المتوقع ان لايستمر بايدن في سياسات ترامب لكنه سيعمد الى اعادة نسج نظام العقوبات بشكل يجعلها اكثر تأثيرا دون ان يكون ذلك ملموسا.
ان بايدن يريد ممارسة “الضغط الذكي” ضد إيران أي اللعب بأداة العقوبات لجلب موافقة الحلفاء الأوروبيين لابرام اتفاق أقوى وأطول زمنيا مع إيران للحد من قدراتها في شتى المجالات وخاصة برنامجها الصاروخي ونشاطاتها الاقليمية.
ان الضغط الذكي هو اعادة أحياء لسياسات باراك أوباما تجاه إيران والتي كانت تتلاعب مع العقوبات لجر الموضوع كله نحو البرنامج الصاروخي الإيراني ونشاطاتها الاقليمية.
إيران واحباط العقوبات
يوجد أمام إيران خياران، فاما رفع العقوبات أو احباطها وافشالها، اما رفع العقوبات فمن الواضح ان أمريكا وعلى العكس من تصورات البعض في ايران تعتبر رفع العقوبات لعبة نفسية تمارسها لمنع حدوث انفراج اقتصادي في إيران حسب ارادتها.
ان المحافظة على السيادة الوطنية تفرض على الإيرانيين إيجاد حل وطريق لاحباط وافشال العقوبات على المدى الطويل لقطع الطريق أمام الأعداء.
ولذلك نجد أن سماحة قائد الثورة الإسلامية الإيرانية يشير في احدى خطبه ان رفع العقوبات هو في يد العدو وان احباط وافشال العقوبات هو في يد الإيرانيين، فالعدو يجب ان يرفع العقوبات لكننا يجب ان نحبط ونفشل العقوبات بانفسنا.
وهكذا نجد بانه من الطبيعي ان يسعى الإيرانيون إلى افشال العقوبات بعد رفعها.