استمرار العدوان والحصار نمّى روح التعاون بين اليمنيين
270
Share
تحقيق / وائل الشيباني
استغرب الحاج صولان الذي يملك عمارة في أحد الأحياء السكنية في حي الدائري من تأخر أحد المستأجرين في عمارته عن دفع الإيجار فقد وعده في الشهر السابق والذي قبله أنه سوف يُحضره بنفسه.
فقرر أن يذكره بالأمر فذهب إليه وطرق الباب فلم يجده وإنما وجد زوجته التي أخبرته بأن زوجها يخرج كل صباح للبحث عن عمل ولا يعود إلا ليلاً حتى أن زوجته باعت ذهبها من أجل توفير الغذاء لأطفالها السبعة وهم يمرون بظروف صعبة وبأن زوجها يأتي متأخراً حتى لا يراه صاحب المنزل لأنه لا يمتلك أي مبلغ لدفع الإيجار.. فقال: الحاج صولان أخبري زوجك أنه لا داعي للهروب فالبلاد كلها تمر بظروف صعبة وأنا أقدر ذلك لكن أخبريه أن يأتي فقد عفوت عنه من دفع إيجار الشهرين فنحن جيران وإخوة قبل أن يكون مستأجراً عندي وأخبريه أيضاً بأني خفضت الإيجار للنصف حتى ينتهي العدوان وتعود الأمور كما كانت.
(نفوس طيبة)
انتهى الشهر وصاحب المنزل ينتظر دفع الإيجار لكن دون فائدة فقرر أن يطرق باب المستأجر لأخذ المبلغ الشهري المقرر عليه وما هي إلا لحظات حتى خرج له المستأجر بحال رثة فهم أن جاره قد باع نصف أثاث المنزل من أجل أن يوفر قوت أولاده.
هذا ما أكده الوالد محمد سويد صاحب المنزل وما جعله عاجزاً عن الحديث وطلب الإيجار هو سوء الحالة التي وصل إليها بعد أن استغنى عنه صاحب العمل فخرج صاحب المنزل من عند جاره بعد أن سامحه من إيجار المنزل المتأخر عليه ووعده بخصم نصف الإيجار شهرياً لحتى تفرج أزمة البلاد وينتهي العدوان على بلادنا ودعوات جاره وزوجته تصحبه.
طرق الباب بحدة عدة مرات ولم يجبه أحد وكأن لا أحد يسكن المنزل سأله جيرانه ما بالك يا أبا أحمد ولماذا هذا الغضب رد بصوت عال وبوجه مليء بالغضب المستأجر لم يدفع الإيجار منذ شهرين وكلما أتيت إليه يقول لي أصبر قليلاً فالعدوان غير كثيراً من حياتنا للأسوأ وأفقدنا أعمالنا وأنا في ضائقة مالية ولولا هذا لما طالبت بالإيجار وعاد أبو أحمد يطرق الباب حتى خرج المستأجر ليترجاه ويتوسل إليه من أجل أن يصبر عليه قليلاً حتى يصله المبلغ الذي طلبه من أخيه وأخبره بأنه بدون عمل وبأن أولاده دون طعام منذُ يومين وعزة نفسه تمنعه من طلب العون من أحد فالمعين هو الله تعالى.
كما قال عبد السلام المستأجر ووعده بأنه سيعطيه المال خلال أسبوع من اليوم فطلب أبو أحمد حضور أحد الجيران ليشهد على أنه قد سامح عبدالسلام من دفع الإيجار حتى يأتي الفرج وقال: عوضي وعوضه على الله وسأصبر عليه فالتعاون والتراحم بيننا تربينا عليه منذ الصغر ولم يغير هذه الصفة أي ظرف.
(حالات شاذة )
رغم ان قانون المؤجر والمستأجر في بلادنا يضمن للمستأجر أن يبقى في المنزل ثلاثة أشهر إضافية حتى يتمكن من البحث عن منزل آخر للانتقال إليه إلا أن هذا القانون ليس له أي أهمية فصاحب المنزل هو المتحكم الوحيد بمصير المستأجر.
ليس كل المؤجرين يمتلكون قلباً رحيماً ويقدرون ظروف المستأجرين في ظل الأوضاع الراهنة فهناك قلة تفعل العكس, فها هو أبو عبدالمجيد يعود إلى منزله بعد زيارته لأخيه ليجد قفلاً كبيراً معلقاً على باب منزله فوق قفله الأساسي وحين سأل عن الفاعل قيل له هذا صاحب المنزل.. فخرج إليه المؤجر قائلاً: لن أفتح الباب إلا بعد أن تدفع لي إيجار السبعة الأشهر السابقة فقد صبرتُ عليك بما فيه الكفاية عُد من حيثما أتيت ولا تأتي إلا والإيجار معك أما عن أثاث المنزل فسوف يكون مرهوناً لديّ لحين دفع الإيجار.
حاول الجيران التدخل لكن دون جدوى فطلبوا منه أن يسمح له حتى يأخذ أبسط حاجياته لكنه رفض فعاد أبو عبد المجيد إلى منزل أخيه ودموع زوجته وأولاده ترافقه وهاهو الآن يحاول أن يدبر مبلغ الإيجار لكي يتمكن من إخراج أثاثه لبيت آخر يملك صاحبه قلبا رحيما كباقي أبناء اليمن.
لم يكن قلب المؤجر جابر مالك أحد المنازل أقل قساوة من سابقه بل فاقه بكثير فقرر أخذ أثاث المستأجر ورماه خارج المنزل أثناء غيابه وعندما عاد مهيوب لمنزله صُدم بأن أثاث منزله في الشارع وزوجته وأولاده في منزل الجيران حاول مهيوب أن يتفاهم مع صاحب المنزل بأن يصبر عليه قليلاً لكنه رفض وطلب منه أن يغادر المنزل لأنه وجد مستأجراً آخر وأما عن الإيجار فيدفعه بالتقسيط.
فما كان من مهيوب إلا أن أخذ زوجته وأولاده للقرية لأنه لا مكان لهم بعد أن استلف تكاليف السفر من أحد جيرانه وهو يدعو على صاحب المنزل الذي افتقد لأدنى معايير القيم الإنسانية.
(واجب إسلامي)
يرى علماء الدين بأن التكافل، والتعاطف ، والتناصح, والتواصي بالحق, والصبر عليه, لا شك أن هذا من أهم الواجبات الإسلامية, والفرائض اللازمة, وقد نصت الآيات القرآنية, والأحاديث النبوية, على أن التضامن الإسلامي بين المسلمين – أفراداً وجماعات, حكوماتٍ وشعوباً – من أهم المهمات, ومن الواجبات التي لا بد منها لصلاح الجميع, وإقامة دينهم وحل مشاكلهم , وتوحيد صفوفهم, وجمع كلمتهم ضد عدوهم المشترك، والنصوص الواردة في هذا الباب من الآيات والأحاديث كثيرة جدّاً, وهي وإن لم ترد بلفظ التضامن: فقد وردت بمعناه، ومما ورد من الأحاديث الشريفة في التضامن الإسلامي، الذي هو التعاون على البر والتقوى: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) أخرجه مسلم في صحيحه, وقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه) – متفق عليه-، وقوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر, وما جاء في معناها يدل دلالة ظاهرة على وجوب التضامن بين المسلمين, والتراحم والتعاطف, والتعاون على كل خير, وفي تشبيههم بالبناء الواحد, والجسد الواحد, ما يدل على أنهم بتضامنهم وتعاونهم وتراحمهم تجتمع كلمتهم, وينتظم صفهم, ويسلمون من شر عدوهم, وقد قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المفلحون.